الدروس الخصوصية من الحاجة إلى الاتكالية
تحذير من هدر قدرات التلاميذ
- 190
رشيدة بلال
يعيش التلاميذ وأولياؤهم مع اقتراب موعد كل تقييم أو فرض، هاجس الدروس الخصوصية. حيث تبدأ رحلة البحث عن الأستاذ المناسب أو المدرسة الملائمة، أو حتى عن بعض المبادرات الفردية التي ينظمها أساتذة ومعلمون في منازلهم؛ قصد التسجيل، والانطلاق في مراجعة الدروس، وفهمها. ولأن هذه الظاهرة أصبحت جزءا من المشهد التربوي، حاولت البروفيسور آمال بن عبد الرحمان المختصة في علم النفس العيادي، لفت الانتباه إلى الجانب الإيجابي من دروس الدعم، لتوجه من خلالها رسالة إلى الأولياء حول ما يجب فعله، وما لا يجب؛ حتى لا تتحول الدروس الخصوصية إلى عبء نفسي وتربوي على الأبناء، أو وسيلة تُفقدهم قدرتهم على الاعتماد على أنفسهم في مواجهة الصعوبات الدراسية في ظل التحدي الجديد، المتمثل في الذكاء الاصطناعي الذي يكاد يحلّ محل المتعلم في حل التمارين، والمراجعات.
لا يختلف اثنان في الأهمية المتزايدة، التي أصبحت تحتلها الدروس الخصوصية في حياة التلاميذ، بغضّ النظر عن مستواهم الدراسي. فقد اختفى، اليوم، الفرق بين التلميذ الصغير والمقبل على امتحان نهائي؛ فالكل معنيون بهذه الدروس التي يبررها الأولياء في كل مرة، بـكثافة الدروس، والحجم الساعي؛ ما يجعل التلاميذ عاجزين عن الاستيعاب الكامل داخل القسم.
هذا الإقبال الكبير جعل من الاستثمار في هذا المجال، أحد أنجح الاستثمارات في الوقت الحالي. والدليل على ذلك وجود أكثر من مدرسة أو معهد لتقديم دروس الدعم في الحي الواحد، بل وأحيانا تشاهد طوابير من التلاميذ في انتظار حصصهم أمام هذه المدارس، خاصة خلال عطلة نهاية الأسبوع، وسط منافسة شديدة بين أصحابها حول من يمتلك أكبر عدد من الأساتذة المشهورين بقدراتهم التعليمية العالية.
وتوضح البروفيسور آمال بن عبد الرحمان أن الدروس الخصوصية أصبحت "شرا لا بد منه". وتقول في هذا السياق:"لولا الصبغة التجارية التي طغت على هذا النوع من الدعم التربوي والمغالاة في الأسعار، لكانت هذه الدروس عادية، بل ومطلوبة؛ لأن التلاميذ يختلفون في قدراتهم على الفهم والاستيعاب. وبعضهم، فعلاً، بحاجة إلى أستاذ ثانٍ، يساعده على فهم الدروس، وتقريب الفكرة منه “.
غير أن المختصة نبّهت إلى إشكالية جديدة، ظهرت مع توسع الظاهرة، تتمثل في تعليم الأطفال الاتكالية. فكثير من الأولياء لا يسمحون لأبنائهم ببذل أي مجهود بسيط في الفهم أو حل التمارين بأنفسهم، بل يفضلون أن يقوم الأستاذ الخصوصي بكل شيء، وهو ما يؤدي تدريجيا إلى تجميد قدرات الطفل العقلية، وجعله عاجزا عن التفكير الذاتي. وتضيف: "الجيل القديم لم يكن يعرف معنى الدروس الخصوصية. وكان يعتمد كليا على نفسه، وعلى المعلم داخل القسم، مع المراجعة الفردية الكثيفة، وحل التمارين بشكل متكرر. وهي الطريقة التي كوّنت جيلاً قادرا على التحليل، والمبادرة ".
وتقول البروفيسور بن عبد الرحمان: "بدل محاربة الظاهرة التي أصبحت حتمية في ظل منظومة تربوية مضغوطة، يجب التركيز على الجانب الإيجابي، منها عبر ترشيدها، والحد منها قدر الإمكان، وجعلها للضرورة الحتمية". كما تقول: "من المهم ألا يعتمد التلاميذ على الدروس الخصوصية في كل المواد، بل فقط في تلك التي لم يتمكنوا من فهمها داخل القسم. كما ينبغي على الأولياء تشجيع أبنائهم على التواصل مع معلميهم خلال الحصص، وطرح الأسئلة بدل اللجوء مباشرة إلى الدروس الخصوصية ".
وأضافت أن المنظومة التربوية تضم كفاءات تعليمية عالية. وهي نفسها التي تشرف على دروس الدعم خارج المؤسسة، وبالتالي فإن القليل من الجهد والتفاعل داخل القسم قد يغني عن هذه الدروس، التي تحولت لدى بعض الأسر إلى "موضة" أو نوع من التفاخر الاجتماعي، خاصة عندما يكون الأستاذ الخصوصي معروفا بقدرته على رفع معدلات النجاح. وتشير المختصة إلى أن الرهان الحقيقي يقع على عاتق الأولياء، الذين يبالغون في كثير من الأحيان في حماية أبنائهم، إلى درجة جعلهم عاجزين عن حل أبسط التمارين التي تحتاج، فقط، إلى قليل من التركيز، والتفكير الذاتي.
وختمت البروفيسور آمال بن عبد الرحمان حديثها بالتأكيد على أن "الدروس الخصوصية ليست عيبا، لكنها ليست الحل أيضا"، مشيرة إلى أن سرّ النجاح لا يرتبط بعدد الساعات الإضافية، بل بقدرة التلميذ على بذل الجهد، وتحريك قدراته العقلية. وحسبها، فعلى التلميذ أن يدرك أن الفهم الحقيقي يأتي من داخله، وأن الدروس الخصوصية ما هي إلا وسيلة مكملة لقدراته، وليست بديلاً عنها؛ فكل مجهود إضافي يبذله الطفل في البحث والفهم الذاتي، هو خطوة نحو تحقيق معادلة النجاح.