«جامع كتشاوة»..

درة مسـاجد الجـزائر

درة مسـاجد الجـزائر
  • 6286
يعد حي القصبة العتيق في قلب العاصمة الجزائرية من أشهر الأحياء الأثرية التي لا تزال تقارع الزمن؛ إذ يعود تاريخ بنائه إلى العهد العثماني، وبرغم أن العديد من مبانيه وقصوره أو «دويراته» -كما يسميها أهل العاصمة- صارت أثرا بعد عين، فإن القلة القليلة التي سلمت من هذه التحف المعمارية تقف شامخة بفضل الترميمات المنتظمة التي قامت بها الدولة. ومن أهم المعالم التاريخية التي يضمها الحي «مسجد كتشاوة»، وهو تحفة أثرية نادرة ما زالت شامخة منذ أكثر من قرنين من الزمن، وهو المعلم الذي يضفي على الجانب المقابل للواجهة البحرية للعاصمة مسحة جمالية يصعب وصفها بدقة. و«كتشاوة» كلمة تركية تعني «العنزة»، وسمي المسجد بهذا الاسم نسبة إلى السوق التي تقام في «ساحة الماعز» (ساحة الشهداء حاليا) المجاورة له. أربعة آلاف قتيل ويتمتع هذا المسجد بمكانة، خاصة في قلوب الجزائريين؛ حيث رزح تحت وطأة الاحتلال الفرنسي لأزيد من قرن، أي طيلة الحقبة الاستعمارية، عندما عمد الفرنسيون حين وطأت أقدامهم أرض الجزائر إلى تحويله لكاتدرائية. حينها أقدم الجنرال دو روفيغو، القائد الأعلى للقوات الفرنسية آنذاك، على إخراج جميع المصاحف الموجودة في «مسجد كتشاوة» وإحراقها في ساحة الماعز. قرار تحويل المسجد لكاتدرئية لم يمر دون مقاومة، حيث اعتصم أزيد من أربعة آلاف جزائري؛ داخل المسجد دفاعا عنه، غير أن روفيغو، وأمام إصرار المسلمين على الدفاع عن مقدساتهم، لم يتوان عن إزهاق أرواحهم، حسبما تشير الروايات التاريخية. وسقط المسجد، الذي تم تشييده عام 1792، في يد الفرنسيين يوم 24-12-1830، أي بعد أشهر قليلة من احتلال الجزائر يوم 5-7-1830، غير أن أول قداس أقيم فيه بعد تحويله لكاتدرائية تحمل اسم «سانت فيليب»، كان ليلية 24-12-1830. وأقدم الفرنسيون على هذه الخطوة برغم ما جاء في وثيقة «استسلام» الداي حسين، حاكم الجزائر حينئذ، من أن السلطات الفرنسية تحترم الديانة الإسلامية، وتتعهد بحماية ممتلكات السكان من السلب والنهب. أول خطبة وبعد انتزاع الجزائر استقلالها عام 1962، سارعت السلطات إلى استرجاع «مسجد كتشاوة»، وأقيمت فيه أول صلاة جمعة يوم 2 نوفمبر من العام ذاته. ولم يكن الخطيب في ذلك اليوم سوى العلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وهي الخطبة التي نقلت مباشرة على أمواج أثير الإذاعة الجزائرية، وحضرها عدد من مسؤولي الدولة وبعض الوفود الإسلامية وجمع غفير من المواطنين، ابتهاجا بعودة المسجد، بعد نحو 130 عاما استخدمه الفرنسيون خلالها ككتدرائية. وبرغم أن عمره حينها لم يكن يتعدى الـ15 عاما، فإن الحاج يوسف، أحد تجار القصبة المعروفين، عاد بالذاكرة إلى ذلك اليوم المشهود، حين اصطحبه والده، وهو أحد أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، معه لحضور أول صلاة جمعة بعد عودة المسجد. ويواصل الحاج يوسف: «كنت صغيرا في ذلك الحين لا أفقه كثيرا مما يدور حولي، إلا أنني أتذكر أنه لم يكن يوما عاديا في حياة والدي الذي بدت علامات السرور على وجهه بينما يبادل رفاقه في جمعية العلماء الابتسامات والعناق». مكانة خاصة ويؤكد الحاج محمد، في العقد السابع من عمره، وهو أحد سكان حي القصبة القدامى ولا يزال يقطنه حتى اليوم، أن «مسجد كتشاوة ذو تاريخ عريق من الصعب استرجاعه في دقائق نظرا للأحداث الكبيرة التي عاشها». ويضيف أن «جميع سكان العاصمة توارثوا أبا عن جد حكاية هذا المسجد، وكيف حوله المستعمر إلى كاتدرائية؛ ولذا فله مكانة خاصة في قلوب الجزائريين، وأنا أحرص على تأدية صلاة الجماعة به». ويطالب الحاج محمد «الجهات الوصية بالعناية بهذا المَعْلَم التاريخي الذي قلما يوجد مثله بالجزائر». وبشكل منتظم تقوم وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بما تراه ضروريا من ترميميات، لحماية المسجد من خطر انهيار بعض أجزائه. وإضافة إلى «مسجد كتشاوة» توجد في الجزائر مساجد أخرى عريقة ذات طابع معماري عثماني، من بينها مسجد بتشين الذي شيد في عام 1622، والمسجد الجديد عام 1660، ومسجد سيدي عبد الرحمن الثعالبي عام 1669، ومسجد سفير عام 1826. وكانت الجزائر تزخر بـ 300 مسجد قبل الاحتلال الفرنسي لم يبْقَ منها اليوم سوى 13 فقط، بعد أن عمد المحتل إلى هدم غالبيتها وتحويل بعضها إلى كنائس.