الخيمات تقدم ما يخفف برد الشتاء
قبلة الباحثين عن البنّة والذوق المميَّز
- 2140
انتشر، خلال السنوات الأخيرة، نوع جديد من المطاعم، اختار أصحابها الابتعاد كليا عن كل ما هو طبخ عصري، وتحضير كل ما هو تقليدي يعكس تراث وعادات وتقاليد منطقة ما. ولم يتوقف التغيير بهذه "المطاعم التقليدية"، على تحضير الأكل التقليدي، بل تعداه إلى تزيين المحلات بطريقة توحي للجالس فيها، بأنه داخل خيمة أو بيت ريفيّ، وهو ما وقفت عليه "المساء" عند زيارتها واحدا من هذه المطاعم التقليدية ببلدية القبة بالعاصمة، والذي اختار صاحبه الشاب سامي براح، أن يطلق عليه اسم "خيمة القلعة" نسبة إلى قلعة بني حماد التاريخية بولاية المسيلة مسقط رأسه.
إذا رغبت يوما في تذوق طبق "الزفيطي الحار" أو "شخشوخة الرقاق الحارة" بالمرق الأحمر المعدة بلحم البقر أو الماعز أو الدجاج، ما عليك إلاّ أن تقصد محل ابن مدينة المسيلة الشاب براح، الذي اختار منذ أربع سنوات خلت، أن يجعل من محله مكانا يشعر فيه الزبون كأنه في منزله، حيث افترش مطعمه الصغير بمجموعة من الزرابي الملونة التي تعكس تراث وتقاليد مدينة المسيلة، وحرص على تحضير أكلات تقليدية وصحية.
وحسب براح، فإن الفكرة التي رغب في تجسيدها بعد أن تخصص في تحضير كل أنواع العجائن وتعلّم فن تحضير الأكلات التقليدية التي تشتهر بها ولايته، هي أن يساهم، من جهته، في التعريف بمختلف الأطباق التقليدية التي تشتهر بها مدينته بعد أن لاحظ أن بعض المطاعم بولايات الغرب على غرار وهران وتلمسان، تجتهد، هي الأخرى، من أجل التعريف بتراثها، وهو ما يحدث أيضا بولايات الشرق، مشيرا إلى أنه اختار العاصمة لممارسة نشاطه بالنظر إلى تعطش السكان للتعرف على كل ما هو تقليدي وتذوّقه.
إقبال كبير في موسم البرد
بعد الشهرة الكبيرة التي اكتسبتها المطاعم التقليدية التي أصبحت متواجدة في كل بلديات العاصمة تقريبا، حسب محدثنا، أصبح الزبائن الذين يرغبون في تذوّق أكلة تقليدية ما، يعرفون حيث يتجهون؛ فمثلا يقول: "على مستوى بلدية القبة تنتشر مطاعم الأكلات التقليدية التي تشتهر بها كل من ولاية بسكرة، والممثلة في الدوبارة والشخشوخة الحارة، وولاية المسيلة ممثلة في "الزفيطي" و«شخشوخة الرقاق"، موضحا أنّ الإقبال يكون كبيرا عليهم في فصل الشتاء، حيث يميل الأغلبية إلى تدفئة أجسامهم بوجبات ساخنة، علما أنه يكثر الطلب على الشخشوخة والزفيطي والكسرة على وجه الخصوص، بينما يتراجع الإقبال خلال موسم الصيف، عن كل ما هو طبق حار. وأضاف: "نبادر بتنظيم سهرات، يكون فيها الشاي والمكسرات حاضرَين بقوة".
"زبائننا من الرجال والنساء وحتى العائلات"
الجو العائلي الذي تؤمّنه الخيمة التقليدية يجعلها مقصد كل شرائح المجتمع، حسب محدثنا، حيث تستقبل خلال النهار، نوعا معيّنا، ممثلين في العمال من الجنسين الرجال والنساء بمن فيهم المراهقون والشباب من الطلبة، بينما في الفترة المسائية تستقبل الخيمة العائلات؛ طلبا لوجبة منزلية تقليدية، مشيرا إلى أن البعض يأتي خصيصا لأخذ وجبة الغداء أو العشاء المحضرة بمحلنا، خاصة أن أسعار الأطباق مناسبة جدا؛ إذ لا يتجاوز سعر الطبق الواحد 250 دج.
