جامعة لونيس بالبليدة ترفع سقف أهدافها عاليا
دفع الطلبة نحو ريادة الأعمال والابتكار وفهم تحديات الذكاء الاصطناعي
- 208
رشيدة بلال
لا يزال المحيط الجامعي على مستوى ولاية البليدة يسعى جاهدًا، من خلال عدد من المؤسسات التي تم استحداثها، إلى تغيير فكر الطالب والانتقال به من الطابع الكلاسيكي القائم على البحث عن وظيفة، إلى السعي ليكون فردًا مبدعًا ومبتكرًا وصاحب مؤسسة ناشئة، ولبلوغ هذا المسعى وما يطرحه من تحديات، تحدثت "المساء" على هامش إحياء الأسبوع العالمي للمقاولاتية، إلى عدد من الأساتذة المختصين الذين ارتأوا تسليط الضوء على بعض المعطيات الهامة التي ينبغي لكل طالب مبدع ومبتكر وحامل فكرة مشروع أن يفهمها ليتمكن من شق طريقه في ظل مجتمع أصبح لا يؤمن إلا بالسرعة ولا يستجيب إلا للخدمات المواكبة للعصرنة وما تفرضه التكنولوجيا من مستجدات، لاسيما ما تعلق منها بتحديات الذكاء الاصطناعي.
أكد البروفيسور سعيد بوخاوش، بمناسبة إشرافه على افتتاح الأسبوع العالمي للمقاولاتية بأنه يمثل فرصة حقيقية للطلبة لتحويل أفكارهم الإبداعية إلى مشاريع اقتصادية قابلة للتطبيق"، مضيفا بأنه يؤمن بأن الجامعة ليست فقط فضاءً للتحصيل العلمي، بل هي منصة لبناء قادة المستقبل ورواد الأعمال الذين يساهمون في تطوير الاقتصاد الوطني"، داعيا الطلبة إلى "الاستفادة القصوى من الورشات التكوينية واللقاءات مع الخبراء والمستثمرين المبرمجة طيلة الأسبوع".
في هذا السياق، أوضح بأن فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية يحوي برنامجا ثريا ومتنوعا يشمل ورشات تكوينية وتطبيقية تحت شعار "من الفكرة إلى المشروع"، و ورشات متخصصة في حماية الملكية الفكرية لبراءات الاختراع والعلامات التجارية، إضافة إلى لقاءات مباشرة مع خبراء ومقاولين ومستثمرين ورجال أعمال، وأيام مفتوحة مع المؤسسات الاقتصادية الداعمة، فضلاً عن توقيع اتفاقيات شراكة وتعاون مع عدد من الهيئات الاقتصادية.
مركز تطوير المقاولاتية جسـر المواكبة نحو ريادة الأعمال
قال محمد معمري، مدير مركز المقاولاتية في تصريحه لـ«المساء"، إن المركز الذي يُعد مكسبًا هامًا لجامعة لونيسي بالعفرون، يقدم دورة تكوينية تستغرق 21 يومًا بالشراكة مع الوكالة الوطنية لتنمية المقاولاتية، لمرافقة حاملي المشاريع ليستفيدوا من التمويل بعد انتهاء فترة التكوين. وقد تمكن المركز منذ افتتاحه في ديسمبر 2024 من برمجة 14 دورة تكوينية بمعدل سبع دورات في السنة، وأوضح المتحدث بقوله: "لدينا مجموعة من المشاريع المقبولة على مستوى الوكالة الوطنية (ناسدا) والتي بلغت 11 مشروعًا قابلة للتمويل، أصحابها بصدد متابعة الإجراءات القانونية".
وأضاف معمري أن المركز يحاول قدر الإمكان، بالنسبة لفئة الطلبة الذين حازوا على موافقة للحصول على التمويل، تبسيط ما أمكن من الإجراءات التي ينظر إليها الكثيرون على أنها بيروقراطية، لكنها في الحقيقة إجراءات ضرورية. وبالمناسبة يطالب محدثنا بأن تكون هناك تسهيلات أكبر في الجانب الإجرائي والإداري لتيسير العملية، مؤكدًا أنهم يسعون من خلال شبكة علاقاتهم إلى تبسيط الإجراءات قدر المستطاع. كما لفت إلى أن المواضيع التي يتم تناولها متنوعة ولا ترتبط بما تقدمه الجامعة من تخصصات، حيث نجد مشاريع مختلفة في الطاقة والزراعة والصحة وغيرها من المواضيع الخاصة بالرقمنة.
