لأن النظام الغذائي سبب المشاكل الصحية

فوضى الاستهلاك والبطاطا المقلية داء يفتكّ ببطون الجزائريّين

فوضى الاستهلاك والبطاطا المقلية داء يفتكّ ببطون الجزائريّين
  • 685
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

❊ مختصون يحذّرون من سموم الصحون

❊ أواني الطبخ الحديثة تساهم في اختلال الغدد الصمّاء

يعاني الكثيرون من الأمراض المرتبطة بالنظام الغذائي المعتمَد بصورة يومية، والذي تترجمه أخطاء في الأكل، وعادات تجعل المعدة بيتا للداء، لتتحول إلى مشاكل صحية متفاوتة الخطورة؛ بين السكري، وارتفاع ضغط الدم، والقولون العصبي، والتسممات الغذائية، والسمنة، وحتى بعض السرطانات التي لها علاقة مباشرة بما يتم استهلاكه، لا سيما أن الطعام غير الصحي ليس، فقط، الطعام الغني بالسعرات الحرارية والذي يكون بنسب عالية من السكريات أو الدهون، وإنما، أيضا، الأطعمة التي تفتقر إلى القيم الغذائية، أو تحتوي على نسب ضعيفة من الفيتامينات والمعادن التي تجعل منه مفيدا للصحة، أو تلك التي تحتوي على مواد مضرة، تجعل من الطعام سمّاً، يعرّض صحة الفرد لأمراض مزمنة مختلفة.

أصبح الحديث عن بعض الأمراض المزمنة اليوم، كالسكري وضغط الدم، عاديا؛ لانتشارها الواسع بين المواطنين، ليس، فقط، بين كبار السن، بل حتى بين الشباب والأطفال؛ إذ لا يَسلم، اليوم، أحد من تهديدات تلك الأمراض التي يُعد التعايش معها صعبا جدا.
ولا تنتهي تلك الأمراض التي ترتبط بما يتم استهلاكه يوميا؛ لتبقى الوسيلة الوحيدة للوقاية، حسب المختصين في الصحة، الذين كان لـ"المساء" لقاء معهم على هامش يوم الأغذية العالمي، والذين أكدوا على أهمية "تنقية صحوننا من السموم، واختيار الطعام بعناية تامة، وعدم الإفراط في تناول بعض المواد التي قد تحوّل حياتنا إلى جحيم دائم".

التشخيص المبكر للسكري كفيلٌ بمنع تعقيداته

لايزال نمط الحياة أولَ ما يستهل به خبراء الصحة حديثهم عند محاولة التوعية والتحسيس بأهمية وقف انتشار داء السكري، خاصة من النوع الثاني، الذي يرتبط، مباشرة، بالنظام الغذائي الذي نتبعه؛ إذ يمكن تغيير ذلك الواقع من خلال تبنّي ثقافة استهلاكية صحية، تقي من الإصابة بهذا النوع من الأمراض، والتي يتم، اليوم، تسجيلها بنسب مخيفة في الجزائر؛ نظرا لطبيعة العادات، وتقاليد الأكل الغنية "بالسكر".

وفي هذا الصدد، حدّث المختص فيصل أوحدة قائلا: "إن الوقاية من السكري يمكن، أيضا، أن تكون من خلال التشخيص الاستباقي للمرض. ويُقصد بذلك عن طريق المراقبة الدقيقة، أو ما يسمى بالمراقبة الذاتية"، مشيرا إلى أن هذا السلوك من شأنه مراقبة نسبة السكر في الدم، والقيام باستشارات روتينية إذا كان هناك تاريخ عائلي لهذا الداء، واستشارة فورية لطبيب معالج؛ لاتخاذ التدابير التصحيحية، وتبنّي حمية غذائية قبل تحوّل المشكل إلى داء مزمن.

وقال أوحدة إن مرحلة "ما قبل السكري" أو الأشخاص المعرضين للسكري هم، في حد ذاتهم، مرضى، ولا بد من مراقبة نسبة السكر في دمهم باستمرار، مشيرا إلى أن هؤلاء الأشخاص هم، عادة، الأشخاص الذين يعانون من "مقاومة الأنسولين" . هذه المرحلة لا تعرّضهم، فقط، للإصابة بالسكري، وإنما، أيضا، لارتفاع ضغط الدم، وأمراض الشرايين والقلب، والسمنة، وكذا ثلاثي الدهون، وهي غالبا من الأمراض التي تكون نتيجة تراكم "الشحوم" على مستوى البطن، وهي أخطر أنواع السمنة؛ إذ يعرَّض صاحبها لأمراض مزمنة مختلفة، وقد تكون عديدة في آن واحد.
وأرجع أوحدة تلك المشاكل الصحية إلى طبيعة النظام الغذائي الذي يتبنّاه الفرد، والذي يجعله الكثيرون تقليدا غذائيا، يمارسونه عند استهلاك الوجبات اليومية، وبطريقة فوضوية، لا يعطي، حينها، الفرد أيَّ اهتمام لنوعية الأكل.

