لحماية الطفولة من مخاطر الطرقات.. أخصائيون يؤكدون:
صناعة الوعي المروري مسؤولية الأسرة والمدرسة

- 284

في ظل الارتفاع المقلق لحوادث المرور التي تطول فئة الأطفال، تتزايد الحاجة إلى نشر ثقافة مرورية حقيقية، تبدأ من السنوات الأولى للطفولة. وترى الأسرة التربوية في ابتدائية صالح بن عودية أن الطفل لا يولد مدركا لخطر الطريق، بل يربَّى على استيعابه. وتُغرس في ذهنه مبادئ السلامة مثل ما تُغرس القيم الأخلاقية والسلوكية.
أكد الأستاذ بوربعطاش محمد من نفس المؤسسة، أن الطفل يلتقط أولى إشارات المرور من سلوك والديه؛ احترام ممر الراجلين، والانتظار عند الإشارة الحمراء، وعدم الجري وسط الطريق... كل هذه التصرفات اليومية التي يراها في محيطه العائلي، تشكل الصورة الأولى للسلامة المرورية في ذهنه، فحين يشاهد طفل صغير والده يعبر الطريق بشكل عشوائي، لن يفهم بعدها لماذا عليه هو أن ينتظر أو يتوقف.
وقال الأستاذ في حديثه مع "المساء"، إن المدرسة، من جهتها، تلعب دورا مكملا وأساسيا، من خلال التربية النظرية والأنشطة التطبيقية. ويوضح بوربعطاش أن التكوين يبدأ بتلقين الطفل أساسيات المرور؛ كالتمييز بين ألوان الإشارة الضوئية، ومعنى اللوحات الخاصة بالراجلين، وأهمية احترام الرصيف، وخطورة عبور الطريق فجأة؛ فتدريجيا يتعلم الطفل أن الطريق ليس فقط مساحة للعبور، بل فضاء مشتركا بين الراجلين والمركبات، يتطلب قواعد صارمة، لا مجال فيها للعشوائية.
وفي إطار دعم هذا التكوين احتضنت المؤسسة ضمن الحملة الوطنية الأخيرة للسلامة المرورية، نشاطا تربويا، تمثل في إنشاء حظيرة سياقة بيداغوجية داخل ساحة المدرسة، ارتدى التلاميذ السترات، وركبوا دراجات صغيرة في مسارات محددة، وتعلّموا كيفية التوقف عند الإشارات، وعبور ممر الراجلين في التوقيت الصحيح. هذه الأنشطة التي لقنتها الفرقة البيداغوجية على هامش الحملة، عكست الممارسة العملية، حسب الأستاذ، حيث جعلت الطفل يدرك من خلال التفاعل واللعب، أن احترام قواعد المرور سلوك يومي، يجب أن يصبح عادة راسخة.
وإلى جانب التطبيق، تم تنظيم ورشات في الرسم والأشغال اليدوية، ساهم فيها التلاميذ برسومات تعبّر عن فهمهم خطورة الطريق، حيث عبّر الأطفال عن رسائل مؤثرة، تُظهر كيف يمكن الفن أن يكون وسيلة فعالة لنقل المفاهيم التوعوية بلغة بسيطة، وملموسة.
ورغم هذه الجهود يشدد الأستاذ بوربعطاش، على أن التكوين داخل القسم لا يكتمل دون تهيئة بيئية آمنة خارج المدرسة؛ إذ يؤكد أن الطريق المحيط بالمؤسسة، يجب أن يتوفر على تجهيزات أمان كافية، تشمل المطبات، والإشارات، والمسالك الخاصة بالراجلين؛ لأن الطفل مهما تعلم يبقى بحاجة إلى بيئة تحميه، لا بيئة تفاجئه بالمخاطر.
والتثقيف المروري، كما يرى الأستاذ، ليس نشاطا موسميا، بل مسارا تربويا طويل المدى. يبدأ في سنوات التعليم الأولى، ويتطور مع وعي الطفل، لينتج مستقبلا مواطنا يحترم الطريق، سواء كان راجلا أو سائقا. ولتحقيق ذلك لا يكفي دروس في القسم، بل نحتاج إلى شراكة فعلية بين الأسرة، والمدرسة والمحيط الخارجي.
حوادث المرور لا تميز بين صغير وكبير، لكن الطفل لا يملك أدوات الدفاع عن نفسه، وهذا أساس شعار الحملة الوطنية لهذا الموسم الدراسي؛ يقول الأستاذ: " ضاعف الحذر .. الطفل لا يدرك الخطر" ؛ ولذلك فإن تعليمه قواعد المرور مبكرا هو في الواقع، منحه فرصة للنجاة. والرهان اليوم ليس، فقط، على من يحسن قيادة السيارة، بل على من يحسن تربية جيل يحترم الطريق.