وحول درجة اهتمام الطلبة، أكد مدير تطوير المقاولاتية أنهم يقفون دائمًا على أفكار إبداعية ورغبة كبيرة في تحويل الأفكار إلى مشاريع خدماتية أو إنتاجية، ولا ينقص الطلبة سوى المرافقة التي تعمل مختلف مراكز الجامعة على توفيرها تنفيذًا لسياسة الدولة التي أكد عليها رئيس الجمهورية من أجل أن تكون الجامعة خَلّاقة للثروة من خلال الاستثمار في طلابها.
هل تكفي فكرة مبتكرة؟.. حماية الفكرة أول درس
ترى مريم لعشاب، مديرة مركز تطوير المقاولاتية مختصة في القانون الدستوري أن ما يراهن عليه المركز هو اكتساب ثقافة الابتكار. وتشرح المتحدثة أن الطالب يجب أن يعرف أن وجود فكرة مبتكرة يستوجب البحث في قاعدة البيانات حول مدى استهلاكها سابقًا، ومدى قابليتها للتطبيق، وهو ما يسعى المركز إلى تلقينه للطلبة من خلال الدورات التكوينية. فالفكرة المبتكرة وحدها لا تكفي؛ إذ لا بد للطالب من اكتساب ثقافة تسجيل وحماية فكرته الإبداعية، خاصة عند الدخول في منازعات براءة الاختراع، حيث لا نملك تقول المتحدثة محامين متخصصين في المجال، وقد وقع الكثيرون ضحية سرقة أفكارهم فقط لأنهم لم يعرفوا كيف يحمونها ولا يملكون أصلا هذه الثقافة.
وأضافت أن الحصول على براءة الاختراع يتطلب من المبتكر معرفة كيفية البحث في قواعد البيانات، لأننا اليوم لا نبحث في ابتكار غير موجود، بل في ابتكار موجود تم تحسينه وتطويره بالرقمنة. ومن هذا المنطلق، يحتاج الطالب إلى تكوين تقني وتكنولوجي لفهم كل ما يتعلق بالفكرة المبتكرة وطرق حمايتها.
وأكدت المتحدثة أن الجزائر كانت سبّاقة في إنشاء مراكز الدعم التكنولوجي والابتكار، حيث تضم 150 مركزًا على مستوى الجامعات والمؤسسات الاقتصادية، وتعد الثانية عالميًا بعد روسيا، والأولى إفريقيًا وعربيًا في عدد هذه المراكز. وعلى مستوى جامعة لونيسي التي حظيت بهذا المركز، يعد تسجيل الأفكار الابتكارية والمشاريع من أهم مهامه، إلى جانب إكساب الطلبة مفهوم ثقافة الابتكار وكيفية حماية الفكرة للحصول على براءة.
ولفتت إلى أن بعض الطلبة قد يمتلكون روح الإبداع لكنهم غير قادرين على تجسيدها، ما يجعل أفكارهم قابلة للاستثمار من طرف الغير. وفي غياب محامين متخصصين في حماية براءة الاختراع يجعل الأفكار الابتكارية مهددة. ومن أبسط القواعد ـ تقول ـ أنه لا ينبغي مناقشة الفكرة حتى بين الزملاء، وهو أول درس يجب أن يكتسبه الطالب في مجال الحماية. وهنا يكمن دور المركز في توجيه الطلبة وتعليمهم كيفية حماية أفكارهم والحصول على براءة الاختراع. كما أشارت إلى أن الرهان المستقبلي يكمن في فتح أسواق لبيع براءات الاختراع، وهو ما تعمل الجامعة على غرسه في الطلبة ضمن مساعيها تقريب الجامعة من محيطها الاقتصادي، وربط البحث العلمي بالصناعة والتكنولوجيا من خلال ما يسمى بـ«المقاول المعرفي".
