جامعة "الأمير عبد القادر" بقسنطينة

"الحق في الماء" يجمع فقهاء القانون والشريعة

"الحق في الماء" يجمع فقهاء القانون والشريعة
  • 138
ح. شبيلة ح. شبيلة

تحتضن كلية الشريعة والاقتصاد بجامعة "الأمير عبد القادر" للعلوم الإسلامية بقسنطينة، الملتقى الوطني حول "الحق في الماء والتعايش السلمي العالمي في ضوء الفقه الإسلامي والقانون الدولي والتشريعات الوطنية والمقارنة" ؛ في مبادرة علمية تهدف إلى تسليط الضوء على مكانة الماء كحق من حقوق الإنسان، وركيزة أساسية لتحقيق السلم والعدالة بين الشعوب.

التظاهرة الأكاديمية التي ستحتضنها الكلية الإثنين المقبل ليومين، حسب القائمين عليها، تأتي تزامنا مع احتفال الأمم المتحدة باليوم العالمي للمياه بشعار "المياه قد ترسي السلام أو تشعل فتيل النزاع" . وهو يعكس حجم التحديات التي يواجهها العالم؛ بسبب ندرة المياه، وتزايد الصراعات حولها.

وأشار القائمون على الملتقى الوطني إلى أنّه يحمل بعدا آنيا وعميقا بالنظر إلى ما تشهده الساحة الدولية من انتهاكات صارخة لهذا الحق الإنساني، لا سيما في غزة؛ حيث يُحرم المدنيون من الحصول على المياه، ويُجبرون على استعمال مياه ملوثة تهدد حياتهم؛ في مشهد يجسد أحد أخطر أوجه العدوان الإنساني. كما تتفاقم في مناطق أخرى من العالم خلافات حول تقاسم الموارد المائية المشتركة؛ ما ينذر بأزمات جيو-سياسية متصاعدة، قد تعصف بالسلم الدولي ما لم تبرَم اتفاقيات عادلة ومنصفة بين الدول المتشاركة في الموارد، مؤكدين في السياق، أنّ اللقاء سيسلط الضوء على تجربة الجزائر التي كانت سباقة في إدراج الحق في الماء ضمن منظومتها التشريعية منذ الاستقلال؛ باعتباره حقا إنسانيا مضمونا، وركيزة من ركائز التنمية المستدامة والأمن الوطني.

وخطت الجزائر خطوات هامة في مجال ترسيخ الحق في الماء؛ إذ أصدرت منذ الاستقلال مجموعة من القوانين التي تنظّم استغلال المياه، وحمايتها. وأقرّت أنّ هذا المورد يمثل عنصرا استراتيجيا في التنمية المستدامة، وأنّ ضمان الحصول عليه لكلّ مواطن، واجب وطني، وحق مكفول. كما أُنشئ تنظيم مؤسّساتي متخصّص لتسيير الثروة المائية، وضمان استدامتها بما يتوافق مع المعايير الدولية في مجال الأمن المائي.

ويأتي تنظيم هذا الملتقى، حسب منظميه، ليجيب عن تساؤل جوهري: "إلى أيّ مدى يمكن أن تشكّل التشريعات الفقهية والقانونية ضمانة حقيقية لحماية الثروة المائية وصون الحقوق المرتبطة بها، ومنع النزاعات التي قد تهدد السلم العالمي؟" . وهو سؤال يطرح نفسه بإلحاح في ظلّ ما تشهده مناطق متعدّدة من العالم، من أزمات مائية، قد تتحوّل إلى صراعات جيو- سياسية مستقبلية.

كما يهدف الملتقى إلى تحقيق مجموعة من الغايات العلمية والعملية، أبرزها إبراز التصوّر الإسلامي العادل للثروة المائية، من خلال استعراض أحكام الشريعة الإسلامية التي جعلت الماء حقا مشتركا بين الناس، لا يجوز احتكاره أو منعه عن الغير؛ باعتباره نعمة إلهية، ووسيلة لحفظ النفس، والطهارة والعبادة. 

كما يسعى إلى الاطلاع على التشريعات الدولية والوطنية المتعلقة بالمياه، وتقييم مدى نجاعتها في ضمان الوصول العادل إليها، وتحقيق الأمن المائي، مع عرض التجربة الجزائرية في تسيير الموارد المائية، وتطورها التشريعي والتنظيمي في هذا المجال، فضلا عن استقراء الأبعاد الجيوسياسية لأزمات المياه في العالم، واستشراف التحديات المستقبلية التي قد تنشأ عن سوء التوزيع، أو الاستغلال المفرط للموارد المائية المشتركة.

وأكّد القائمون على الملتقى الوطني أن لتحقيق هذه الأهداف، تمت برمجة ثلاثة محاور أساسية تمثل الإطار العلمي للملتقى؛ حيث سيتناول المحور الأول "المياه في ضوء الفقه الإسلامي"، من خلال دراسة النصوص الشرعية المتعلقة بأحكام الانتفاع بها، وحقوق الارتفاق، ومقاصد الشريعة في حفظ هذا المورد. 

أما المحور الثاني فيتعلق بـ "القانون الدولي للمياه" . ويبحث في جهود الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية لتنظيم الأنهار والمياه الجوفية، وضمان الحق في الماء أثناء النزاعات المسلحة، في حين يركز المحور الثالث على "التشريعات الوطنية والمقارنة، لا سيما التجربة الجزائرية في تسيير الثروة المائية، وحمايتها القانونية"، وأهم الإصلاحات التي اعتمدتها الدولة لضمان التوزيع العادل للمياه، وتحقيق الأمن المائي الوطني.

ويُنتظر أن يجمع هذا اللقاء نخبة من الباحثين والأكاديميين لمناقشة سبل تعزيز التعاون بين الدول والمجتمعات في إدارة الموارد المائية؛ انسجاما مع دعوة الأمم المتحدة إلى اعتبار الماء وسيلة لتحقيق السلام لا وسيلة للنزاع، ليكون الملتقى فضاء علميا لتبادل الرؤى حول الحكامة الرشيدة في تسيير المياه؛ كمدخل أساسي لتحقيق السلم العالمي، وتأكيدا على أن الماء ليس مجرد مورد اقتصادي، بل هو رمز للحياة، وركيزة للاستقرار والازدهار الإنساني، كما قال الله تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي".