مريم وحنان من ذوي الهمم يتفوّقن في البكالوريا

نموذجان مثابران يسقطان عامل "الإعاقة"

نموذجان مثابران يسقطان عامل "الإعاقة"
  • القراءات: 371
رشيدة بلال رشيدة بلال

تقدّم شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة، في كلّ مرة، نماذج ناجحة ومشرّفة للمجتمع، لتؤكّد من جديد، أنّ الإعاقة هي "إعاقة الإرادة"، وهو ما وقفت عليه "المساء" من خلال النموذجين اللذين كرمتهما جمعية الصحفيين والمراسلين لولاية البليدة، نظير تفوقهما في شهادة البكالوريا دورة 2024، رغم ما واجهاه من صعوبات، إذ حازت الكفيفة مريم حاجي على معدل 15.10 شعبة العلوم التجريبية لتثبت أنّها قادرة على التفوّق في مجال كان إلى وقت قريب، صعبا على هذه الفئة، وبرهنت على العكس لتكون الأولى في هذا التخصّص، والطالبة حنان احجادن، معاقة حركيا، تخصّص العلوم التجريبية التي حازت على معدل 17.88 لتتصدّر المرتبة الأولى وطنيا في فئة المعاقين، لكنّها للأسف لن تكون ضمن المكرّمين من رئيس الجمهورية.

سردت الطالبتان مريم وحنان قصة نجاحهما وإصرارهما على إحداث التميّز والصعوبات التي واجهتهما، وكشفتا عن طموحاتهما للمساهمة في خدمة الوطن ودعم ذوي الاحتياجات الخاصة.

كفيفة تتفوّق في تخصّص صعب

تقول الطالبة مريم ناجحة في بكالوريا شعبة علوم تجريبية من ولاية البليدة، إنّ افتكاكها لشهادة البكالوريا لم يكن بالأمر السهل خاصة مع قلة الإمكانيات، ومع هذا فإنّ مرافقة الوالدين والمعلمين والإرادة القوية التي تتمتّع بها، كانت كلّها عوامل ساهمت في  تميّزها وتفوّقها، إذ حازت رغم كونها فاقدة للبصر، على معدل 15.10 في تخصّص قلة قليلة جدا ممن لا يبصرون، ينجحون فيه، ومع هذا فإنّ تمسّكها به ورغبتها في إحداث التميّز، جعلها تنجح فيه، وحسبها فإنّ اختيار شعبة العلوم التجريبية كان مقصودا لتفوّقها في المواد العلمية، لاسيما مادتي الفيزياء والرياضيات، ومن جهة أخرى لتثبت لمن هم مثلها بأنّ النجاح في التخصّص ممكن، يكفي التحلي بالصبر والإيمان بالنجاح.
وتطمح الطالبة مريم بعدما حازت على شهادة البكالوريا، الالتحاق بجامعة "هواري بومدين" لتدرس تخصّص الإعلام الآلي بالنظر إلى ما تتوفّر عليه الجامعة من إمكانيات متطوّرة تساعد الطلبة المكفوفين على الدراسة، مشيرة إلى أنّ رغبتها في دراسة هذا التخصّص تأتي لتذليل الصعوبات على فئة ذوي الاحتياجات الخاصة من المكفوفين، من خلال ابتكار حلول تساعدهم على الدراسة، خاصة وأنّها واجهت عدّة صعوبات خلال دراستها أعاقت تقدّمها، ولعلّ أبسط مثال على ذلك عدم وجود مطويات أو نماذج أسئلة بكالوريا بتقنية البراي، الأمر الذي جعلها تضيّع الكثير من الوقت في الكتابة، وحسبها فإنّ معدلها لا يعكس إمكانياتها وكانت تتطلّع لبلوغ معدل أكبر لتكون الأولى وطنيا.
التحدي الكبير الذي واجهها خلال دراستها في تخصّص العلوم التجريبية، حسب مريم، هو التعامل مع الرسومات في مادتي العلوم الطبيعية والفيزياء، إلّا أنّها تمكّنت من رفع هذا العائق بتطوير مخيّلتها، داعية في السياق، وزارة التربية للاهتمام أكثر بدعم هذه الشريحة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وعلّقت “حقيقة لم نواجه مشاكل في الكتب المدرسية بالبراي، إلاّ أنّ الكتب الخارجية والمطويات وبعض الوسائل المساعدة على الدراسة مثل الآلة الحاسبة غير متوفرة، الأمر الذي جعل وقت ذوي الاحتياجات الخاصة من المكفوفين ضائعا في كتابة ما يجب حفظه”.
وتابعت محدّثة "المساء" أنّها نجحت في شعبة من النادر أن يختارها المكفوف الذي يظلّ محصورا في تخصّصات اللغات الأجنبية أو آداب وفلسفة، مشيرة إلى أنّها تشعر بالكثير من الخوف من احتمال أن لا تقبل في تخصّص الإعلام الآلي بجامعة "هواري بومدين" بالجزائر العاصمة، ليس لأنّ المعدل لا يؤهّلها وإنّما خوفا من أن لا تجد مقعدا لها بالجامعة، مؤكّدة أنّها تتطلّع لأن تكون مبدعة ومبتكرة تقترح حلولا تساعد ذوي الاحتياجات الخاصة على الاندماج في المجتمع.

