تزامناً مع دخول موسم جني الزيتون
"الوزيعة"عادة متجذّرة بين سكان قرى سكيكدة
- 159
❊ "الدمنة" إيذان بانطلاق "الوعدة" أو "الوزيعة"
يعيش سكان قرى ولاية سكيكدة، منذ أيام، على غرار قرية بوصبيع بمنطقة عين طابية بإقليم تمالوس، وكركرة، ومنطقة "الدوزن" الجبلية المتاخمة لبلدية بني زيد، وكذا برج القايد التابعة لبلدية بين الويدان، على وقع تنظيم عادة "الوزيعة"؛ استعدادا لموسم جني الزيتون، والتي تُعدّ تقليدا دأب على إحيائه سكان المنطقة منذ غابر الأزمنة؛ لكونه، باختصار، جزءاً من العادات والتقاليد المتوارَثة عن الأجداد.
وقبيل انطلاق عملية جني محصول الزيتون، يعمد سكّان تلك المناطق إلى ذبح عجل أو اثنين أو ثلاثة، تحت إحدى أشجار الزيتون أو كما يطلَق عليه "الدمنة" ؛ إيذانا بانطلاق "الزردة" أو "الوعدة" أو "الوزيعة"، في أجواء احتفالية يشارك فيها الجميع. وبعد الانتهاء من الذبح والسلخ الذي يتم وسط الأهازيج والأدعية، يُشرع في عملية تقطيع اللحم، وتقسيمه بكمية متساوية. وتسمّى العملية بـ«المصباح" . ثم يوزّع على العائلات بالخصوص الفقيرة منها. وبعد الانتهاء من عملية التوزيع يُشرع في تناول أطباق تقليدية؛ من كسكسي أو شخشوخة، يتم إعدادها تحت أشجار الزيتون من قبل النسوة.
ولا يتخلف أحد من أهالي القرى والمداشر عن الوليمة. وعند الانتهاء من الأكل تُعقد حلقات للذكر والدعاء والتضرّع إلى الله تعالى بأن يطرح عليهم البركات، وأن يجعل من موسم جني الزيتون لهذه السنة، موسم خير.
طقوس بأبعاد روحية واجتماعية
تحمل تلك الطقوس المتميزة أبعادا روحية واجتماعية؛ لكونها فرصة سانحة للمّ شمل المتخاصمين. كما إنّ الاحتفال بعيد الزيتون هو احتفال بالخير، والبركة، والتآلف، والتآزر، بمساهمة جميع سكان القرية؛ إذ أشار السيد "عمّار" من منطقة "الدوزن" بأعالي بني زيد غرب عاصمة الولاية، في تصريح لـ " المساء " ، إلى أنّ تلك العادة تجسّد روح المساواة والتكافل الاجتماعي بين سكان القرية. كما ترتبط ببداية موسم جني الزيتون؛ في تقليد ورثته الأجيال بالمنطقة؛ استبشارا بموسم وفير لزيت الزيتون. وأضاف أنّ تلك العادات التي يحرص على إحيائها الأهالي، ليست مجرد طقوس اجتماعية، بل تتعداها؛ لأنّها تعبّر عن قيم اجتماعية لاتزال حاضرة رغم تحديات العصر. والملاحَظ في عادة "الوزيعة" حسب محدّثنا، أنها تتم في أجواء أخوية وعائلية، تعزز الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع المحلي؛ إذ يتحول ذلك اليوم إلى شبه عيد؛ حيث يجتمع الناس في مكان يتمّ تحديده، ويتوافدون عليه من كل المناطق المجاورة، في أجواء من الفرح والأمل والتفاؤل بموسم خصب.