ليس المشكل في ما نستهلكه دائما.. بل في طريقة استهلاكه

ينتشر منذ سنوات داء لم نعهده كثيرا سابقا، بل كان يرتبط خاصة بكبار السن، وهو مرض "اختلال الغدد الصماء" . هذه الغدة المسؤولة عن نظام محكم للهرمونات داخل الجسم، لها وظيفة حيوية في ضمان توازن الجسم. وخللها قد يؤثر على العديد من أعضاء الجسم، وتراجع وظائفها عامة.
ويعاني، اليوم، شخص من بين ثلاثة أشخاص من مشكل في الغدد الصماء بمستويات إصابة مختلفة، حسبما أكد سعيد آيت تافات، مختص في أمراض الغدد، موضحا أنه من المشاكل الصحية التي يعاني منها جيل اليوم، وحتى الشباب، ومؤكدا أن ذلك راجع عامة، إلى طبيعة السلوكات الحديثة لهؤلاء، والمرتبطة بالحياة، خاصة طبيعة الأكل.

وأشار الطبيب إلى أن الإصابة بمشاكل مرتبطة بالغذاء، لا تكون دائما، لها علاقة مباشرة بالأكل في حد ذاته، بل، أيضا، بما يتم الاستعانة به لوصول تلك الأغذية إلى معدتنا. وأوضح قائلا: "اليوم، نحاول اللجوء إلى العديد من تسهيلات الحياة اليومية، لا سيما المتعلقة بالطبخ والأكل؛ لتوفير الجهد والطاقة وحتى الوقت. إلا أن تلك التسهيلات في حقيقة الأمر، لها وجه ثان؛ وجه مخفيٌّ، قد لا يكون دائما ورديا ومسالما، بل هي من الأمور التي أخفاها "صنّاع" تلك التسهيلات؛ وجهها الحقيقي، وخطورة استعمالها، والمضاعفات الصحية التي يمكن أن تتسبب فيها".

وأضاف الطبيب: " اليوم، الكثير من الأدوات التي نستعملها في مطبخنا لتحضير الأكل أو لحفظه، تحمل ما يُعرف بالمسؤولة عن الاضطرابات في الغدد الصماء أو الديوكسين، والتي تم الكشف عنها حديثا، بعد دراسات أثبتت خطورتها على الصحة ". وذكر المختص منها المقلاة غير اللاصقة، أو كل أواني الطبخ غير اللاصقة من "البوليكاربونات" ، التي تحمل رقم 7 داخل المثلث الموجود عليها، والبلاستيك، والفولاذ المقاوم للصدأ أو ما يُعرف بإينوكس، والمصبرات، والعصائر المعلّبة، والأواني من السيليكون، والأغذية المصنّعة، مشيرا إلى أنها كلها وبفعل الحرارة عامة، تساعد في هجرة تلك الملوثات إلى أغذيتنا، وبالتالي نستهلكها؛ ظنا منا أنها سليمة، إلا أنها تحمل سموما قد تصيبنا باضطرابات حادة في الغدد الصماء، قد تصل إلى كبح عملها، أو عكس ذلك؛ إثارة عملها، وتسبُّبها، أيضا، في مشاكل صحية.

وأوضح الطبيب أن بعض الخضار والفواكه أيضا، قد تحمل مواد مماثلة؛ وهذا راجع إلى الأسمدة التي تُستعمل في معالجتها، مؤكدا أن هناك من الأغذية التي تشتهر أكثر، بتسبُّبها في اضطراب الغدد الصماء؛ كالذرة، والعنب، والكرفس، والكرز، وموضحا أن 80 ٪ من تلك الفواكه حول العالم، تحمل بقايا تلك الأسمدة.

