البروفيسور مسعود قريمس أستاذ علم الاجتماع بجامعة تيزي وزو لـ"المساء":
لا بد من رفع الوعي الرقمي للأسرة حتى تواجه تحديات العصر الجديد
- 307
حنان. س
في ظل التحولات الراهنة التي فرضتها التكنولوجيا والاستفحال الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الأسرة تواجه تحديات كبيرة لا سيما تلك المتعلقة بتفكّك بنيتها التقليدية، وغياب الاتصال، وصعوبة تحقيق الاستقرار المالي؛ ما أثر، بشكل مباشر، على التربية، وقيم الأجيال الجديدة. وحول هذا الموضوع حاورت "المساء" البروفيسور مسعود قريمس، أستاذ علم الاجتماع بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة "مولود معمري" بتيزي وزو، الذي التقته على هامش الملتقى الوطني الأول حول "تحديات المجتمع في ظل التغيرات الراهنة في مجالات الأسرة، والتربية والعمل"، المنعقد، مؤخرا، بقاعة المحاضرات الكبرى للقطب الجامعي تامدة.
❊ فرضت التكنولوجيا الحديثة تحديات كبيرة على الأسرة، ما هي أبرز هذه التحديات التي رصدتموها في المجتمع الجزائري تحديداً؟
❊ ظهور التكنولوجيات الحديثة وفضاءات التواصل الاجتماعي وحتى تقنيات الذكاء الاصطناعي، جلبت تغيرات كبيرة، أثرت، بشكل عميق وجوهري، على الأسرة، ما أدى إلى بروز تحديات كثيرة لمؤسسات التنشئة، وعلى رأسها الأسرة، وكذا المحيط، وفضاء العمل، لذلك جاء تنظيم هذا الملتقى بعنوان "تحديات المجتمع والأسرة في ظل التغيرات الراهنة في مجالات الأسرة، والتربية والمجتمع".
نتحدث هنا عن تفكك البنية التقليدية للأسرة، وعن الجهد الكبير الذي يبذله الوالدان في العمل خارج المنزل مقابل تخصيص وقت قصير جدا للأبناء، وهذا بحد ذاته يُعد تغيرا كبيرا فرضته زيادة الأعباء المادية على الأسرة. هناك، أيضا، زيادة الاعتماد على التكنولوجيا؛ ما أدى إلى تغير أنماط العلاقات بسبب ضعف الاتصال داخل الأسرة الواحدة، وهو العامل الذي يغذي العلاقات الاجتماعية.
وكلما ضعف الاتصال كلما ضعفت العلاقات الاجتماعية، وهو، بالضبط، ما يؤدي الى التفكك الاجتماعي. هذا الأخير لا يرتبط، فقط، بالطلاق وإنما بصور أخرى لها آثار سلبية على الروابط الأسرية؛ منها الطلاق الصامت، وضعف العلاقات داخل الأسرة الواحدة، أمام تغلغل كبير للتكنولوجيا، لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي التي أفرزت جيلا منقطعا عن محيطه بشكل متزايد.
❊ هل هناك تحديات أخرى لا بد من التوعية بشأنها؛ حتى تعود العلاقات داخل الأسرة إلى طبيعتها؟
❊ هناك تحدي التنشئة الاجتماعية أمام التطور الكبير للتكنولوجيا؛ فالشيء الجيد الذي كان سائدا في الأسرة التقليدية سابقا، أن دوائر الحماية الاجتماعية كانت متعددة؛ فإذا لم تتمكن الأسرة الصغيرة من التكفل بالفرد، فإن الأسرة الممتدة كانت تقوم بذلك؛ مثل الأعمام، والأخوال. ولكن مع التحولات الحديثة فإن هذه الأمور تقلصت بشكل كبير. وإذا خرج الفرد من دائرة الرعاية والحماية والرقابة للأسرة القاعدية، فإنه قد يتعرض لكل المخاطر الممكنة.
وهنا يظهر ما نسميه تحدي تفكك العلاقات الاجتماعية. ونتحدث هنا عن تحدي التنشئة الاجتماعية نظرا للتطور الكبير لوسائل تكنولوجيا الإعلام والاتصال؛ إذ أصبح الدور الرقابي للأسرة صعبا جدا، حيث يصعب على الأولياء مراقبة أولادهم كل وقت، وهذا يخلق صعوبات على مستوى التنشئة الاجتماعية. وهناك أيضا تحول على مستوى وظائف الأسرة التقليدية التي كانت أدوارها كبيرة، ولكن حاليا تقلص الكثير من هذه الأدوار، حيث أصبحت تساهم في تنشئة الفرد عدة مؤسسات؛ مثل الحضانة، والمدرسة، والجمعيات.
