بسبب توهُّم المرض والخوف من الإفطار

المواعيد الطبية في رمضان مؤجَّلة

المواعيد الطبية في رمضان مؤجَّلة
  • 194
رشيدة بلال رشيدة بلال

❊ إقبال مكثف على المصالح الاستشفائية ليلا

تعرف بعض العيادات الطبية والمصالح الاستشفائية خاصة منها مؤسسات الصحة الجوارية، تراجعا في عدد المرضى المقبلين عليها خلال أيام رمضان، فباستثناء بعض الحالات الاستعجالية التي تتطلب الاستشفاء، يختار البعض تأجيل مواعيدهم إلى ما بعد العيد؛ خوفا من الإفطار، ورغبة في التمسك بأداء هذه العبادة على أكمل وجه، فيما يزول الشعور بالمرض في شهر رمضان، حسب بعض المختصين في علم النفس، عن البعض؛ لرغبتهم في أداء هذه الشعيرة الدينية، حيث يبرمج الصائم عقله على الشعور بالتعافي، كل ذلك كي لا يفطر في نهار رمضان، ما يعكس تمسّك الجزائري الكبير بعقيدته الدينية.

إذا كانت بعض النشاطات التجارية تسجل تراجعا في شهر رمضان مثل محلات الأكل السريع التي يختار أصحابها خلال هذه الفترة، تغيير نشاطهم، وتحويل مقراتهم إلى مطاعم للرحمة، أو التفرغ للقيام ببعض الترميمات، فإن العيادات الطبية، هي الأخرى، تسجل تراجعا  في عدد الوافدين عليها من المرضى؛ لعدة أسباب حاولت "المساء" من خلال التواجد في بعض العيادات الطبية، حصرها، فكانت البداية بعيادة طب العيون ببلدية العفرون، حيث أكدت المكلفة باستقبال المرضى، أنها تسجل خلال شهر رمضان، تراجعا في عدد الوافدين عليها خاصة في الأيام الأولى منه.

ويفضل، حسبها، المرضى تأجيل المواعيد إلى ما بعد العيد، ولا يكلفون أنفسهم حتى عناء التنقل إلى العيادة وإنما يقومون بالاتصال فقط؛ لتغيير الموعد، بينما آخرون كانوا سباقين؛ حيث يطلبون تأجيل المواعيد حتى قبل حلول شهر رمضان، مرجعة السبب إلى عدم الرغبة في الانتظار بالقاعة خاصة إن كانوا من كبار السن، أو من الذين يقصدون العيادة من أماكن بعيدة أو من خارج المنطقة، وكذا لارتفاع تكاليف الفحص الطبي، وبالتالي يجدون من الصعب التوفيق بين مصاريف رمضان والفحوصات الطبية، ما يجعلهم يؤجلون مواعيدهم، مؤكدة أن العيادة تستقبل أعدادا قليلة جدا. وفي بعض الأحيان لا يتم استقبال أي مريض.

ويقتصر العمل على الهاتف لتغيير المواعيد فحسب، معلقة: "على الرغم من أن الفحوصات الخاصة بطب العيون غير مفطرة، غير أن الإقبال قليل، وهذا راجع إلى الخمول الذي يصيب الكثيرين، وعدم الرغبة في التواجد لوقت طويل في انتظار الطبيب".

البحث عن العيادات المفتوحة ليلا لتجنّب الإفطار

من جهتها، أوضحت عاملة في عيادة طب الأسنان، أن الطلب على تقويم الأسنان خلال شهر رمضان، يتراجع بشكل كبير، حيث يتم تسجيل بعض الحالات القليلة، مرجعة ذلك إلى الخوف من احتمال الإفطار، خاصة أن عملية تقويم الأسنان تكون داخل الفم، وبالتالي فاحتمال البلع وارد. وحسبها، باستثناء الحالات التي تعاني من ألم  شديد ولا تستطيع التحمل، وحدها  التي تقصد العيادة، أو عندما يتعلق الأمر بتقويم أسنان الأطفال.

أما البقية  فتفضل التحمل إلى ما بعد رمضان، وتأتي طلبا لبعض الأدوية المهدئة التي يمكن تناولها في الليل، لافتة بالمناسبة إلى أن الطبيب تلقّى عدة اقتراحات لممارسة النشاط في الليل ليتسنى للمريض العلاج، إلا أنه رفض، موضحة: "هي خدمة يقوم بها بعض أطباء الأسنان على مستوى بلدية البليدة من الذين يختارون بالنظر إلى قلة الوافدين، تعويض ساعات العمل خلال النهار بالليل، حيث يتم استقبال الحالات المستعجلة".

وإذا كانت هذه حال العيادات الطبية، فيكف هي الحال على مستوى المؤسسات العمومية للصحة الجوارية؟...

وقفت "المساء" من خلال تواجدها بالمؤسسة العمومية للصحة الجوارية  ببلدية موزاية، على التراجع المسجل في عدد المرضى الوافدين على المصلحة. وحسب بعض العاملين في القطاع فباستثناء بعض الحالات الاستعجالية التي يتم استقبالها خلال نهار رمضان، هناك تراجع في حالات الشعور بالمرض على مستوى عدد من المصالح؛ مثل مصلحة الطب الداخلي، وطب الأسنان، وحتى مصالح الأمراض المزمنة، الذين كانوا سباقين إلى أخذ أدويتهم قبل حلول شهر رمضان، مرجعين السبب إلى الرغبة في الحفاظ على صيامهم صحيحا، وإمكانية زيارة المصلحة في الليل إن تطلب الأمر ذلك، وهو ما أكد عليه الدكتور سمير حميد، منسق مصلحة الاستعجالات الطبية بالمؤسسة، الذي قال في معرض حديثه بأن مصالح الصحة الجوارية خلال شهر رمضان، تسجل تراجعا ملحوظا في عدد المرضى المقبلين عليها بمختلف الأمراض، مثل حالات الزكام، مردفا: "لكن، في المقابل، تشهد توافدا كبيرا في الليل؛ فكل من كان لا يشعر بالمرض في نهار رمضان خوفا من أن يفسد  صيامه، نجده يتجول في مختلف المصالح في الليل؛ بحثا على طبيبه؛ إما لأخذ استشارة، أو طلب دواء، أو القيام ببعض الفحوصات".