البطاطس المقلية وراء مشاكل القولون

أكدت نادية مزنان، طبيبة منسقة لدى مصلحة الطب الجواري ببلدية برج الكيفان بالعاصمة، أن الجزائري يتبنى سلوكات غذائية قد تكون، أحيانا، "مخيفة" ، تختلف بين مقليات، وعجائن، وسكريات؛ ثلاثي يؤدي بصحته إلى التهلكة، موضحة: " خلال السنوات الأخيرة، أصبح الفرد لا سيما العامل الذي يمضي يومه كاملا خارج البيت، يعتمد بشكل أساسي، على الأكل السريع، وهذا ما يجعله يدمن تلك المأكولات، التي بالرغم من لذتها إلا أنها سموم حقيقية على صحة الشخص، وقد تصيبه بأمراض مختلفة ".

وأوضحت الدكتورة أن أكثر ما يحبه الكبار والصغار في الجزائر، هو البطاطا المقلية، والتي تُعد، كما تسميه المرأة الجزائرية في مطبخها، "سلاّك الحاصلين" ، وعلى هذا تجد الجميع ينتفضون في حال ما ارتفع سعر البطاطا في السوق؛ إذ لا تتطلب إلا البطاطا والزيت لتحضير أكلة يحبها الجميع. وقد تصاحب جميع الأطباق الجزائري؛ مدربل، كباب، طاجين زيتون، شطيطحة، وغيرها من الأطباق التي لا يمكن البطاطا المقلية إلا أن تكون جزءا منها. وأضافت أن الاستهلاك الدائم للمقليات قد يزيد من ارتجاع الحمض عن طريق إضعاف العضلة العاصرة السفلية للمرئ، وهذا كله يعمل على الإصابة بمشاكل هضمية، وخاصة انتفاخ القولون، وهو أكثر ما يعاني منه الجزائري.

وقالت المختصة إن استشارات عديدة تصل، تقريبا، بشكل يومي، إلى المصالح الاستعجالية، أساسها انتفاخ القولون؛ نظرا لطبيعة أكل الجزائري. وفي بعض الحالات يعتقد المصاب أنه يعاني مشكلا أكثر خطورة؛ كالقلب، أو الكلى، أو حتى الصداع المزمن الحاد، وهو، غالبا، نوبة قولون؛ فبعد استهلاك المقليات والعجائن والمشروبات الغازية والأغذية الغنية بالألياف والبقوليات، تتكون غازات داخل المعدة، وبالتالي انتفاخ القولون، والشعور بآلام حادة، قد تصل إلى أعضاء مختلفة من الجسم.

التغذية السليمة عند الطفل للوقاية من السمنة

أطلقت المنظمة الوطنية لحماية وإرشاد المستهلك، مؤخرا، حملة تحسيس تجوب الوطن، وتهدف إلى نشر الوعي بأهمية تبنّي تغذية سليمة للأطفال؛ للوقاية من السمنة. هذا المرض الذي أصبح يشكل هاجسا في الصحة العمومية في نظر خبراء الصحة؛ لمساهمته في تحطيم الطفولة جسديا ونفسيا. وفي هذا الصدد، قال كمال يويو رئيس مكتب العاصمة لدى منظمة حماية وإرشاد المستهلك ومحيطه، إن هذه الحملة تتزامن والدخول الاجتماعي. وهي الفترة التي يشهد فيها الطفل إقبالا كبيرا على استهلاك أغذية غير سليمة، وإقباله على أكل الشوارع والحلويات أحيانا، بعيدا عن رقابة الأهل.

وأضاف المتحدث أن المشكل ليس دائما الأكل خارج البيت، بل يمكن أن يكون أكل غير صحي داخل البيت، ومحضَّر منزليا. وشرح قائلا: " بعض العادات المصاحبة للأكل هي المشكل في حد ذاته؛ كالأكل المفرط، والاعتماد الكبير على السكريات، والأكل دون وقت؛ أي في كل وقت أو ما يُعرف بتناول الوجبات الخفيفة بين الوجبات الرئيسة، وأيضا استعمال أجهزة إلكترونية من هواتف ولوحات إلكترونية خلال الأكل؛ إذ إن عدم التركيز عند الأكل والانشغال بأمور أخرى كمشاهدة رسوم متحركة، أو اللعب على الشاشة، لا يجعل الطفل يشعر بالشبع، بل يعتقد أنه لم يتم إطعامه تماما؛ ما يجعله يرغب في الأكل مرارا وتكرارا، وكلها من السلوكات التي حذّر منها كمال يويو، والتي تحاول المنظمة توعية المواطنين بأهمية الانتباه لخطورتها.