فضائل ليلة القدر

فضائل ليلة القدر
  • 1547

امتازت ليلة القدر دون غيرها من ليالي شهر رمضان بالعديد من الفضائل، أهمّها: أن الله تعالى فضّل هذه الليلة بأن أنزل القرآن الكريم فيها، وهو الأمر الوارد في القرآن الكريم نفسه حين قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ). [البقرة، آية: 185] .

عدم قدرة العقل البشري على إدراك أهميّة ليلة القدر واحدة من مميّزاتها، فيعلم المسلم أنها ليلة قديرة يتضاعف فيها الأجر والثواب وتُغفر الخطايا، إلا أنّ القدر الصحيح لهذه الليلة يعجز عن وصفه المسلم، وهو لما ورد في كتاب الله العزيز إذ قال: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ)،[ القدر، آية:2].

وقال الرّازي رحمه الله في هذه الآية: (يعني ولم تبلغ درايتك غاية فضلها، ومنتهى علو قدرها). تفوق هذه الليلة بأهميّتها على ألف شهر، فيرتفع فضلها ويعلو شأنها، ويتضاعف الأجر فيها بما يزيد على الألف شهر، وهو ما ورد في القرآن الكريم حين قال تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ).[القدر، آية:3].

تتنزّل الملائكة في هذه الليلة لتحفّ المسلمين، قال تعالى في القرآن الكريم: (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)،[ القدر، آية:4]، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (أي يكثر تنزّل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزّلون مع تنزّل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذّكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيماً له، وأما الرّوح فقيل المراد به ها هنا جبريل عليه السّلام ، فيكون من باب عطف الخاص على العام).

تخلو هذه الليلة من الشرور، فيعمّ السلام والطمأنينة والرّاحة، وهي كما ورد في الآية الكريمة: (سَلامٌ هِيَ حتى  مطلع  الفَجْرِ)،[ القدر، آية:5].

لماذا سميت ليلة القدر؟

تعدّدت آراء العلماء حول سبب تسمية ليلة القدر بهذا الاسم، إلا أن الغالب هي خمسة آراء، إلا أن الجدير بالذكر أنّه لا يُشترط أن يكون سبب تسمية هذه الليلة واحدة من هذه الآراء، فقد يكون بسببها كلّها، أو بعض منها، وهذه الآراء هي كالآتي:

نزل في هذه الليلة كتاب قدير، يحمله مَلَك قدير إلى رسول قدير، لأمّة ذات قدر عظيم. قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ).[ القدر، آية: 1].

القدر لغويّاً هو الضيق، بالاستناد إلى الآية الكريمة: (وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ)،[ الطلاق، آية: 7] فتقيض هذه الليلة بسبب عدد الملائكة الهائل النازلين من السماء ليحفّوا المسلمين في قيامهم وتهجّدهم لهذه الليلة العظيمة.

القدر يعني التعظيم، وهو بالاستناد إلى ما ورد في الآية الكريمة من القرآن الكريم: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ).[ الزمر، آية: 67].

ليلة القدر تعني التقدير، ففيها يُكتب قدر كل الناس بغض النظر عن مكانتهم ومستواهم، من مطر ورزق وحياة ومماة، وغيرها، قال تعالى في كتابه العزيز: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ).[الدخان، آية: 3-4].

في ليلة القدر يكثر عمل المسلم، فيصير ذا قدر ومكانة عالية عند الله تعالى.

وقت ليلة القدر

تحتل ليلة القدر مكانة عظيمة، في شهر رمضان المبارك، فهي الليلة التي نزل فيها القرآن، وهو الأمر الظاهر في الآية الكريمة: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)،[ البقرة، آية: 185].

أمّا وقتها تحديداً فهي إحدى ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان، لما ورد في الحديث الشريف عن الرّسول عليه السّلام: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يجاور في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ، ويقول: تَحَرَّوْا ليلة القدرِ في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ)،[رواه البخاري]. وفي الحديث الشريف: (التمِسوها في العشرِ الأواخِرِ - يعْنِي ليلَةَ القدْرِ- فإِنَّ ضَعُفَ أحدُكم أوْ عَجَزَ، فلا يُغْلَبَنَّ علَى السبْعِ البواقِي).[ رواه مسلم].

أما عن سبب جهل وقتها، فالله صاحب الحكمة من هذا الأمر، فلو ألمّ المسلمون وقت ليلة القدر تحديداً لخفّت عزائمهم طوال شهر رمضان، واقتصر جهدهم وقيامهم بإحياء هذه الليلة، وعليه، فإنّ إخفاء وقتها تحديداً يُعتبر حافزاً مُشجّعاً لقيام الليل والمداومة على العمل الصالح طوال الشهر كله، ومن ثمّ مضاعفة هذا العمل في الليالي العشر الأواخر، وبهذا يعود الخير على المسلمين أفراداً وجماعات. ونرى الأمر يتكرّر بإخفاء وقت ليلة القدر، كما هو الأمر في ساعة الاستجابة يوم الجمعة.

أحاديث عن ليلة القدر

من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن الرّسول عليه السّلام في سنّته الشريفة حول ليلة القدر ما يأتي: (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ذكَرْنا ليلةَ القدرِ عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كم مضى مِن الشَّهرِ؟ فقُلْنا: مضى اثنانِ وعشرونَ يومًا وبقي ثمانٍ. فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا بل مضى اثنانِ وعشرونَ يومًا وبقي سَبْعٌ الشَّهرُ تسعٌ وعشرونَ يومًا فالتمِسوها اللَّيلةَ).[ رواه ابن حبان].

أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان يعتكفُ العشرَ الأواخرَ من رمضانَ. قال نافعٌ: وقد أراني عبد الله رضيَ اللهُ عنهُ المكانَ الذي كان يعتكفُ فيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من المسجدِ).[ رواه مسلم].

دخلَ رمضانُ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: إنَّ هذا الشَّهرَ قَد حضرَكُم وفيهِ ليلةٌ خيرٌ مِن ألفِ شَهْر، من حُرِمَها فقد حُرِمَ الخيرَ كُلَّهُ، ولا يُحرَمُ خيرَها إلَّا محرومٌ. [رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه].