“يناير” ببجاية
استحضار تقاليد عريقة وموروث يأبى الزوال
- 3664
يستعيد سكان قرى ومدن ولاية بجاية، احتفالا برأس السنة الأمازيغية، أو ما يعرف بـ”يناير”، عاداتهم وتقاليدهم المتوراثة كل سنة، من أجل العودة إلى النبع الأصيل، حسب خصوصية كل منطقة، رغم أن الكل يجمعون على ضرورة الحفاظ على ما خلفته الأجيال المتعاقبة، التي تعتبر من بين ركائز المجتمع الأمازيغي.
روبورتاج: الحسن حامة الاستعدادات للاحتفال بهذه المناسبة، غالبا ما تبدأ أياما قبل التاريخ الذي يوافق 12 جانفي من كل سنة ميلادية، حيث أن ترسيم “يناير” من طرف السلطات العليا للبلاد، أعطى طابعا مميزا لهذه العادة، حيث تتجند الكثير من الجمعيات، وفق البرنامج الذي تسطره من أجل إبراز التقاليد مختلف المناطق، واختلافها في طريقة الاحتفال ببداية السنة الأمازيغية. ورغم الاختلاف في طريقة إحياء “يناير” بعاصمة الحماديين من طرف السكان، إلا أن العنصر المشترك بينهما يكمن في إصرار الجميع على الحفاظ على تقاليدهم، وإبرازها خلال هذه المناسبة، لترسيخها لدى الصغار. تختلف عادات الاحتفال بعيد رأس السنة الأمازيغية من منطقة إلى أخرى، وفق الطقوس التي اعتادت عليها العائلات على مر العصور، والاحتفاظ بها، حيث يولي سكان القرى ومدن الولاية أهمية بالغة لهذه المناسبة، التي يشرع في التحضير لها على مدار عدة أيام، من خلال اقتناء لوازم إحياء الذكرى.
“سكسو أوذرييس” الطبق المفضل لدى أغلب السكان
إذا كانت مناسبة إحياء “يناير” فرصة من أجل لمّ شمل العائلات، و إبراز عادتها وتقاليدها، فإن الطبق الوحيد المفضل لدى أغلبية السكان بمختلف مناطق ولاية بجاية هو “سكسو أوذرييس”، الذي يتم إعداده في كل مناسبة تتزامن وإحياء مناسبة رأس السنة الأمازيغية والمناسبات الأخرى، حيث يعتبر من أهم عادة سكان المناطق الجبلية، على غرار مناطق حوض الصومام، كأقبو، سيدي عيش، إغيل علي، القصر، أدكار، تاوريرت إغيل، بالإضافة إلى القاطنين بالجهة الشرقية، وهو ما يعطي نكهة خاصة لـ«يناير يما قورايا”، مثلما يفضل البعض تسميته. يروي الشيوخ أن “سكسو أوذرييس” له علاقة خاصة بيناير، وتفضله الكثير من العائلات، حيث يعتبر فرصة من أجل لمّ شمل العائلات وتحصين الأخوة بين أفرادها خلال هذه العادة، التي يتم استحضارها في 12 جانفي من كل سنة، وتعتبر إشارة لافتتاح السنة الأمازيغية، حيث يصر الجميع على المشاركة في إعداد هذا الطبق، والجلوس على الطاولة بالطريقة التقليدية من أجل تناوله، حيث ترافقه الأدعية لمستقبل أفضل، فيما تختلف طريقة تحضير الطبق بين القرى، حيث يلتزم البعض بوضع سبعة لوازم لهذا الطعام الخاص.
“أفطير أقسول” و”تيكوربابين بالدجاج” أطباق عائلات الشرق
إذا كان طبق “سكسو أوذرييس” الأكلة المفضلة لدى الكثير من سكان بجاية، فإن بعض سكان مناطق أخرى تفضل من جهتها، أطباقا أخرى يتم تحضيرها خلال يناير، حيث غالبا ما تفضل عائلات البلديات الواقعة بالجهة الشرقية، على غرار خراطة، أوقاس، بوخليفة وتيشي، إذ يتم تنويع طرق إحياء “يناير” من خلال الاستعانة ببعض الأطباق التقليدية المعروفة بـ«أفطير أقسول” و«تيكوربابين بالدجاج”، يتم إعدادها خلال المناسبات الهامة، على غرار بداية السنة الأمازيغية وحلول فصل الربيع، إلا أن الأغلبية تفضل إعدادها عند إحياء “يناير”، خاصة الطبق الذي يتم تحضيره بالدجاج، ويفضل البعض ذبح الدجاج وتحضير طبق منزلي على الطريقة التقليدية، فيما يقوم البعض الآخر بشراء الدجاج على مستوى المقصبة، وتحضير الأكلة وفق خصوصيات كل منطقة، وهو ما تمتاز به عائلات الشرق البجاوي، رغم أن الأغلبية أضحت تستعين بالأطباق التقليدية المختلفة، من أجل إحياء هذه المناسبة التي توارثتها من الأجيال السابقة.
