سوق طنجة ببلدية الخروب (قسنطينة)

قبلة البسطاء وصمود أمام متغيرات الزمن

قبلة البسطاء وصمود أمام متغيرات الزمن
  • القراءات: 554
شبيلة. ح شبيلة. ح

تلعب الأسواق الشعبية بقسنطينة، خلال شهر رمضان الكريم، دورا كبيرا في إحداث رواج وإنعاش لحركة البيع والشراء بها، خصوصا في الفترة ما بعد صلاة العصر وقبل رفع آذان المغرب، لاسيما أن الأسواق الشعبية المفتوحة، توفر للمواطنين القسنطينيين كل ما يبحثون عنه من سلع تناسب الشهر الكريم.

تتميز الأجواء الرمضانية بعاصمة الشرق، بذلك الإقبال الكبير على الأسواق الشعبية المفتوحة، التي عول الكثيرون عليها في التصدي لاستغلال كان دائما ينتظر عند بوابة رمضان، رغم كل ما يبذل من جهود من قبل السلطات المعنية، لضمان ما يحتاجه المواطن البسيط وبأسعار معقولة خلال هذه الفترة تحديدا، ويعد سوق "طنجة" المتواجد بأقدم الأحياء العتيقة في مدينة الخروب، واحدا من تلك الفضاءات التي تقصدها كل شرائح المجتمع، حيث كان يسمى سابقا بحي "هدنة"، نسبة إلى لقب الشخص الذي كان مالكا لكامل القطعة الأرضية التي بني عليها الحي، ما بين سنتي 1956 و1957، إذ يبقى من بين أهم وأقدم الأسواق الشعبية بالبلدية، ويتحول الشارع الرئيسي الذي يفصل الحي لقسمين، إلى سوق مفتوح يقصده يوميا المئات من سكان البلدية، وحتى البلديات المجاورة، بعد أن تحولت بعض البنايات إلى محلات ودكاكين صغيرة ومقاه وغيرها، فيما استغل باقي التجار رواق الحي الممتد على مسافة حوالي 400 متر أو أكثر، لنصب طاولات الخضر والفواكه، وهو ما أدى إلى إحداث حيوية ونشاط تجاري لم يكن بهذه الصورة في سنوات الستينات، حيث أكد أحد السكان القدامى، أنه كان هناك محل أو اثنين فقط بالحي خلال سنوات الستينيات وإلى غاية الثمانينيات.

انتعاش مهن موسمية بالسوق في رمضان فقط

بدأ سوق "طنجة"، مع مرور السنوات، والذي له نكهة مميزة من عبق الماضي، يجد مكانته بين أهل المدينة الذين باتوا لا يستغنون عنه، وأصبح جزء من يومياتهم، غير أن الزائر للسوق خلال رمضان بالتحديد، يلاحظ ذلك الفرق في هذا الشهر، إذ تنتعش فيه العديد من المهن الموسمية المرتبطة بشهر رمضان، ويقبل عليها الباعة، لأنها تعكس النمط الاستهلاكي للصائمين الذين يسعون إلى تزيين مائدة الإفطار بكل ما يشتهونه من مأكولات شعبية وحلويات وخبز تقليدي بأنواعه، ومخللات ومقبلات ومملحات ذات أشكال ومكونات مختلفة، تعرض بأسعار أقل من أسعار المطاعم والمتاجر، التي يستغل أصحابها المناسبة لرفعها وفرض زيادات تتجاوز ثمنها الحقيقي.

صمود أمام المراكز التجارية

بالرغم من البساطة التي يتميز بها سوق "طنجة"، إلا أنه يلعب دورا مهما في تنشيط الحياة التجارية والاقتصادية بالبلدية، فقد وجد الكثير من الشباب فرصة  للاسترزاق، في مكان يعتبر جزء من ذاكرة المنطقة، ولا يزال صامدا أمام متغيرات الزمن، محافظا على مكانته الخاصة عند الخروبيين، رغم انتشار نقاط جديدة للتجارة، ومولات ومراكز تجارية كبرى، فيحتفظ السوق إلى حد الساعة بحضوره الاجتماعي والتجاري المميز لدى سكان الخروب، حيث يقصده الصغير والكبير للشراء والبيع وحتى لمجرد التجول لساعات، قبل موعد الإفطار. ولا يزال إلى حد الآن، يحتفظ بسحره ومكانته الخاصة عند سكان المدينة.

