تداخل أنشطة المحلات
‘’فوضى تجارية” قوامها عدم احترام القانون
- 1274
لا زالت ممارسة الأنشطة التجارية بحاجة إلى تأطير ورقابة، بالنظر إلى ضعف ثقافة التجار الذين أصبح هم بعضهم تحقيق الأرباح لا غير، ضاربين عرض الحائط بعض المبادئ التي يفترض أنها من صميم النشاط التجاري، ولعل أهمها، التقيد بما ينص عليه سجلهم التجاري.
كشفت الجولة الاستطلاعية التي قادت ”المساء” إلى بعض المحلات التجارية بالعاصمة، عن مدى التجاوزات التي قد تبدو عادية للبعض، غير أنها تعتبر بالنسبة للعارفين بالمجال، من المخالفات التي يفترض أن يعاقب عليها القانون، لعل أهمها، تخصّص عدد من المحلات في بيع الخبز دون مراعاة أدنى شروط حفظ هذه المادة الغذائية التي تعرف إقبالا كبيرا عليها، والتي يفترض أن تختص فيها المخابز أو بعض نقاط البيع، غير أن بعض التجار وبحكم تواجدهم في أحياء جديدة أو أخرى شعبية، تحتاج إلى هذه المادة في ظل نقص عدد المخابز أو غيابها، بالتالي يسارعون إلى تأمينها، شأنها شأن الحليب الذي يتوفر عند بعض التجار الذين لا يرتبط نشاطهم ببيع المواد الغذائية، غير أنهم في المقابل، لا يراعون مطلقا شروط البيع، حيث نجد مثلا الخبز موضوعا في سلال أمام بعض السلع، كمواد التنظيف، بسبب صغر المحل أو امتلائه بالسلع. لعل أخطر ما وقفت عليه ”المساء”، انفراد محل لبيع العطور ببيع الخبز، ورغم أن الكمية لم تكن كبيرة، إلا أنه يبدو أن هذا التاجر أراد أن يجرب مدى تفاعل المواطنين وإقبالهم على هذه المادة. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل تعداه إلى بيع المياه المعدنية والمشروبات الغازية وحتى المرطبات، الأمر الذي جعلنا نتساءل ”هل بإمكان التاجر الذي يبيع العطور أن يجمع بين عدة أنشطة في نشاط واحد، حتى وإن لم يرد ذلك في سجله التجاري”؟.
تعدد الأنشطة وارد.. لكن بشروط
لمحاولة العثور على إجابة للسؤال، تحدثت ”المساء” إلى رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الحاج الطاهر بولنوار، الذي أشار في معرض حديثه إلى أن ممارسة أكثر من نشاط واحد في محل تجاري واحد، كبيع المواد الغذائية ـ مثلا ـ مع الألبسة أو مع مواد التجميل أو الأدوات المدرسية، عادة ما يكون في بعض المناطق النائية أو الريفية، أو الأحياء التي تعرف قلة المحلات التجارية، الأمر الذي يتطلّب توفير بعض المستلزمات للسكان عوض التنقل لمسافات بعيدة بغية تأمينها، غير أن ما يجب التأكيد عليه في هذا الخصوص، يقول ”أن تكون مثل هذه الأنشطة مدمجة في السجل التجاري للتجار، بواسطة رموز، حتى نصف عمل التاجر بالقانوني”، ويضرب مثلا بتاجر المواد الغذائية الذي يمكنه أن يبيع بعض اللوازم الأخرى التي يحتاجها المواطنون، مثل الخبز، شرط أن لا يتم خلطه مع باقي المواد، نظرا لحساسية هذه المادة الغذائية. مشيرا إلى أنّ ما يحدث ـ للأسف ـ في الواقع مخالف تماما، فلا يمكن أن نتصور أن بائع العطور ومواد التجميل والنظافة يبع الخبز، لأنه يعتبر من المخالفات التي يعاقب عليها القانون، ويضيف ”هذا ما يقودنا إلى القول بأن التقيد بما ورد في السجل التجاري، محصور في قلة قليلة فقط من التجار”.
من جهة أخرى، يرى محدثنا أن الفوضى التي تعرفها بعض المحلات، راجعة بالدرجة الأولى إلى تقصير مصالح البلدية التي يفترض أن تباشر عملها، عند طلب أحد التجار ممارسة نشاط معين، فإن كان النشاط مثلا موجودا في الحي، يطلب من صاحب النشاط تغييره لإقرار التنوّع، ومن ثمة إعفاء التاجر من الجمع بين أكثر من نشاط واحد في محله، ويضيف ”غير أن غياب التنسيق بين مصالح البلدية ومديرية التجارة انعكس سلبا على ممارسة الأنشطة التجارية وخلق نوعا من الفوضى”.