مشاركة جماعية في جني الزيتون
وعن عملية الجني التي تنطلق مباشرة بعد الانتهاء من طقوس "الوزيعة"، فتتمّ، أيضا، وسط أجواء تضامنية؛ فالكل يشارك في العملية؛ إذ إن الأطفال يقومون بجمع ما يسقط من ثمر الزيتون على الأرض، ووضعه في الأكياس التي أُعدت لذلك. والرجال منهم من يقوم بتسلق الأشجار ونفضها إما بتحريك الأغصان أو بالاعتماد على العصي، فيما يقوم البعض الآخر بحمل الأكياس ونقلها إلى المنازل على متن بعض الآليات كالجرار؛ قصد عصرها، أو نقلها إلى المعاصر. وتستمر عملية الجني، حسب محدثتنا، طوال اليوم، علما أن محصول الزيتون يوضع في أكياس من الخيط تسمى باللهجة المحلية "الشكارة دي الخيشة"؛ لتسهيل عملية نقلها إلى المعاصر أو إلى المنازل، واستخلاص منها الزيت، لا سيما عند الاعتماد على الطريقة التقليدية. وهي العملية التي تدوم تقريبا حوالي شهرا، حسب كمية المنتوج، مباشرة بعد الانتهاء من عملية تنقيتها من الأحراش.
عصر الزيتون بالطريقة التقليدية
وعن كيفية عصر الزيتون بالطريقة التقليدية التي تفضلها العديد من الأسر الريفية؛ ما يكسب الزيت قيمته، فإنّها تتم مباشرة بعد عجن حبوب الزيتون بحجر كبير يسميه البعض "اليربابة" ؛ حيث يوضع المعجون في إناء كبير، ليتم، مجددا، عجنه بالأرجل؛ لتسهيل عملية استخراج الزيت. وبعد الانتهاء من هذه العملية مباشرة، يتم وضع هذا الأخير في إناء طويل نوعا ما، مصنوع من القصب به فراغات صغيرة، وظيفته تمكين زيت الزيتون من الخروج، ليوضع بعدها في قصعة لتجميع الزيت بجانب حفرة من النار تسمى "الكانون"؛ لتسهيل عملية سيلان زيت الزيتون بسهولة، والتي تتم في ثلاثة أيام، وهي المدة الكافية التي تتطلبها العملية. بعدها يؤخذ، مرة أخرى، المعجون صوب حفرة في الأرض بطول مترين وعمق متر واحد ويفضَّل أن تكون قرب مكان تواجد الماء؛ حتى تسهل عملية ملء هذه الأخيرة بالماء ووضعه في الحفرة.
وعندما تطفو بقايا حبة الزيتون الطرية والمعجونة، على الماء مع الزيت المتبقي، تغوص البقايا اليابسة، لتقوم النسوة ـ وهن يرددن الأناشيد الشعبية ـ بضرب بقايا المعجون التي تطفو على الماء، بعصا؛ بغرض إخراج الزيت منها. وعند الانتهاء من العملية تُجمع بقايا المعجون مرة أخرى، وتوضع في قطعة قماش تسمى "لشكارة"، أو حسب لهجة كل منطقة، ليتم، مجددا، عصرها بسكب الماء الساخن بمشاركة شخصين على الأقل. وبهذه الطريقة المضنية تتم عملية استخراج الزيتون وسط أجواء مفعمة بالفرح، تساهم في نسيان متاعب العملية، التي تبقى العديد من العائلات تتشبث بها.
احتفالات بأولى كميات زيت الزيتون
ومع الحصول على أولى كميات زيت الزيتون وبمجرد دخولها إلى البيت تشرع النسوة في إطلاق العنان للزغاريد وسط ابتهاج الجميع؛ حيث يحضّرن أول الأكلات كالبغرير، الذي يُعرف في بعض المناطق الجبلية المجاورة لحدود ولاية جيجل، بـ"ثيغريفين" أو "لغرايف" ، والذي تؤكل أقراص منه بزيت الزيتون. أو تقوم بعض الأسر بتحضير بعض المأكولات؛ كالمطلوع، أو خبز الشعير، أو الكسرة المصنوعة بزيت الزيتون، أو كما تُعرف بالأمازيغية بـ "أغروم" ، أو يسميها بعض الأهالي بـ«الرخسيس" . كما تحضَّر بعض الأطباق الشعبية خاصة البركوكس، فيما تقوم العديد من العائلات بتوزيع كميات من زيت الزيتون، على بعض العائلات.