تجار دائمون وموسميون...

ما يميز سوق "طنجة" في شهر رمضان، استقطابه للباعة من عدة مناطق، سواء كانوا تجارا دائمين أو موسميين، لعرض سلعهم وجلب الزبائن، باستخدام أساليب تسويقية بسيطة لجذب الزبائن. وتجد من بين الباعة؛ الشيوخ والكهول والشباب وحتى الأطفال، على غرار طفل يبيع الأعشاب العطرية (القصبر والبقدونس)، حيث قال لنا إنه يأتي إلى السوق بعد خروجه من المدرسة، أو خلال الأيام التي لا يدرس فيها، ويجلب الأعشاب من عند فلاح بالبلدية، ليبيعها ويساعد والده في مصاريف البيت، كما وجد عدد من الشباب في السوق، حلا للبطالة التي يعانون منها، ليصبحوا أفرادا منتجين، متحدين الظروف الصعبة لكسب الرزق الحلال، من خلال عرضهم لسلع موسمية لقيت رواجا كبيرا وإقبالا خاصا، كـ«الشاربات والبيتزا والبوراك".. وغيرها.

أكلات وأطباق مشهورة تسيل لعاب الصائمين

من بين الأكلات الجاهزة المعروضة على الطاولات المغطاة بمظلات، يحتل الصدارة "البوراك والدوبارة والبيتزا التقليدية، وهريسة اللوز، والهريسة المنزلية، والكسرة بأنواعها والرغدة"، والدجاج المشوي على الجمر، والعصائر الطبيعية، التي يبرزها الباعة لتحريك شهية الصائمين، فيرتبوها وينسقونها بطريقة جذابة، تنبعث منها روائح تسيل لعاب الصائمين، حيث لا يفوت المتجول في السوق، أن يعيش ذلك الازدحام وتلك الطوابير أمام المنتجات الأكثر استهلاكا، وعلى رأسها الحلويات، كـ«الزلابية، والصامصة، وصباع لعروسة" المشهورة عند الخروبيين، كما يأتي زبائن حتى من خارج المدينة، للظفر بقطع من "الفوندا، والكاوكاوية، والنوقا"... وغيرها من الحلويات التي لا يتقنها سوى صانعوها من المنطقة، حسب تأكيد الزائرين.

علاقة وفاء بين التجار والزبائن عمرها سنوات

ما يميز سوق "طنجة" الشعبي أيضا، ذلك الوفاء وتلك العلاقة الطيبة بين التجار وزبائنهم، الذين ظلوا أوفياء للمكان على مر السنين، حيث أكد بعض التجار، أن لديهم زبائن أوفياء يترددون على محلاتهم كل موسم، لاقتناء ما لذ وطاب من سلع ذات جودة ميزته عن غيره من الأسواق. مسترجعين في ذلك، ذكريات مضت، جمعتهم برائحة المكان التي جعلتهم يعودون إليه، فالبعض منهم يدخل المكان دون حاجة للتسوق، إنما فقط ليمشي بين أزقته ويسترجع مع كل خطوة، ذكرى قديمة جمعته بسوق "طنجة" ومحلاته المشهورة التي توارثها الأجيال جيلا بعد جيل، كما هو الحال بالنسبة لقصابة "عمي حميد بن ساري" ـ رحمه الله ـ، التي تعد من أقدم محلات الجزارة المتواجدة بمدخل حي "طنجة"، والتي ورثها عنه ابنه "عمي الطاهر"، كما نجد أيضا في المدخل الشمالي، بائع الخضر "حقو" الذي ورث المهنة عن والده "المرحوم بلشطر"، بالإضافة إلى مخبزة "عمي المكي"، وكذلك الأمر بالنسبة لبائع الزلابية "برميثة"، وغيرهم من التجار المعروفين بالاسم في سوق "طنجة".