إقبال كبير على مصالح التعمير قبل طيّ ملف قانون 15-08
نحو إنهاء كل مظاهر التشوه العمراني بالعاصمة
- 229
زهية. ش
دخلت بلديات العاصمة في سباق مع الزمن لتسوية وضعية أكبر عدد من البنايات غير المكتملة، وطي هذا الملف قبل نهاية الآجال المحددة في 31 ديسمبر الجاري، في إطار القانون 15-08، لتضع بذلك حدا لفوضى العمران التي شوهت العديد من المدن، من خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة، تطبيقا لتعليمات وزير الداخلية والجماعات المحلية والنقل، سعيد سعيود، الذي أمر في وقت سابق، بالإسراع في تسوية وضعية البنايات غير المكتملة، قصد القضاء على مظاهر التشوه العمراني الناتج عن الورشات التي فُتحت ولم تكتمل، مع مرافقة المواطنين، وتمكينهم من تسوية وضعياتهم القانونية في الآجال المحددة؛ لتفادي الإجراءات القانونية الصارمة التي سيتم اتخاذها ضد المخالفين.
تشهد مكاتب التعمير عبر بلديات العاصمة، في الأيام الأخيرة، إقبالا كبيرا من قبل المواطنين الراغبين في تسوية وضعية سكناتهم غير المكتملة، قبل انتهاء الآجال المحددة، فيما تجنّد عمال نفس المصالح لدراسة الملفات العديدة المودعة لديها، واستدراك التأخر الذي سُجل في تطبيق قانون 15-08 الذي تم تمديد آجاله عدة مرات، قبل أن تشدد السلطات على ضرورة طي هذا الملف مع نهاية السنة الجارية، لإعطاء الوجه اللائق للمدن التي تشهد فوضى كبيرة في العمران، بسبب عدم إتمام المواطنين بناياتهم، وإهمالهم للجانب الجمالي الخارجي عند تشييد سكناتهم، ما أدى إلى تمديد العمل بقانون تسوية البنايات 15-08 حتى نهاية 2025، مع اشتراط أن يكون البناء قبل 2008، وربطه بشبكات الماء، والكهرباء والغاز، وتقديم ملف يتضمن مخططات المهندس المعماري، وملف قانوني للعقار، ووثائق المالك للحصول على رخصة إتمام إنجاز أو رخصة بناء على سبيل التسوية، لتنظيم الوضع العقاري، وتحسين المظهر العمراني مع استثناء البنايات المخالفة للقواعد العمرانية العامة، أو التي بها نزاعات قضائية.
مشاكل أعاقت التسوية
وقد استغل كثير من المواطنين هذه الفرصة لمحاولة تسوية وضعية سكناتهم، غير أن العملية واجهتها، حسب بعض رؤساء بلديات العاصمة ومسؤولي مصالح التعمير، بعض العراقيل التي حالت دون تسوية الكثير من الحالات. فرغم مرور عدة سنوات على صدور قانون التسوية وانتشار المباني والفيلات الفخمة في عدد من الأحياء، إلا أن فوضى العمران لاتزال ميزة أغلبية الأحياء، بسبب العراقيل التي واجهت عملية تطبيق القانون في الميدان، وعدم الفصل في عدد من الملفات المودعة لدى مصالح البناء والتعمير على مستوى البلديات، خاصة أن العديد من البنايات أُنجزت دون رخصة، أو خارج المحيط العمراني، أو فوق أراض فلاحية، وضفاف الوديان، ما أدى إلى بروز أحياء ومجمعات سكنية فوضوية، يهتم أصحابها بالجمال الداخلي فقط، ولا يولون أي أهمية للواجهة الخارجية، خاصة في بعض البلديات كالدار البيضاء، والدويرة، وخرايسية، وبني مسوس، وبوزريعة، وجسر قسنطينة، وباب الزوار، وبئر خادم، والسحاولة، وأولاد شبل، ودرارية، والعاشور... وغيرها، والتي كثرت فيها البنايات المنجزة دون رخصة، والتي أفقدت الأحياء جمالها.
وردع المعتدين على العقار الفلاحي
وفي هذا الصدد، أوضح رئيس بلدية السحاولة حميدات أرزقي لـ "المساء"، أن مصلحة التعمير أحصت 2520 ملف طلب تسوية، تمت دراستها كلّها، منها حوالي 600 ملف مقبولة. واستلم أصحابها رخصهم، فيما يبقى 800 ملف مؤجلة؛ لعدم وجود الدفتر العقاري، أو تواجد القطعة الأرضية في الشيوع. ونسبة كبيرة من الملفات مؤجلة أيضا، لكون البناية أُنجزت بعد 2008، والتي لا يشملها قانون 15-08، الأمر الذي يجهله المواطنون الذين توجهوا بكثرة لطلب التسوية.
كما تم رفض 1100 ملف، أغلبها أنجز أصحابها سكناتهم فوق أراض فلاحية، حسب رئيس بلدية السحاولة، الذي قدم عدة اقتراحات، منها إعادة معالجة الملفات التي أُودعت ودُرست بعد سنة 2008، مع فرض غرامات مالية معتبرة مقابل التسوية، لجلب مداخيل للبلديات، مع ردع الذين أنجزوا سكناتهم فوق أرض فلاحية، وتشديد العقوبات المالية على كل من يتجرأ على إنجاز بناية فوق أرض فلاحية تابعة للدولة أو دون رخصة، حيث كشفت عملية التسوية، مثل ما أوضح، عن وجود عدد كبير من البنايات أُنجزت فوق أراض فلاحية خاصة، وهو الإشكال العويص الذي يجعل التسوية مستحيلة. وتستدعي إعادة النظر في المخطط العمراني من خلال هذه الحالة الاستعجالية، لإدخال هذه البنايات في المنطقة العمرانية.