الحلويات التقليدية أطباق تزين مائدة العائلات البجاوية
رغم أن أغلب العائلات البجاوية تفضل الأطباق التقليدية لإحياء “يناير”، وفق عادات وتقاليد السكان، إلا أن الحلويات هي الأخرى، تسجل حضورها وتساهم في تزيين مائدة أغلب العائلات، مثلما أكدته السيدة “لالا زوينة”، التي التقينا بها بمناسبة المعرض المقام لهذه الغاية، حيث اعتبرت “يناير” مناسبة من أجل التعرف على عادات وتقاليد كل منطقة، من خلال الأطباق والحلويات التي يتم عرضها على أفراد العائلة والمدعوين، خاصة أنه يتم إحياء هذه المناسبة بحضور الكثير من العائلات، كما تعتبر أيضا فرصة لعقد جلسات صلح بين المتخاصمين على مستوى القرى، ولمّ شمل العائلات بالنظر إلى ما يعترضها من مشاكل. ولعل الحلويات التقليدية، على غرار الكعكة، المقروط و”تيبوعجاجين” الأكثر حضورا على موائد أغلب العائلات، يتم خلال هذه المناسبات التقليدية توزيعها على أفراد العائلة، وتناولها مع الحليب في صباح اليوم الموالي لإحياء رأس السنة.
إحياء “لوزيعة” في الكثير من المناطق
إذا كان الاحتفال بـ”يناير” يقتصر على تحضير الأطباق والحلويات التقليدية لدى أغلب العائلات البجاوية، خاصة على مستوى مناطق حوض الصومام، فإن البعض الآخر يستغل هذه المناسبة لتنظيم “لوزيعة” أو “تميشريت”، التي يتم فيها توزيع اللحوم على سكان القرية، من أجل لمّ شمل أفراد العائلات والسكان على مستوى القرى، وهي عادة يتم إحيائها على مستوى مناطق بني معوش، برباشة وغيرها، خاصة أن “يناير” يتزامن مع حملة جني الزيتون، لضمان منتوج في المستوى وبكميات معتبرة، فيما يعتبرها البعض الآخر فرصة من أجل حل المشاكل التي تعاني منها القرى على كل المستويات. تعتبر عادة “لوزيعة” من بين العادات التي واثب على إحيائها سكان منطقة القبائل بصفة عامة، وبجاية خاصة، على مر التاريخ.
برامج ثرية لإحياء “يناير”
شرعت العديد من الجمعيات، بالتنسيق مع السلطات المحلية لولاية بجاية، في إحياء “يناير” منذ عدة أيام، من خلال البرامج المسطرة، على غرار مديرية الثقافة لولاية بجاية، بالتنسيق مع الجمعيات والبلديات، بالإضافة إلى مديرية الشباب والرياضة، حيث تم تسطير برنامج على مستوى دار الثقافة، من خلال المعرض الذي تشارك فيه عشرات الجمعيات، وتم إبراز عادات وتقاليد كل منطقة على مستوى البلديات، خاصة ما تعلق منها بتحضير الأطباق التقليدية الخاصة بهذه المناسبة، بالإضافة إلى ندوات نشطها أساتذة جامعيون، على غرار خالد تازغارت الذي نشط ندوة حول “تاريخ وعادات يناير”، بالإضافة إلى أنشطة أخرى تتعلق أساسا بتقاليد كل منطقة، ستقدمها الجمعيات المشاركة.
من جهتها، سطرت بلدية أميزور برنامجا خاصا بمناسبة “يناير”، وتم تنظيم ندوة حول المطرب القبائلي سليمان عازم، بالإضافة إلى دور المرأة في المجتمع، و«يناير” على مستوى مسرح “عبد المالك بوقرموح” بأميزور. كما برمج مركز البحث في اللغة والثقافة الأمازيغية بجامعة “أبوداو”، برنامجا خاصا بالمناسبة، تخليدا لروح الكاتب والمؤلف محند أكلي حدادو، من خلال تخصيص يوم دراسي بالنظر إلى كل ما قدمه ذات المؤلف للثقافة الأمازيغية على مدار الكثير من السنوات، كما سطرت بلدية بجاية برنامجا خاصا بها، من خلال معرض “يناير”، أين تم عرض الألبسة التقليدية، الأطباق وغيرها من العادات التي تمتاز بها كل منطقة، وتشارك فيها ولايات تيزي وزو، البويرة وبومرداس، وغيرها التي أضحت تستقطب الكثير من الزوار من مختلف المناطق، من أجل التعرف على تقاليد مختلف مناطق القبائل.
تأكيد على احترام البرتوكول الصحي
لقد أصر الأطباء والأخصائيون على ضرورة احترام البرتوكول الصحي خلال الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية، خاصة مع الارتفاع في عدد الإصابات الذي تشهده ولاية بجاية والكثير من المناطق، حيث أكد حفيظ بودراهم، بصفته مراقب بالمستشفى الجامعي “خليل عمران”، على ضرورة التحكم في الإجراءات الوقائية، خاصة في ظل ارتفاع الحالات وعدد المرضى المتواجدين على مستوى مختلف المستشفيات عبر الولاية، حيث أن الوقاية أضحت، حسبه، إجبارية لتفادي تسجيل حالات أخرى، رغم أهمية هذه المناسبة.