تماطل المراقبين وراء تفاقم الظاهرة
من جهته، وصف رئيس جمعية ”الأمان” لحماية المستهلك، حسان منوار، عدم تقيد بعض التجار بما ورد في سجلهم التجاري بـ«الفوضى التجارية”، وقال في معرض حديثه لـ«المساء”، أن خروج بعض التجار عن الأنشطة المقيّدة بالسجل التجاري، على غرار المقاهي، والذين يبادرون إلى ترتيب قعدات ”الشيشة”، رغم أنه غير وارد في سجلهم التجاري، أو قيام بعضهم ببيع السجائر داخل المقاهي، راجع بالدرجة الأولى إلى تقصير مصالح الرقابة في القيام بمهامها، الأمر الذي جعل الفوضى تسود. مشيرا إلى أن تماطل الجهات المعنية، دفع ببعض التجار إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك، من خلال التقرّب من مصالح البلدية لطلب الحصول على تراخيص ممارسة بعض الأنشطة الموسمية، رغم أنها غير مدونة في سجلهم التجاري، كأن يبيع تاجر مواد غذائية ”الزلابية” أو بعض الحلويات التي ترتبط ببعض المناسبات.
من جهة أخرى، أوضح محدثنا أن ما يقوم به المكلفون بالرقابة يظل عملا شكليا، ولو أنهم يقومون بعملهم كما يجب، خاصة أنّ عددهم يقارب التسعة آلاف مراقب موزعين على 1500 بلدية على المستوى الوطني، حتى لا يفكر التاجر في الخروج عما هو مدون في سجله التجاري، وهو ما نطالب به اليوم كجمعية تعنى بحماية المستهلك وتحرص على تقيد كل تاجر بنشاطه، وفق ما هو مدون في سجله التجاري.
مصالح الرقابة في المدان وثقافة التبليغ في تحسن
من جهته، يرى ممثل مديرية التجارة لولاية الجزائر، العياشي دهار، أن القول بأن مصالح الرقابة لا تقوم بدورها كما يجب، أمر ينجم عنه فوضى في ممارسة الأنشطة التجارية، ”قول مردود عليه”، وبالعكس يقول لـ«المساء”، إنّ مصالح الرقابة من خلال أعوانها الذين يفوق تعدادهم 900 عون بين عون رقابة وعون قمع الغش على مستوى العاصمة، يقومون بعملهم بصورة يومية، تبعا لما يجري استقباله من تبليغات، حيث يتم التنقل فوريا إلى عين المكان والقيام بالإجراءات اللازمة، أو بناء على ما يتم استقباله من مكالمات عبر الرقم الأخضر 20/10، مشيرا إلى أن مصالح الرقابة عندما تتأكد من المخالفة، خاصة إن كان الأمر يتعلق بممارسة نشاط غير مقيد بالسجل التجاري، تحرر محضرا ويتم إخضاع التاجر المخالف للعقوبات التي ينص عليها القانون، وقد تصل إلى حد الغلق في حال العود.
في السياق، أكد محدثنا أن خروج التاجر عن ما ينص عليه السجل التجاري، يكون عادة ”مقصودا”، نزولا عند رغبة سكان بعض الأحياء، حيث يبادر بعض التجار إلى بيع بعض المواد التي لا تعكس نشاطهم، بينما يعدد البعض الآخر نشاطهم ”عن جهل”، وفي الحالتين ”تتدخل مصالح الرقابة من خلال أعوانها لضبط النشاط، لأن الأمر يتعلق بصحة المستهلك”.
عن مدى وعي المواطنين بأهمية التبليغ عن بعض المخالفات التي يبادر إليها التجار، أشار محدثنا إلى أن مصالح الرقابة تتلقى يوميا شكاوى عن طريق الرقم الأخضر أو البريد الإلكتروني، وتقوم على الفور بمعالجة المخالفة، مشيرا إلى أن الوعي في المجتمع بدأ يعرف تحسنا، ”في المقابل، تقوم مصالحنا بالتحقيق في كل ما يصلها من تبليغات حتى وإن كانت كاذبة”.