بحاجة لشيء من التثمين

عين "الشفا" بسكيكدة.. هنا تجتمع الحقيقة بالأسطورة

عين "الشفا" بسكيكدة.. هنا تجتمع الحقيقة بالأسطورة
  • 111
بوجمعة ذيب بوجمعة ذيب

تملك ولاية سكيكدة العديد من المعالم الأثرية والمواقع الطبيعية النادرة التي جعلتها على مر العصور، تشكل جزءا من تراثها الثقافي اللامادي المحلي، منها ما ظل خالدا في الذاكرة الجماعية لعوام سكّانها، حتّى اختلط فيها الواقع بالأسطورة، من خلال القصص والحكايات التي تُسرد، والمعتقدات التي ظلت راسخة إلى يومنا هذا.

وتُعدّ العيون الطبيعية بولاية سكيكدة المقدّر عددها بـ 20 عينا طبيعية، إحدى تلك الموارد التي تزخر بها الولاية، منها ما هو مستغَل، ومنها ما هو مهمَل. والغريب أنّ لكل عين قصة وحكاية تفوق في كثير من الأحيان، ما قد تستوعبه الذاكرة، كما هي الحال بـ"عين الدولة" بعاصمة شولوس، التي تعود، حسب الروايات المتطابقة، تقريبا، إلى الحقبة التركية. من بين معجزاتها أنها تشفي من عقم النساء، والدليل أنّ النسوة ممن لا ينجبن، كنّ يتوافدن بأعداد كبيرة على تلك العين، تبركا بها؛ عسى، حسب ما كانت تؤمن به الذاكرة الجماعية للمنطقة، أن تشفيهن من العقم.

وإلى جانب "عين الدولة"، هناك أيضا "عين الزويت"، التي خلدها الرومان، و"عين كاف أونار" بأولاد أحبابة، التي استغلها الرومان لطرد النحس، و"عين قشرة" التي يتدفق ماؤها العذب من بين صخورها ولا ينضب، وذلك منذ غابر الأزمنة إلى اليوم. ويقال إن مياه عين قشرة مياه علاجية للعديد من الأمراض، ومباركة. و"عين الشفا" بعين الشرايع، بالضبط بمنطقة وادي بيبي، سمّاها البحارة أيضا، "عين الحظ".

وحسب المعتقد السّائد في المنطقة، تُعد "عين الشفا" عيناً مباركة بامتياز، لأنّها تجسد البركة الربانية بالمصطلح المحلي، في علاج العديد من الأمراض المستعصية، حيث يعود تاريخ اكتشافها إلى الحقبة الرومانية الأولى. وتتواجد داخل مغارة في كهف في البحر، يتميز بالبرودة. والولوج إلى داخله يتم بصعوبة.

وحسب الأسطورة المحلية، فإن الرومان وبعدهم الفينيقيين بمن فيهم باقي البحارة من أتراك وغيرهم، قدّسوا العين تقديسا لا يوصَف، لأنّها، حسب اعتقادهم، كانت تمنحهم الحظ الحسن، فكانوا ينهلون منها كلما دفعتهم الحاجة إلى امتطاء أمواج البحر، كما كانوا ـ حسب الروايات ـ يتوجهون قبل شروعهم في اصطياد السمك، إلى حيث توجد تلك العين، فيشربون منها، ويغسلون أطرافهم وعتادهم، وكذا بسكب الماء الذي يخرج من المغارة على قواربهم وسفنهم؛ لاعتقادهم أن مياه تلك العين تمنحهم "البركة"، وتحميهم من عواصف البحر، ومن عين الحسود، كما تمكنهم من العودة بصيد وافر. ومن غرائب "عين الشفا" أن ماءها صالح للشرب داخل الكهف فقط. ويتحول إلى ماء مالح خارجه، الأمر الذي  جعل هذه الأخيرة مزارا للعائلات السكيكدية، خاصة صيفا. 

وحسبما تحتفظ به الذاكرة الجماعية لأهالي منطقة عين الشرايع، فإن هذه العين التي تتواجد داخل هذه المغارة، كانت مقصدا منذ أزمنة، للعديد من الناس، الذين كانوا يتبركون بمياهها العجيبة لا سيما للتداوي من العديد من الأمراض،  كـ "الروماتيزم" وأمراض الجلد، ومن العقم، أو لطرد النحس والعين والسحر، وحتى لجلب العرسان بالنسبة للفتيات الشابات، فيما تبقى العديد من الطقوس تمارَس إلى يومنا على مستوى هذه المغارة على الرغم من صعوبة الدخول إليها. وحسب الروايات، فإن صعوبة الولوج داخلها هو ما رسّخ في العديد من أهالي المنطقة وما جاورها، فكرة القدرة العجيبة لتلك العين في كل من يستحم أو ينهل من مياهها. وحسبما يتردد في الذاكرة الجماعية لأهالي المنطقة، فإن العديد من النساء العاقرات، بعد سنوات من معاناتهن من العقم وبعد أن شربن من ماء "عين الشفا" ، رُزقن بأولاد، بل هناك من رُزقن بتوائم دفعة واحدة.

ومهما يكن فإن شاطئ وادي بيبي ومنها شاطئ عين الشرايع وغيره من الكنوز الطبيعية التي تمثل تراثا ماديا ولا ماديا تزخر به ولاية سكيكدة، بحاجة، أوّلا، إلى دراسة مستفيضة من قبل المختصين من أجل تدوين كل ما له علاقة بالتراث، لأنه جزء من ذاكرة منطقة سكيكدة. وثانيا وجب على القائمين على قطاع السياحة والثقافة، إيلاء أهمية كبيرة لمثل تلك المواقع والكنوز الطبيعية، التي بإمكانها عند الاهتمام بها كل الاهتمام، أن تساهم في ترقية السياحة وتطويرها، من خلال جلب السياح والمغامرين والفضوليين، وحتّى الباحثين.