واقع الثقافة الصحية في الجزائر

مختصون يناقشون بعث الوعي الصحي

مختصون يناقشون بعث الوعي الصحي
  • القراءات: 2164

شكل موضوع «الثقافة الصحية في الجزائر بين الواقع والمأمول»، محور ملتقى احتضنته جامعة الجزائر «2» «أبو القاسم سعد الله»، ناقش فيه مختصون من علماء الاجتماع والديموغرافيا، إشكالية الثقافة الصحية التي تحولت إلى معضلة حياتية، نتاج السلوكات غير صحية والعادات الغذائية غير السليمة، التي يعتمد فيها كليا على المأكولات السريعة والمعلبة التي تقابلها قلة الحركة،  وظهور أمراض اصطلح على تسميتها بالمزمنة.

بدأت فعاليات الملتقى المنظم من طرف «مخبر الدين والمجتمع»، بالتنسيق مع كلية العلوم الاجتماعية، بكلمة مدير المخبر البروفيسور زبير عروس، الذي أشار في معرض حديثه، إلى أن الاهتمام بموضوع الثقافة الصحية في المجتمع الجزائري مرجعه هشاشة العناية بكل ما هو صحي، وانتشار عقلية كل شيء عادي طال حتى الغذاء غير الصحي، الأمر الذي جعل من الصحة موضوعا غير مهم، انطلاقا من هذا يقول «جاء هذا الملتقى لتسليط الضوء على هذا الواقع، وبحث سبل التعامل معه لتغير العقليات التي تفشت في المجتمع الجزائري، وأفقدت الصحة قيمها وضوابطها».

من جهتها، كشفت زينب فاصولي، رئيسة الملتقى العلمي ومختصة في الديموغرافيا، بأن الغاية من اختيار موضوع الثقافة الصحية هو دق ناقوس الخطر، بالنظر إلى التغير الكبير في النمط الغذائي الذي تسبب في انتشار العديد من الأمراض المزمنة والقاتلة، تقول: «من هنا، تظهر أهمية الجامعة في المساهمة ـ من جهتها ـ في إعادة بعث الوعي العلمي حول كل ما يخص الثقافة الاستهلاكية».

الثقافة الصحية يعززها وجود المختص الاجتماعي

اختارت الأستاذة نبيلة وحدي، مختصة اجتماعية، أن تربط في مداخلتها بين الثقافة الصحية والمختص الاجتماعي، بالنظر إلى الدور المهم الذي يلعبه هذا الأخير في تمكين أفراد المجتمع من ثقافة صحية، حيث أشارت في معرض حديثها، إلى أن المختص الاجتماعي يفترض أن يكون دوره مرافق لدور الطبيب، بل أكثر من هذا، يبدأ قبل عمل الطبيب من خلال إحاطة بحالته وظروفه، ويستمر بعده لأنه يجمع في مهامه بين الدور الوقائي والإنشائي والإنمائي، وهو ما يفسر وجوده في شتى المجالات، مردفة بأن «الواقع في مجتمعنا الجزائري يعكس ضعف دور المختص بالنظر إلى الذهنيات التي  ترفض تقبل المختص في محيطها الاجتماعي، وتعتبره تدخلا في حياتها الخاصة». وتؤكد «المطلوب اليوم من أجل الرفع من الثقافة الصحية، إعادة الاعتبار لمهنة المختص الاجتماعي وتغيير تسميته إلى المهندس الاجتماعي،  لتحفيز الطلبة على ممارسته والعمل به، ومنه تفعيله في الميدان لتمكينه من رفع الثقافة الصحية».

