ندوة حول الطلاق والزواج العرفيّ بالمجتمع الجزائري
المشرّع صعّب التعدد للحفاظ على الأسر
- 731
شكّل موضوع الطلاق والزواج العرفي، محور ندوة إعلامية نظمتها جمعية الصحفيين والمراسلين لولاية البليدة، مؤخرا، تطرق خلالها كل من الأستاذ أمين شعبان المختص في الشريعة، والأستاذ حسين زوبيري المختص الاجتماعي، لأهم الأسباب التي تقف وراء تنامي ظاهرة الطلاق، والتي بلغت، حسب الإحصائيات المعلن عنها من وزارة العدل في السداسي الأول من سنة 2022، 44 ألف حالة طلاق؛ الأمر الذي يستوجب التفكير بصورة جدية، في تحليل الأسباب للحد منها، وتفادي الزواج العرفي، ومنه الحفاظ على مجتمع قوامه الأسرة الصالحة.
أشار المختص الاجتماعي الأستاذ حسين زوبيري، إلى كون المقبل على الزواج عندما يقرر الارتباط، لا يسأل نفسه لماذا أتزوج؟ فإن كان على يقين بأن الزواج هو مسؤولية مشتركة، وبناء أسرة، وتحمّل أعباء، فهذا يعني أنه مدرك لماهية هذا الرابط المقدس. أما إن لم يطرح على نفسه هذا السؤال، فمعنى ذلك أنه غير مؤهل لبناء أسرة، وهو ما توحي به بعض العلاقات التي تنتهي بعد شهر من الزواج؛ لأن الهدف من الزواج غير المعلن عنه، كان تحقيق رغبة جنسية في إطار شرعي لا غير.
وحسب المختص الاجتماعي، لا يمكن محاربة ظاهرة الطلاق في حد ذاتها؛ لأن الطلاق في بعض الأحيان، الحل الأمثل لإنهاء المشكل العالق. ولكن الإشكال يُطرح، ويصبح ظاهرة إذا تكرر وأصبح يمارَس بصورة متكررة، ولأسباب واهية، وهو ما يحدث، اليوم، في مجتمعنا، وبالتالي لا يمكننا أن نبني على سبب معيّن، والقول إنه وراء تنامي الظاهرة؛ لأن نفس السبب قد يكون متوفرا في أسرة أخرى ولا يتسبب في الطلاق، وبالتالي فأسبابه عبارة عن مجموعة من التراكمات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية".
ومن جهة أخرى، أشار المتحدث إلى أن الانفلات الذي حدث في الطلاق، راجع إلى كون المجتمع لم يعد يولي أهمية لهذا الحدث الاجتماعي؛ لأننا، ببساطة، نتجه نحو مجتمع يميل إلى الفردانية، وهو ما يعكسه حتى البناء العمراني الانفرادي، الذي يغلّب فكرة الابتعاد عن كل ما هو تجمّع أو علاقات اجتماعية، لا سيما أن المرأة، أيضا، تغيرت أدوارها، وأصبح لديها دور جديد بعدما أصبحت هي التي تتكفل بالتزويج وحتى الطلاق.
المصلحة أساس العقود
أشار المختص في الشريعة الإسلامية الأستاذ أمين شعبان، إلى أن المفاهيم الخاصة بالزواج تغيرت، ولم تعد تسير وفق القيم الإسلامية التي يُفترض أن يُبنى عليها. كما إن مفهوم الأسرة هو الآخر تغير، ولم تعد تقوم على جملة من المفاهيم القيمية التي تضمن الحفاظ عليها واستمراريتها، مشيرا إلى أن السؤال الذي ينبغي أن يُطرح هو: هل شباب وشابات اليوم لديهم المفاهيم السليمة حول كل ما يتعلق بعقود الزواج، أم هي مفاهيم عكرتها الأفكار الغربية؟ ويجيب: "الزواج لم يعد يُنظر إليه على أنه شراكة تقوم بين طرفين يؤسسان لمنظومة أسرية، وإنما أصبحت المصلحة هي الأساس في إبرام مثل هذه العقود؛ حيث يبحث كلا الطرفين عما يمتلكه الطرف الثاني من أموال ومكتسبات مادية؛ من منازل، وسيارات، ودخل فردي"، لافتا، بالمناسبة، إلى أن أغلب حالات الطلاق تقع لأسباب واهية وتافهة، مرجعها عدم الفهم الصحيح لماهية هذا العقد، الذي أصبح يُعقد على مصلحة شخصية، مؤكدا أن علاج ظاهرة الطلاق الذي يُفترض أنه حل من الحلول، يتطلب العودة إلى مجموعة من المفاهيم التي تُبنى عليها الأسرة؛ "فمثلا في حال النشوز بين الجانبين، لا ينبغي لأهل الطرفين التدخل فيها؛ لأنها مرحلة يحتاج فيها الطرفان إلى حل مشاكلهما بنفسيهما، ولا يجوز التدخل من الأهل، غير أن ما يحدث في الواقع غير ذلك، مما يسرّع في فك عقود الزواج"، مشيرا إلى أن "الفرد بحاجة لأن يتم الاستثمار فيه ليكون مؤهلا".
تهلهلُ المنظومة القيمية، حسب المختص، جعل الرجل غير قادر على تكوين الأسرة والحفاظ عليها؛ مما جعل من مسألة التعدد واحدة من الأسباب التي رفعت، هي الأخرى، معدل الطلاق؛ لأنها تمارَس من دون ضوابط، ممثلة في القدرة ليست المادية فقط، وإنما الجسدية، وتحمّل المسؤولية، مشيرا إلى أن القانون صعّب مسألة التعدد للحفاظ على الأسرة، ولو ترك الأمر على حاله، فإن الأغلبية تميل إلى التعدد على حساب هدم أسرة أخرى، وهو ما يرفضه القانون، الذي يشترط موافقة الزوجة، ليتسنى للزوج الزواج مرة أخرى، وهو حل من الحلول القانونية لحفظ الأسر، وحتى تكون كل الأمور واضحة، وعلى بيّنة.
وأنكر المتحدث احتفال المرأة بفك الرابطة عن طريق الخلع، والذي تعلن من خلاله، عن تحررها، لافتا إلى أن الزواج العرفي أصبح، هو الآخر، واحدا من المشاكل العويصة التي يميل إليها كثير من الرجال من باب الرغبة في التعدد، غير أنه تَسبب في كثير من المشاكل المرتبطة بنسب الأبناء. وانطلاقا من هذا صعّب القانون مسألة التعدد، وفرض وجوب إبرام العقد المدني قبل الشرعي؛ من أجل حفظ الحقوق والمصلحة المرسلة؛ لذا فإن فقهاء المذهب المالكي أكدوا على وجوب تغليب العقد المدني قبل الشرعي. وختم المختص بأن الفرد بحاجة لإعادة الاستثمار فيه، وتكوينه، ليكون مؤهلا لبناء أسرة، وكذا العمل على غرس القيم الفردية والأسرية التي نعيش بها وعاش بها الآباء والأجداد، والتي أساسها المودة، والرحمة، والمعاشرة بالمعروف لبناء تصور صحيح عن أسرة سليمة.