إدمان الأطفال ألعاب الفيديو
ظاهرة في ازدياد مقلق

- 1142
تعرف ظاهرة إدمان الأطفال على ألعاب الفيديو، تناميا يثير القلق في الجزائر وفي غيرها، منذ أن صاحبته حالات انتحار في أوساط الأطفال حتى أن لجنة قطاعية مشتركة نصبت منذ أشهر لمحاولة احتوائها. في هذا الصدد، أكدت سامية أم أمين، البالغ من العمر 8 سنوات، والمهووس ”بحمى” الشبكة العنكبوتية و«سحر” الشاشة الصغيرة، كما يجمع عليه العديد من أقارب هؤلاء الصغار ”المتشبثين” بأجهزتهم الإلكترونية، مما يعطي الانطباع بأنهم منعزلون تماما عن محيطهم، أو ”خارج مجال التغطية” ، حسب البعض، كي تبقى ضمن سياق المصطلحات الرقمية، أنه ”حتى وإن تركته طوال اليوم، فإنه لن يسأم أبدا من لوحه الإلكتروني وألعاب الفيديو”.
من جانبها، أشارت مليكة الموظفة في بنك عمومي وأم لطفلين، يبلغان من العمر 6 و8 سنوات، قائلة ”أحاول تحديد الوقت الذي يقضيه أطفالي في الألعاب، لكنني بصعوبة اقر بذلك، حيث يتحتم علي أحيانا بسبب الأشغال المنزلية، أن أستسلم وأتركهم على راحتهم، لأنها كذلك طريقة أخرى لتركهم منشغلين ومنعهم من التشاجر فيما بينهم”، مضيفة أنّ انشغالاتها تمنعها من مراقبة المضامين التي تثير اهتمام هؤلاء الصغار”مكتفية بمطالبتهم بأن لا يتصفحوا إلا ”ما يتماشى” مع سنهم، مؤكدة أن”الأب هو الذي يتكفل مساء بمراقبة التطبيقات التي تم تحميلها وطبيعة الألعاب التي يتعاطونها”، مشيرة إلى أن التربية الجيدة لأولادها تعتبر في حد ذاتها ”صمام أمان”.
أما أحمد الموظف بإحدى الإدارات العمومية، فلا يرى الأمر على هذا النحو، حيث يؤكد بخصوص ولديه على التوالي 6 و7 سنوات ”أنني أطمئن دائما على مضمون الألواح الإلكترونية لطفلي، اللذين وعلى غرار أترابهما مهووسون بألعاب الفيديو”. وأضاف قائلا أنه مع الاستمرار في مرافقتهم، أصبحت ملما بمصطلحات عالم الألعاب الخاص بهم، مشيرا إلى كلمات كـ«اكس بوكس” و«بلاي ستايشن 4” أو ألعاب مثل ”ستريت فايتر” إلخ، وهي الهواية المفضّلة للأطفال الصغار، كما أضاف ”بالنظر إلى سنهم، فإنني أحرص على التأكد من أنهم لا يلجأون إلا إلى الألعاب الترفيهية والتربوية التي من شأنها أن تنشط إبداعهم وخيالهم”، معربا عن ”ذهوله” للجوء أطفال صغار في السن إلى ألعاب تحتوي على أعمال العنف المفرط، على غرار ”اساسنز كريد” (مذهب القتلة)، حيث أن هذه الأخيرة عبارة عن سلسلة ألعاب فيديو للحركة والمغامرات، إذ يلجأ ”الإبطال” إلى القضاء على منافسيهم.
ظاهرة ”ثقافية” تستحق الدراسة العلمية
في هذا الصدد، أكد الدكتور سعيد ريغي طبيب نفساني، وعضو في اللجنة القطاعية المشتركة التي تم تنصيبها في جانفي 2018، إثر حالات الانتحار التي سجلت في وسط الأطفال الذين تعاطوا لعبة ”الحوت الأزرق”، قائلا أن الأمر يتعلق بظاهرة ثقافية، بما أن ألعاب الفيديو تعتبر جزءا لا يتجزأ من طريقة عيش الطفل، حتى أنه لا يمكن تصور طفل لا يقوم بهذه الألعاب في هذه الأيام”.
تجدر الإشارة إلى أن هذه اللجنة، تسعى حاليا إلى إعداد ”الرسائل” التي يجب توجيهها للأطفال وأوليائهم ومعلميهم، من أجل تحسيسهم بأفضل طريقة يجب التحلي بها، لمواجهة الألعاب ويتعلق الأمر بالوسطية بين الحظر الكلي أو تترك لهم كامل الحرية.
يرى المختص أن هناك علاقة ”تفاعلية بين الطفل والشاشة” التي تمثل العديد من ”المزايا”، لما تستعمل ”بشكل عقلاني ومنتظم”، مثل تحسين الوظائف المعرفية والانتباه البصري والتركيز والخيال الخ. في المقابل، تعتبر هذه العلاقة ”خطيرة”، إذا لم تتم بعقلانية وينبغي منعها على الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات.
في معرض تطرقه لألعاب الفيديو، أكد على ضرورة حظر البعض منها، حتى بالنسبة للمراهقين الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، على غرار ”المعركة القاتلة”، حيث أن هناك تبسيطا خطيرا لمفهوم الموت، مضيفا أن الأمر ينطبق كذلك على الألعاب والمضامين غير الأخلاقية، حيث ينبغي ”توضيح” دوافع المنع حتى ”يفهم” سبب هذا القرار، مشيرا في هذا الصدد إلى مثال ”قراند ثافت اوتو” (سرقة السيارات).
أما بخصوص ”الحوت الأزرق”، اللعبة التي تعزى إليها سلسلة انتحار حوالي 200 طفل عبر العالم منها حالات في الجزائر، فقد أكد الدكتور ريغي أن الأمر لا يتعلق بلعبة فيديو مخصصة للترفيه بطبيعتها، وإنما يتعلق بشيء غريب يقوم على محاكاة مدى فضول المستعمل”. أما السيدة جميلة خيار، عضو اللجنة الخاصة بدراسة إشكالية إدمان الأطفال على ألعاب الفيديو ورئيسة الاتحادية الوطنية لجمعيات أولياء التلاميذ، فقد دقت ”ناقوس الخطر” منذ أشهر عقب حالات الانتحار المتعلقة بـ«لعبة الحوت الأزرق”. وأضافت قائلة ”إننا أعطينا تعليمات لجميع الاتحاديات الولائية من أجل التكفل بهذا المشكل، مطالبين مسؤولي المؤسسات المدرسية بتخصيص بعض الدقائق قبل بداية الدروس، لشرح أخطار الاستعمال غير العقلاني للأنترنت، إذا ما تم الشروع فيه منذ ثلاثة أشهر بمساهمة مختصين في المجال”.
كما أشارت إلى أن الأولياء هم المسؤولون الأوائل عن هذه القضية”، داعية هؤلاء إلى ”عدم ترك أطفالهم لمدة ساعات أمام ألعاب الفيديو، ومضامين أخرى منعزلين في غرفهم”، قبل أن تستوقف وزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال بتكثيف وتوسيع الحملة التحسيسية حول استعمال التطبيق الخاص بمراقبة الآباء، لمضامين الأنترنت الخاصة بأطفالهم.
تجدر الإشارة إلى أن المنظمة العالمية للصحة، أقرت مؤخرا بشكل رسمي، بأن إدمان ألعاب الفيديو يعد ”مرضا”، لأنه يؤدي إلى ”اضطراب”، وأصبح بالتالي مدرجا ضمن قائمتها الدولية للأمراض.
❊ ق.م