بعضهم يختفي وراء عبارة "راني صايم"

الفهم الخاطئ لعبادة الصيام يغذّي "النرفزة"

الفهم الخاطئ لعبادة الصيام يغذّي "النرفزة"
  • 112
 رشيدة بلال رشيدة بلال

يربط الكثير من الأطباء القلق أو "النرفزة" التي تصيب بعض الأشخاص في شهر رمضان ببعض العادات السيئة المرتبط إما بإدمان المنبّهات خاصة القهوة أو بسبب التدخين، بينما يرى المختصون في علم النّفس، بأن بعضهم يبرمجون أنفسهم على العدوانية بحجّة الصيام، ولعل العبارة الشائعة "روح راني صايم" بمفهومها السلبي وحدها تكفي، والتي تعد جزء من ثقافة مجتمع يجري تداولها على الألسنة دون الإدراك بأنها تلعب دورا كبيرا في التأثير على نفسية الأفراد وتقودهم إلى برمجة أنفسهم على العدوانية.

يفترض أن شهر رمضان هو شهر العبادة والإكثار من الطاعات والأعمال الخيرية التي تقود كلها إلى تعلّم ضبط النّفس، غير أن ما يحدث في مجتمعنا وخاصة في بعض الأماكن التي يتجمع فيها الناس مثل الأسواق ومحطات ووسائل النقل، وبعض الإدارات أنه بمجرد  أن يقع خطأ أو تقصير من شخص ما يكون بمثابة الشرارة التي ينتظرها الآخر من أجل الدخول في شجارات ومشاحنات تنتهي بفقدان الغاية السامية من الصوم وهي ضبط النّفس، إذ لا يكفي أن يصوم الفرد على الطعام والشراب فقط، بل ينبغي أن تصوم جوارحه أيضا حسب المختصة في علم النّفس الأستاذة أحلام بن عودة، التي قالت في تصريح لـ"المساء" وهي تفسّر الأسباب الحقيقية وراء نرفزة وعصبية بعض الصائمين في رمضان، "بالرجوع إلى التحليل العلمي والنّهج المعتمد في بعض الدول الغربية في علاج تنظيم الانفعالات فإنها تقوم على أربعة نقاط هامة وهي: الأفكار، الانفعالات، السلوك والبيئة التي تولد الانفعال، وبالتالي فإن ما يحدث للبعض عوض التفكير في أن رمضان هو فرض نحييه في جو من الطاعات والعبادات، يتم برمجة العقل على أنه محطة للقلق و النرفزة بسبب الحرمان من بعض العادات الغذائية السيئة".

مضيفة بقولها: "وبالتالي يمنح لنفسه الرخصة لأن ينفعل لأنه ببساطة صائم على الأكل والشرب وعلى بعض العادات السيئة خاصة ما تعلق منها بكوب القهوة والسيجارة ومنه القلق الذي هو تحصيل حاصل يقوده إلى الانفعال الذي يظهر في شكل غضب يوصله لمشاحنات وشجارات"، وحسبها فإن هذا السلوك الانفعالي غير مبرر، وأن التحكّم في النّفس وضبطها ممكن حتى بالنسبة لمن كانوا ضحية بعض العادات الخاطئة بتعزيز الوازع الديني.

وحول بعض المقترحات الكفيلة بمساعدة هذه الفئة على ضبط نفسها، أوضحت المختصة النفسية، بأن أول ما يجب أن يقتنع به هذا النوع من الأشخاص هو تغيير الفكرة التي استقبلوا بها رمضان، من خلال سحب الرخصة السلبية التي منحوها لأنفسهم والتي تختفي في عبارة "راني صايم" ويحاولون استحضار الغاية السامية من الصيام وهي الصبر وتهذيب الجوارح وضبط النّفس قدر المستطاع لتحصيل الأجر كاملا، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يحفّز نرفزتهم ويدخلهم في مشاحنات تؤدي إلى انفعالهم وغضبهم. وتختم المختصة النفسانية بالقول: "إن شهر رمضان من أفضل الشهور لتهذيب النّفس لما فيه من قيم دينية وعبادات وأعمال خيرية وتطوعية، غير أن الثقافة المجتمعية أحيانا تؤثر بشكل سلبي، من أجل هذا حبّذا لو يتم تنظيم أيام تحسيسية في الفضاءات العامة لتعرف  الصائمين حول سبل محاربة السلوكيات الانفعالية التي ربطها الكثيرون بشهر رمضان الذي يفترض أنه شهر ضبط النّفس بلا منازع".

من جهته أرجع الطبيب أبوبكر بلمهدي، ما يصيب الصائم من نرفزة وعصبية في رمضان إلى تغير الساعة البيولوجية التي يجد البعض صعوبة في التأقلم معها، حيث نجد مثلا قلّة النوم سبب في إثارة غضب البعض، لأنه يترجم ذلك النّقص المسجل لديه وحاجته للنوم إلى تعبير عنه بالغضب، يردف المختص: "كذلك افتقاره لبعض العادات السيئة خاصة ما تعلق منها بالتدخين، فالكثيرون يتحكّمون ـ حسبهم ـ في نوبات الغضب بعد تدخين السيجارة، وبالتالي حاجة الجسم إلى جرعة النيكوتين تجعله مهيأ للمشاجرة ويبررها بالصيام".

وحسب الطبيب، فإن شعور البعض بالتعب والإرهاق بسبب حاجة الجسم لبعض المنبّهات تجعله أيضا معرضا لنوبة غضب، وبالتالي كلها عوامل تؤثّر على الجسم ويعبّر عنها في شكل غضب وانفعال، داعيا في السياق إلى ضرورة أن يتم ضبط النّفس بالرجوع إلى الغاية الحقيقية من الصيام وهي العبادة وضبط النّفس والتحكّم في الجوارح، والسعي وراء طلب الأجر وهذا يتطلّب العودة إلى تمتين الوازع الديني