الذكاء الاصطناعي.. أداة داعمة للطلبة ومفجرة لإبداعاتهم
من جهتها، أكدت الأستاذة مسعودة عمارة، مديرة دار الذكاء الاصطناعي بجامعة البليدة 2، أن الرهان الكبير الذي تعوّل عليه الدار، التي تم تنصيبها مؤخرًا، هو تعريف الطالب الجامعي بكيفيات استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بطريقة آمنة و مسؤولة وواعية ومبتكرة. وبالحديث عن الطالب، يفترض تقول المتحدثة أن أهم ما يمكن أن يقدمه هو الإبداع والابتكار، غير أن تقنيات الذكاء الاصطناعي قد تقتل روح الإبداع إذا وقع الطالب في فخ "العمل الجاهز".
وتضيف أن دورهم هو تحذير الطالب حول الطريقة الصحيحة لتمكينه من استغلال الذكاء الاصطناعي دون أن يؤثر ذلك على بصمته الإبداعية، التي يجب أن تكون ظاهرة في فكرته أو مشروعه. ومن بين التحديات التي يعملون على تكوين الطلبة فيها: تحديات الملكية الفكرية، إذ قد يستعمل بعضهم معلومات فيها اعتداء على ملكية فكرية لجهات أخرى، ما يعرضه لمتابعات. ولهذا تؤكد ضرورة التأكد من مصادر المعلومات التي تقدمها منصات الذكاء الاصطناعي، والسعي دائمًا للحفاظ على الطابع الشخصي لصاحب الفكرة.
وأوضحت المتحدثة أن المساعي لا تزال جارية لإكساب الطلبة معارف حول الأدوات الآمنة للذكاء الاصطناعي، إلى جانب الندوات التي تُبرز أهمية الحفاظ على الطابع الشخصي في المجال المقاولاتي. فدور الذكاء الاصطناعي حسبها هو المساعدة على إعطاء صورة واضحة حول الفكرة، ويبقى على الطالب تحويل التصور الأولي إلى منتج يعكس إبداعه.
كما أكدت عمارة أن من أهم التحديات التي يعمل عليها المركز هو كيفية حماية المعطيات الشخصية لأصحاب المشاريع، التي أصبحت هي الأخرى مهددة. لذلك يعمل المركز على توضيح القوانين التي تساعد الطلبة على معرفة حقوقهم وواجباتهم لحماية معطياته الشخصية. وتضيف أن الذكاء الاصطناعي، إن أحسن المبتكر استغلاله، قادر على تفجير طاقاته الإبداعية في وقت وجيز.
حاضنة الأعمال.. تثبيت الفكر الريادي وترجمة الأفكار إلى مشاريع
وتكشف البروفيسور أسماء سطنبولي، مديرة حاضنة الأعمال بجامعة البليدة 2، أن الأسبوع العالمي للمقاولاتية يأتي هذا العام ليبرز الجهود المبذولة في سبيل ترقية الفكر المقاولاتي، تجسيدًا لسياسة وزارة التعليم العالي وتنفيذًا لتوصيات رئيس الجمهورية الرامية إلى تثبيت الفكر الريادي وتحويل الطالب من طالب أكاديمي إلى طالب رائد أعمال.
وتوضح المتحدثة أن حاضنة الأعمال، التي انطلقت سنة 2022 سمحت على مستوى جامعة البليدة 2، تخرج 313 رائد أعمال، حاز 39 منهم على "لابل مشروع مبتكر" خلال ثلاث سنوات. وفي السنة الحالية سُجّل 143 حامل مشروع. و تتميز المشاريع كما تضيف بكونها مفتوحة حتى للطلبة من خارج الجامعة، حيث يشترط فقط توفر الفكرة. وتؤكد أن أغلب المشاريع عبارة عن منصات رقمية أو تطبيقات، وهو ما يعكس التوجه العام نحو رقمنة كل القطاعات. وتختم بالقول إن الطلبة الجزائريين متفوقون بامتياز، ويحتاجون فقط إلى بعض التوجيه، وهو ما تسعى الحاضنة إلى توفيره باعتبارها بنية تحتية يُعوَّل عليها في تثبيت الفكر المقاولاتي.