تعليمة مشتركة لتسهيل تسوية وضعية البنايات
ومن جهته، أشار رئيس بلدية بني مسوس، رجا فوزي، لـ "المساء"، إلى أن مكتب التعمير أحصى 2800 ملف طلب تسوية، 90 بالمائة منها تمت دراستها، حيث تسير العملية بصفة متسارعة لإتمام الملف قبل انتهاء الآجال المحددة، لافتا إلى أن تعليمة وزير الداخلية والجماعات المحلية والنقل القاضية بتسهيل عملية التسوية، ساعدت المواطنين كثيرا في الحصول على رخص التسوية بعد دراسة الملفات كل ثلاثاء على مستوى لجنة الدائرة المكلفة بالبتّ، ودراسة الملفات، وفي أقل مدة، فضلا عن التعليمة الوزارية المشتركة رقم 1 المؤرخة في 1 جويلية 2024، والموجهة من وزارات الداخلية، والسكن، والمالية، والتي تخص تسهيل إجراءات تسوية البنايات، وإتمام إنجازها في إطار القانون 15-08، حيث تقدم تسهيلات مهمة لتسوية البنايات غير المطابقة أو المشيدة دون رخصة، خاصة تلك التي تتوفر على مختلف الشبكات في مناطق فلاحية أو مشتركة؛ حرصا على حق المواطن، لا سيما في تسوية البنايات في إطار القانون المذكور آنفا، والذي عرف عدة عراقيل، جلها متعلق بمجال العقار، حيث أعطت هذه التعليمة العديد من التسهيلات، فضلا عن التسهيلات التي استفادت منها بلدية بني مسوس بعد مصادقتها، مؤخرا، على ثلاثة مخططات لشغل الأراضي، ما جعل عملية تسوية البنايات تشهد تقدما كبيرا. وتم رفض عدد قليل فقط من الملفات التي أُنجزت سكناتها في منطقة تجميد البناء والتوسع العمراني.
الجهل بفحوى القانون صعّب تطبيقه
أما على مستوى بلدية الرويبة، فقد تم إحصاء حوالي 4000 ملف، حسب ما أوضحت رئيسة مصلحة التعمير لـ “المساء”، مشيرة إلى أن المشكل الكبير الذي واجه عملية التسوية، هو أراضي الشيوع، وتلك السكنات التي أُنجزت بعد 2008، التي أقبل أصحابها بكثرة على المصلحة، لجهلهم أن قانون 15-08 لا يعنيهم؛ إذ يجب أن تكون البناية شُرع في إنجازها قبل 2008، وهذا أكبر عائق لتسوية البنايات، سواء ببلدية الرويبة أو باقي بلديات العاصمة التي انتشر فيها كثير من الفيلات والبنايات في السنوات الأخيرة، منها التي أُنجزت أيضا بعقد عرفي، حيث مازالت ملفات عديدة على مستوى مصلحة التعمير بالبلدية والدائرة، تنتظر التسوية.
كما تتم عملية دراسة الملف من الجانب التقني، كمرحلة أولى، ثم التطرق لوضعية العقار الذي أُنجزت عليه السكنات؛ للتمكن من دراسة أكبر قدر من الملفات. أما في ما يخص الأشخاص الذين أنجزوا سكنات فوق أراض فلاحية تابعة للدولة، فإن كانت أرض فلاحية قابلة للتعمير، تتم تسويتها، لأن هناك أراضي تدخل في المخطط العمراني. أما إذا كانت غير قابلة للتعمير وشوّهت المحيط فلا تسوَّى وضعيتها.
ضغط كبير على مصالح التعمير
وبدورها، أحصت بلدية سيدي موسى، حسب ما ذكر رئيس مصلحة التعمير لـ “المساء”، ننوش سليمان، 1800 ملف تم إيداعها منذ سنة 2009 على مستوى المصلحة، التي تعرف ضغطا كبيرا؛ لجهل المواطنين وعدم علمهم بأن التسوية لا تقتصر على البناية فقط، بل تشمل، أيضا، العقار، الذي جعل أغلب الملفات مؤجلة إلى غاية تسويته، فضلا عن رفض العديد من الملفات الخاصة ببنايات أُنجزت فوق أراض فلاحية وتوسعات على حساب أراض فلاحية أيضا.
وهو نفس ما تشهده مصلحة التعمير ببلدية هراوة، حسب ما أشار إلى ذلك نائب رئيس البلدية مكلف بالإدارة والمالية، علي رحاب لـ "المساء"، حيث تم إيداع أكثر من 1000 ملف طلب تسوية، ما خلّف ضغطا كبيرا على عمال المصلحة، الذين يقفون أمام حالات كثيرة يصعب تسوية ملفاتهم، فيما تقع المسؤولية على عاتق البلديات، خاصة أن نسبة كبيرة من الملفات يملك أصحابها قرارات استفادة لا عقود ملكية.
وهي القرارات التي سُلّمت للمواطنين في وقت سابق من قبل البلديات، والتي هي في الأصل عبارة عن أراض فلاحية. فمن بين أهم الانشغالات المطروحة بخصوص تطبيق القانون 15-08، حسب ما لاحظنا في بعض مكاتب التعمير بالبلديات، وجود صعوبات كبيرة في الميدان، تتعلق بالعقار والمباني التي أُنجزت فوق أراض هي في الأصل ملك للدولة، والتي تتطلب عملية تسويتها وقتا طويلا، في حين ترتبط المطابقة بتسوية ملكية العقار.