تراجع المقروئية في مجتمعنا
تآمر على اللغة والتراث الحضاري
- 693
لوحظ في السنوات الأخيرة عزوف كبير عن المطالعة لدى سائر أفراد المجتمع، وحتى من مثقفيه ومتعلميه، ترجمتها لغة الأرقام بأكثر من 58 بالمائة من الأفراد لا يطالعون، وهي النسبة التي تدل على تراجع مكانة الكتاب الذي كان في زمن مضى خير جليس للإنسان، وتعود أزمة نقص المقروئية إلى ظهور وسائط عديدة اختلفت بين الغزو التكنولوجي والركض وراء كسب العيش، الذي يقابله في أيامنا غلاء أسعار الكتب، التي طرحت إشكالا في المعرض الدولي للكتاب في طبعته الـ23، إلا أن هذا التغيير لم يمنع عشاق القراءة من مطالعة الكتب التي يجدون فيها غذاء للعقل والروح، لما تحتويه من كمّ هائل من الأفكار والمعلومات.
أظهرت دراسة استطلاعية أشرف عليها المركز العالمي للاستشارات الاقتصادية، أن نسبة الأشخاص الذين لا يقرأون في بلادنا بلغت 86.56 بالمائة، في حين لم يتجاوز معدل المداومين على القراءة 6.8 بالمائة، من العينة التي مست 1000 شخص من 10 ولايات، مما يشير إلى نقص التواصل مع الإنتاج الفكري والثقافي الجزائري أو الأجنبي.
أشارت دراسات ميدانية أخرى إلى تراجع مكانة المطالعة في المجتمع الجزائري، بسبب الظروف المعيشية، موضحة أن معظم العائلات ذات الدخل المتوسط، يسعى أربابها إلى تلبية الحاجيات المادية الأساسية لأفرادها، على غرار المأكل والمشرب والعلاج، علاوة على تدني المستوى الثقافي الذي ساهم بشكل كبير في انخفاض نسبة المقروئية، فالكثيرون لا يجدون وقتا للمطالعة بسبب انشغالهم بمشاكل الحياة.
طلبة يوضحون:التكنولوجيا منافس شرس للكتاب
لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء تراجع المقروئية لدى الفئة المثقفة، اتجهنا إلى جامعة الجزائر "3"، حيث كان لنا حديث مع طلابها في عينة لمست أكثر من 10 طلاب، إذ أكد الطالب "إيهاب.ب" البالغ من العمر21 سنة، تراجع مكانة الكتاب في السنوات الأخيرة، بعد المنافسة الشرسة التي عرفها من الكتب الإلكترونية التي تعرضها الأنترنت في شتى الاختصاصات والمجالات، لتلبي بذلك كل الطلبات، مع سهولة الوصول إلى المعلومات من خلال شبكة الأنترنت قائلا "لم يسبق لي أن استعرت كتابا من المكتبة، لأنني أفضّل الكتب اللإلكترونية، لسهولة الوصول إليها بصيغة "pdf".
أشار الطالب طارق إلى أن المطالعة تستهويه من خلال قراءته للصحف والمجلات، يقول "أفضل قراءة الصحف لأنّها تعتبر مصدرا للأخبار الحصرية، خاصة في مجال الرياضة التي أحبها وأتابع كل كبيرة وصغيرة فيها، حيث يتسنى لي معرفه أخبار الأندية التي أتابعها وتحركات اللاعبين التي تهمني جدا". أشار طالب في السنة الثالثة، إلى أنه لا يجد الوقت الكافي لتصفح الكتب والروايات، فمعظم وقته يقضيه في الجامعة.
إذا كان هناك من لا يعطي المطالعة أهمية، فآخرون يجدون فيها الملاذ والصحبة الإيجابية، وهو ما أكّدته الطالبة ياسمين، التي تعتبر المطالعة منبع إبداعها الفكري، وهي بمثابة مفر من متاعب الحياة ومرارتها، وتقول "أجد في المطالعة راحة نفسية كبيرة".
حدثنا الطالب "مهدي.م" عن حبه للكتاب قائلا "المطالعة من أفضل الوسائل التي ألجأ إليها لتثقيف نفسي، فأنا أطالع كتبا كثيرة، والمفضلة لدي هي العلمية، بغرض التعلم وكسب المعرفة وكل ما هو جديد في مختلف مناحي الحياة".
مختصون يؤكدون: العزوف خطر جسيم يهدد المجتمع
أكدت الأستاذة خديجة صادقي (ماجيستير في العلوم الاجتماعية)، أنّ المطالعة تعد القناة الأساسية التي تساهم في تنمية الثقافة العامة، والتي من خلالها يبني الشباب شخصيته الفكرية وتقول "عزوف الشباب عن القراءة يشكّل خطرا على حياتهم، ويعرضهم بدرجة كبيرة للانحراف، علاوة على ضعف مستواهم في التحصيل الثقافي واللغوي وضعف في التعبير، مما يؤول إلى إنشاء جيل عاجز عن مسايرة ظروف الحياة ومتطلّباتها مع ميوله إلى الانغماس في الحياة الإلكترونية لسهولتها، والتخلف الذي تسببه، بالتالي نحن نتآمرعلى لغتنا وتراثنا الحضاري، بسبب عدم تحديد وقت لتنمية ثقافتنا والخضوع الأعمى لثقافة الغير التي تؤمنها التكنولوجيا الطاغية". موضحة أن شباب اليوم يعاني من مدّ وجزر التيارات التي تتقاذفه أينما تشاء، فاقدين إرادة التغيير نتيجة عدم امتلاك المعرفة، وأكدت أنه للأسف، أصبحنا أمة تستورد وتقلد وابتعدنا عن الإبداع والابتكار، وقد ينعكس هذا مستقبلا على النمو الحضاري في البلد.
في نفس السياق، أشارت مديرة مكتبة باش جراح نبيلة بلكبير، في حديثها مع "المساء"، إلى أن نسبة الإقبال على المطالعة ضئيلة، تزامنا مع تدفق الأنترنت، بالتالي تراجع الإقبال على المطالعة. فالطالب يفضّل الكتب الإلكترونية التي يعد الوصول فيها إلى المعلومة سهلا، موضحة أن الفئة الأكثر ترددا على المكتبة تتمثل في طلاب أطوار المتوسط والثانوي والجامعي، بالتالي الكتب المقتناة أو الأكثر تداولا بالمكتبة هي الكتب شبه المدرسية، التي تساعدهم على التحصيل الدراسي وفهم الدروس وحلّ التمارين، أي تدعيمية، أما الكتب الأخرى، مثل الروايات والأشعار، فقد تم التخلي عنها، قالت محدثتنا.