مرافقة الأولياء تمهّد الطريق للنجاح

نجاح الأبناء متوقّف على مرافقة الأولياء، هو الأمر الذي أكّدته والدة مريم التي شعرت بالكثير من الفرح، نظير تكريمها من طرف جمعية الصحفيين والمراسلين لولاية البليدة، وقالت في معرض حديثها إنّ ابنتها، رغم أنّها لا تبصر، إلاّ أنّها تمكّنت من التفوّق في تخصّص من النادر أن يختاره المكفوفون لصعوبته، ومع هذا  تمكنت من تحصيل بكالوريا بتقدير جيد جدا، مشيرة إلى أنّ قلة الإمكانيات شكّلت أكبر تحد، لأنّها لم تكن مكتوبة بتقنية البراي، الأمر الذي جعلها تضيّع الكثير في الوقت من أجل  اعادة كتابة ما يقدّم لها، واكثر من هذا، تردف والدة مريم، حيث كانت ترافق ابنتها  وتبحث عن كلّ الحلول التي تساعدها على المراجعة، منبّهة إلى أن غياب طابعة "البراي" بولاية البليدة جعلها تعاني الأمرين لتأمين كتب ومراجع مكيّفة.
من جهة أخرى، أشارت والدة مريم إلى أنّها كانت تتوقّع أن تنال ابنتها معدل 17 بالنظر لتفوّقها خاصة في مادة الفيزياء، من أجل هذا تعتقد المتحدّثة، أنّ إمكانيات ابنتها تتجاوز النقطة التي تحصّلت عليها في شهادة البكالوريا، ومع هذا تربّعت على المرتبة الأولى في فئة ذوي الاحتياجات الخاصة بولاية البليدة في شعبة العلوم التجريبية، موضّحة أنّ التحدي الحالي هو التمكّن من  الدراسة في جامعة "هواري بومدين" بباب الزوار في تخصّص الإعلام الآلي وهو حلم يراودها، وصرحت “نتمنى أن تلتفت الدولة أكثر فاكثر لهذه الشريحة التي تتوفّر على عباقرة  كلّ ما يحتاجون إليه بعض الدعم والمرافقة".