الأثر السلبي للخوف واللامبالاة

من جهتها، بحثت الأستاذة سامية عمارة، مختصة في الديموغرافيا، في مداخلتها «العلاقة بين الثقافة الصحية عند النساء وانعكاساتها على معايشة مرحلة نهاية الخصوبة»، حيث ذكرت أن الواقع يشير إلى أن المواضيع عموما التي تهم المختصين الديموغرافيا هي تلك التي تخص المرأة في مرحلة الخصوبة، إذ تتجه المواضيع لمناقشة تحديد النسل والتعريف بمرحلة الإنجاب، في حين عندما تخرج المرأة من هذه المرحلة إلى ما يسمى بسن اليأس تهمش، وأكثر من هذا، ثبت أن بعض الحالات تكون ضحية طلاق نتيجة نهاية مرحلة الخصوبة، الأمر الذي يؤثر على صحتها ويعكس ضعف الثقافة الصحية للتكفل بهذه الفئة. من جهة أخرى، ترى المختصة في الديموغرافيا بأن الاهتمام اليوم بالمرأة ما بعد سن اليأس يتمركز على عنصرين هامين هما: مدى وعيها بصحتها، خاصة في ظل انتشار الأمراض السرطانية، وتحديدا سرطان عنق الرحم والثدي، مشيرة إلى أن ثقافتها الصحية في السياق يعكسها مدى اهتمامها بفحوصاتها الطبية. وقد تبين وجود فئتين: الفئة متوسطة المستوى وثقافتها الصحية ضعيفة بسبب عدم تمكنها من التربية الصحية، وهو ما يعكسه جهلها بأهمية بعض الفحوصات بعد سن معينة، في حين نجد الفئة الثانية الواعية والمثقفة التي تتمتع بثقافة صحية، غير أن لامبالاتها وخوفها من احتمال وجود مرض يجعلها رغم تمكنها من ثقافة صحية، تأبى ممارستها، ومنها تقول «تظهر أهمية وجود المختص الاجتماعي في العائلة لرفع معدل التوعية».

 

الانتقال الغذائي

سلط الأستاذ طاهر حفاط، من جامعة باتنة في مداخلته «الضوء على نظرية الانتقال الغذائي»، حيث أشار إلى أن الجزائر في مرحلة ما عرفت في نظامها الغذائي استهلاكا كبيرا للحبوب، لأن المجتمع كان فلاحيا، الأمر الذي يعكس ارتباط الغذاء بالأرض، وكان من نتائجه، انتشار جملة من الأمراض المعدية  بسب الميكروبات، وفي النتيجة ارتفاع معدل الوفيات. ومع تغير نمط الحياة انتقلنا ـ يقول ـ «إلى مرحلة الغذاء المعاصر الغني بالدهون والسكريات، الذي كان من أهم نتائجه، انتشار أمراض جديدة مزمنة، مما يقودنا ـ يشير ـ إلى  ضرورة تصحيح السلوك الغذائي وتعزيز الحصص التي تهتم بالتغذية الصحية والمتوازنة. وهو الأمر الذي أكده الأستاذ بوعلام بن شريف، تخصص فلسفة غربية حديثة،  يرى بأن الإنسان المعاصر تحول إلى كائن ذو بعد واحد، وهو البعد الاستهلاكي، مما يدعونا إلى الاستعانة بعلم الاجتماعي الطبي لتمكين أفراد المجتمع من ثقافة صحية.

 

الانشغالات الاقتصادية والاجتماعية يرى الأستاذ مصطفى خالدي، مختص في الديموغرافيا من جامعة عنابة، من خلال مداخلته، بأن البحث في الثقافة الاستهلاكية للمواطن الجزائري لابد أن تبدأ من دراسة الممارسات اليوم للمواطنين، فمثلا يقول «كيف نتناول الأدوية؟ ماذا نتناول من أغذية، خاصة أن أغلب الأغذية اليوم مصنعة؟ هل نمارس الرياضة»؟، هذا من ناحية، ومن جهة أخرى يضيف: «يتضح لنا بأن الوعي ببعض السلوكات الصحية موجود، كالتوجه نحو الطبيب وشراء الأدوية بعد الحصول على وصفة طبية، والاقتناع بالأضرار الموجودة في بعض الأغذية،» و يوضح: «من ثمة، يمكن القول عموما بأن الثقافة الصحية في المجتمع الجزائري موجودة، إلا أننا نفتقر للسلوك الصحي الذي يجب علينا ممارسته،  والذي تغلبت عليه المشاكل الاجتماعية والاقتصادية».   

رشيدة بلال