وعن طريقة تحضير الأطباق التقليدية أشار صاحب المحل، إلى أن الخيمة تعمل بنظام الدوامين، حيث يتمّ تحضير معدات وجبة الغداء في الصباح الباكر، ومن ثمة استقبال الزبائن ابتداء من الساعة الحادية عشرة، بعدها يغلَق المحل تحضيرا لوجبة العشاء، على أن يتم استقبال العائلات بعد الساعة الخامسة مساء، مشيرا إلى أن الأطباق المحضّرة تختلف، حيث يُعدّ على مدار الأسبوع "الزفيطي" و«الشخشوخة"، بينما في عطلة نهاية الأسبوع يحضّر الكسكسي على الطريقة المسيلية؛ يقول: "لأنّ العاصميين يحبون الكسكسي في نهاية الأسبوع". وحسبه، فإن أهم ما تراهن عليه الخيمة التقليدية هو تحضير أطباق يومية، على غرار ما تقوم به ربات البيوت في المنزل؛ حتى يشعر الزبون بأنه يتناول وجبة منزلية تقليدية طازجة.
ديكور تقليدي يروّج للتقاليد
يؤمن ابن مدينة المسيلة بأن الترويج للأكل التقليدي لا يقتصر فقط على تحضير الأكلات، بل ينبغي أن يكون المكان مريحا؛ لهذا يقول: "تعمّدت نصب "القربة" التي يحضَّر بها اللبن بالطريقة التقليدية أمام باب الخيمة في إطار الترويج للسياحة المحلية. كما عمدت أيضا إلى فرش عدد من الزرابي المصنوعة بالمنسج والملوّنة، ولم أكتف بفرش الأرضية وضمان القعدة التقليدية على الأرض، وإنّما حاولت أيضا أن أغلّف جدران محلي بعدد من الزرابي، ليشعر الداخل إليه أنّه حقيقة في خيمة".
ومن جملة الإكسسوارات التي أسهمت في خلق جوّ مميّز بالخيمة تعليق بعض الأواني والألبسة التقليدية على جدرانها؛ كالقبعة والحصيرة المصنوعة من الحلفاء وقفّة الدوم، فضلا عن تعليق بعض صور سكان المسيلة، والتي توحي للزبون بأنّه حقيقة في أحضان ولاية أخرى. كما حرص صاحب المحل على تقديم الأكلات التقليدية المحضرة كالشخشوخة في الأواني الفخارية، بينما يقدّم "الزفيطي" في مهراس الخشب، ويؤكل بالملاعق الخشبية حتى يشعر الزبون، على حدّ قوله، بأنه في بيئة تقليدية بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، موضحا، في السياق، حرصه على تأمين كل ما هو تقليدي في الخيمة، إلى جانب أنه نشاط تجاري يدخل في إطار الترويج السياحي لتراث الولاية، خاصة أن خيمته يزورها على مدار السنة، عدد من السياح؛ يقول: "زارنا أفواج من السياح الأمريكان والأتراك ومن فرنسا وسوريا"، مشيرا في السياق، إلى أنه سعى في إطار الترويج السياحي للأكل التقليدي، إلى ربط علاقات مع فنادق؛ لتمكين الأجانب من اكتشاف الموروث الجزائري في مجال الطبخ التقليدي.
الخيمة تنافس محلات "فاست فوت"
الوعي بأهمية الأكل الصحي الذي لعبت فيه وسائل الإعلام دورا كبيرا من حيث التوعية والتحسيس بخطورة الأكل السريع وما يتسبّب في أمراض مزمنة، جعل عددا كبيرا من المواطنين يبتعدون عما تحضّره محلات الأكل السريع، ويبحثون عن كلّ ما هو تقليدي، ولعلّ هذا ما ساهم، حسب محدثنا، في إنجاح محلات الأكل التقليدي، التي فتحت المجال واسعا للشباب للاستثمار فيها؛ يقول محدثنا: "شخصيا، بعد أن نجحت فكرة خيمة الأكل التقليدي وبالنظر إلى الطلب المتزايد على ما نحضّره، حيث يقصد الخيمة زبائن من مختلف بلديات العاصمة وحتى من الولايات المجاورة مثل برج بوعريريج وتيزي وزو وسطيف طلبا للشخشوخة" أو "الزفيطي" أو الكسكسي المسيلي والكسرة، فُتحت خيمات أخرى ببلديات مختلفة بالعاصمة، على غرار بلديتي حسين داي والدار البيضاء".