تقلصت هذه الأدوار، وزادت صعوبة. كما تقلصت بعض وظائف الأسرة وأُثقلت ببعض الالتزامات، ومنها تلبية بعض رغبات الطفل ليس الجانب المادي، وأيضا الإشباع العاطفي الذي تراجع كثيرا، فنحن نعتقد أن الدور الرقابي والإشباع العاطفي يمثلان عاملين لا بد للأسرة أخذهما بعين الاعتبار ولكنهما تراجعا أمام التحولات الكبيرة التي طرأت على المجتمع. نتحدث عن الرقابة الوالدية الذكية. وهناك أيضا تحديات مرتبطة بالمجتمعات الحديثة؛ فتكلفة الحياة أصبحت كبيرة.
وأعباء المعيشة تؤثر على قدرة الأسرة على توفير الرعاية والحماية لأفرادها، بل إن توفير الحد الأدنى لكل ذلك يُثقل الكاهل. والمفارقة أن المحيط هو من يفرض على الأسرة نمطا أو مستوى معيشيا معيّنا، وهو ما يخلق ضغطا على الأسرة. وفي ظل غياب الوعي وتراكم تحولات الحياة وأمام تحديات التكنولوجيا الحديثة، الأسرة صارت تمشي نحو خيارات معيّنة، غالبا ما تكون مادية على حساب الخيارات النفسية.
❊ وكيف ترون، من وجهة نظركم كأستاذ في علم الاجتماع، أثر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي تحديدا، على طبيعة العلاقات الأسرية اليومية؟
❊ لا يمكننا اليوم تجاهل الدور المحوري الذي تلعبه التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل حياتنا اليومية، فبينما قدمت هذه الأدوات فوائد جمة من حيث الاتصال والمعرفة، فرضت، في المقابل، تحديات كبيرة على المؤسسة الأسرية، حيث أصبحت اليوم تواجه ضغوطاً غير مسبوقة، تهدد تماسكها. والسبب التغلغل الكبير للتكنولوجيا، وتطوراتها المتسارعة؛ مثل الذكاء الاصطناعي، وحتى استفحال وسائل التواصل الاجتماعي حتى إن بعض الدراسات تشير إلى كون الاستعمال المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، تؤدي إلى الإصابة بالتوحد.
وترك الهاتف الذكي في يد طفل وانشغال الأم عنه، أمر له انعكاسات سلبية على نمو قدراته الذهنية واللغوية، وهذا شيء لا بد من التوعية حوله. وننوه هنا بكون بعض المجتمعات المتطورة سارعت، مؤخرا، إلى حجب مواقع التواصل الاجتماعي عن الأطفال والمراهقين؛ حماية لهم. وهناك دول أخرى لجأت إلى سن قوانين تمنعها كلية عن الفئة العمرية أقل من 16 سنة. وكان هذا بعد ضريبة كبيرة.
❊ وكيف يمكن تغيير هذا الوضع؟ وهل تعتقدون أنه يمكن الموازنة بين الاستفادة من فوائد التكنولوجيا وتجنب مخاطرها في الوقت ذاته؟
❊ يقال في العلوم الإنسانية والاجتماعية إن الواقع يتغير بشكل سريع، ولكن العقلية تتغير ببطء، بينما يتغير الوعي بصورة أبطأ، بمعنى أن الناس تدرك العواقب السلبية للأشياء ولكن بعد مرور مدة طويلة. وبمعنى آخر وجود تباين بين ظهور سلبيات أي وسيلة أو تقنية، وبين إدراك الناس واستيعابهم لذلك مع أهمية إيجاد الآليات الكفيلة بمواجهة هذه السلبيات. يمكن الجزم أن حجر الزاوية في كل هذا يكمن في وعي الأولياء، حيث عليهم إيجاد توازن ذكي، واستخدام واع للتكنولوجيا.
كذلك لا بد من وجود برامج لتأهيل الأسرة؛ لأن الكثير منها خارج مجال التغطية؛ فبعض الأولياء لا يدركون ما الذي يحدث في محيطهم. لا بد، كذلك، من تضافر جهود عدة قطاعات، ولِم لا سن بعض القوانين التي تحد من استعمال وسائل التواصل قبل سن معيّنة، وتكثيف حملات التوعية بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني، وإصدرا توجيهات على مستويات المدارس والمساجد، وإدراج حملات التوعية حول ثقافة التعامل الصحيح مع التكنولوجيات الجديدة، ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى تقنيات الذكاء الاصطناعي. أعتقد أن هذه أهم التوصيات التي يمكن رفعها في هذا الملتقى. وأود أخيرا أن أشير إلى أن دور الجامعة هنا هو إنتاج المعرفة من خلال البحوث التي تخرج بنتائج وتوصيات، ولكن لا بد من تحويل ذلك الى استراتيجيات عملية لفائدة الفرد، والمجتمع.