وحسب المتحدث، فإن الجزائري متمسك جدا بعباداته الدينية، فلا يمكنه التلاعب بأي منها خاصة عندما يتعلق الأمر بالصيام؛ فالخوف من الإفطار يرفع شعوره بأن حالته الصحية أحسن، كل ذلك حتى لا يفطر في رمضان، لا سيما من كبار السن، الذين قال إنهم "يجاهدون أنفسهم لإتمام اليوم، بعدها يترددون على المصالح الجوارية إن تطلّب الأمر ذلك وواجهوا بعض التعقيدات الصحية".

وردّا على سؤال "المساء" حول ما تم تسجيله منذ بداية شهر رمضان على مستوى المصالح الاستعجالية، أوضح المتحدث أنه يتم منذ بداية شهر رمضان، استقبال خلال نهار رمضان بين 70 و80 مريضا على مستوى مصلحة الاستعجالات، فيما يتم تسجيل حالات قليلة على باقي المصالح. أما في الليل فإن العدد يتضاعف؛ حيث تشهد المصلحة استقبال أكثر من 350 مريض، ما يتطلب مضاعفة الطاقم الطبي لرفع وتيرة التكفل بالوافدين، مشيرا إلى أن أغلب الحالات الوافدة هي تلك التي تعاني من مشاكل في المعدة والقولون بسبب الأكل غير المنتظم، والإكثار من بعض الوجبات غير الصحية، إلى جانب حالات لكبار السن من المصابين بالأمراض المزمنة، الذين يتعرضون لبعض نوبات ارتفاع أو انخفاض الضغط الدموي أو السكري. وباستثناء هذه الحالات فإن باقي المصالح تؤجل مواعيدها إلى ما بعد رمضان، مثل مصلحة طب الأسنان التي يخافها المرضى؛ لأنها تقودهم، لا محالة، إلى الإفطار.

.. رمضان يطرد توهُّم المرض

من جهته، فسرّ المختص النفساني محمد ملاك بالمؤسسة العمومية للصحة الجوارية بالعفرون،  في معرض حديثه مع "المساء"، التراجع المسجل على بعض التخصصات الطبية باستثناء الحالات الاستعجالية، التي تسجل فيها مصالح الصحة الجوارية، ارتفاعا  في عدد الوافدين عليها خاصة خلال الفترة الليلية، بما يسمى "الوهم"؛ قال: "نميّز في الأشخاص المصابين بالمرض، بين نوعين؛ هناك، حقيقة، من يصاب بالمرض ويبحث عن الطبيب للعلاج.

ولكن هنالك فئة أخرى تتوهم المرض؛ حيث تبرمج عقلها الباطن على أنها اليوم تشعر بالتعب، وأنها تعاني من آلام مختلفة، وتحسّ بالصداع، أو أوجاع في البطن. وشيئيا فشيا يتحول هذا الشعور إلى حقيقة بفعل البرمجة العقلية، وبالتالي ـ يضيف المختص ـ "هناك بعض الحالات المرضية لديها علاقة مباشرة بالجانب النفسي، سرعان ما تزول إن تغيرت الحالة النفسية".

وحسب المختص، فإن هذه الفئة التي تتوهم المرض هي نفسها الفئة التي تبرمج عقلها خلال شهر رمضان، على إبعاد الشعور مطلقا بالمرض، حيث تقنع نفسها بأن هذا الشهر يأتي مرة واحدة في السنة، وأن صوم رمضان من العبادات العظيمة؛ من أجل هذا يبذل الكثيرون جهدا لصيامه، وإبعاد كل مؤشرات المرض؛ اجتهادا منهم في أداء هذه الفريضة على أكمل وجه، ما يجعل المختصين نفسانيين، حسب المتحدث، يعتقدون أن بعض الحالات المرضية مرجعها نفسي أكثر منه عضوي. ولعل أبسط مثال على ذلك أن "الكثيرين يشتكون من عدم قدرتهم على أداء الصلاة في وضعية الوقوف، ويستعملون الكرسي في المساجد، ولكن في شهر رمضان يستغنون عنه؛ لأنهم يبرمجون عقلهم على أنهم غير مرضى، وأن في إمكانهم القيام بعدة  نشاطات، وكذا التحمل. ولعل هذا، أيضا، ما يفسر التراجع المسجل على بعض المصالح الاستشفائية، التي تظهر من خلال تأجيل المواعيد إلى ما بعد العيد؛ لكونهم أعطوا انطباعا لأنفسهم بأنهم غير مرضى".

وعلى صعيد آخر، أوضح المختص النفسي أن شهر رمضان يلعب دورا كبيرا في تغير الحالة الصحية لبعض الأشخاص، لذا تسمع العبارة الشائعة التي تتردد وهي: "عندما أصوم أجد  نفسي أحسن". ومن هنا تظهر، حسب المختص، "أهمية البرمجة العقلية التي تؤثر على الجانب النفسي والعضوي، والتي تجعل الكثيرين لا يشعرون بالمرض خلال رمضان؛ تعظيما لهذه الفريضة".