تكريم الرئيس.. حلم صاحبة معدل 17.88

من جانبها، تطمح الطالبة حنان احجادن معاقة حركيا من ولاية البليدة، الحائزة على معدل 17.88 إلى دراسة تخصّص طب، وقالت في معرض حديثها على هامش تكريمها من طرف جمعية الصحفيين والمراسلين لولاية البليدة إنّها تأمل كثيرا في أن تتمكّن من دراسة هذا التخصّص من أجل أن تعالج نفسها وتخفّف من آلامها وتعالج غيرها أو على الأقل التخفيف ولو قليلا من معاناتهم.
وأشارت إلى أنّ الإعاقة التي تعاني منها كانت نتيجة تعرّضها في طفولتها لحادث أقعدها على كرسي متحرّك، لكن الحادث لم  يقعدها عن رغبتها في التفوّق والمضي قدما ليكون لها مكان مرموق في المجتمع، وحسبها، فإنّ تحصيل أعلى معدل لتكون الأولى بولاية البليدة في فئة ذوي الإعاقة لم يكن سهلا متاحا، وإنّما كان نظير مجهودات كبيرة ومعاناة رافقتها لسنوات، بعضها مرتبط بغياب المسلكية الأمر الذي عمّق معاناتها، وآخر مرتبط بقلة التسهيلات التي تساعدها على المراجعة، بسبب التأخّر عن مواعيد الدرس  لصعوبة التنقل من جهة، وللوعكات الصحية التي كانت تصاب بها بسبب إعاقتها الحركية، ومع هذا قالت “تحصّلت على نقطة 20 من عشرين في مادة التربية الإسلامية، وتابعت "أنا حافظة لكتاب الله وأتطلّع لدخول مسجد بن جلول لقراءة الأحكام".
رغم أنّ الطالبة حنان حائزة على أعلى المعدلات، إلا أنّها الخوف ينتابها كلما فكرت في إمكانية عدم حصولها على التخصّص الذي ترغب فيه، وتقول إنّها ترغب في أن تدرس في جامعة البليدة 1 لأنّها الأقرب إليها من جهة، وحتى لا تعاني من مشاكل التنقل،  من أجل هذا ترغب في أن تحوز على استثناء  يمكّنها من الحصول على مقعد في جامعة البليدة  تخصّص طب، وقبل ذلك تحلم بأن تكون من بين المكرّمين من طرف رئيس الجمهورية.

الفخر يسقط التعب والشقاء

والد الطالبة حنان وهو يشعر بالكثير من الفرح والاعتزاز بالمعدل المشرّف الذي حازت عليه ابنته، رغم ما مرّ عليها من معاناة، وصعوبات كان يمكن أن تؤثر على مشوارها الدراسي، قال إنّه كممرض اختار العمل ليلا والتفرّغ  لها في النهار، حتى يستجيب  لاحتياجات ابنته خلال مشوارها الدراسي، مضيفا أنّ فرحة النجاح وحصولها على المرتبة الأولى ولائيا جعلته  ينسى كلّ تعبه وشقائه.
أكثر ما تأسّف عليه والد حنان، أنّه رغم التطوّر الذي عرفته الجزائر من حيث المنشآت، إلاّ أنّ البنى التحتية لحدّ الآن غير مهيأة لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث وقف خلال مرافقته لابنته على الكثير من العراقيل التي كان يمكن رفعها، لتسهيل وصول ذوي الإعاقة إلى مختلف المرافق، معلقا بالقول إنّه كان يتمنى لو أنّها كانت من بين المكرّمين من رئيس الجمهورية، خاصة وأنّها حازت على المرتبة الأولى في فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن الإشكال، حسبه، في أنّ التصنيف يكون بناء على بعض المعايير منها هل المعاق يكتب أو يكتب له، وبحكم أنّ حنان تكتب بنفسها فإنّ المعني بالتكريم من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة لا يستطيع الكتابة رغم أنّ معدله أقل من معدلها وبالتالي هذه المعايير قلّلت من فرحة ابنته.
بالمناسبة، يتمنى الأب أن يكون لشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة الأوائل، تكريم خاص بعيدا عن المعايير التي خلقت نوعا من الحساسية، وبالتالي حبذا لو يعيد الديوان الوطني للمسابقات، النظر في طريقة تصنيف المعاقين ليتمكّنوا على الأقل من الشعور بنشوة الفرح والتكريم .