قدوة العابد في شهر رمضان

قدوة العابد في شهر رمضان
  • 1957

انتقل العلامة نجم التسبيح، الشيخ عمر أبو حفص الزموري، إلى الرفيق الأعلى في العاشر من شهر ماي 1990، وها هي ذكرى وفاته الثلاثون تتزامن مع الحدث الخالد، غزوة الفرقان بدر الكبرى، كما تأتي بعد الذكرى 75 لمجازر 8 ماي 1945، وقبيل الذكرى العطرة لفتح مكة المكرمة.

وكان إحياء هذه التظاهرة الدينية والثقافية يتم على مدار ثلاثة عقود عبر مختلف جهات الوطن المفدى، من أجل التعريف بعمر أبي حفص الذي لا يعد من أعلام الجزائر فحسب، بل تجاوزت شهرته العالم الإسلامي، لتصل مؤلفاته المباركة إلى القارات الخمس بما فيها أستراليا.

وتُعتبر جريدة "المساء" من المنابر الإعلامية الوطنية التي واكبت مسيرة هذا العالم الفذ، لتغطيتها مجريات الاحتفاء به.

ورغم الوضع الاستثنائي المتميز بانتشار وباء "كورونا" في شتى أنواع المعمورة، فإن إحياء مثل هذه الذكرى المميزة يعتبر تكريما لهذا الولي الصالح، الذي بذكره وبذكر نظرائه من الأولياء تتنزل الرحمات، وتعم البركات ويستمطر رفع الغمة عن الأمة.

وقد اقترنت هذه الذكرى الثلاثين لوفاته بصدور الكتاب الرابع عنه من تأليف الأستاذ بلقاسم آيت حمو بعنوان "العلامة الشيخ عمر أبوحفص الزموري" (1913- 1990)، في 200 صفحة من القطع المتوسط، ليضاف إلى مختلف مؤلفاته المطبوعة.

ولعل من المستحسن تخصيص وقفة مع هذا المصنف في قادم الأيام، والاكتفاء بهذه المناسبة التي صادفت شهر رمضان المعظم واجتمعت إلى المناسبات الخالدة التي سجلها الإسلام فيه، بتقديم نبذة مقتضبة عن الحياة العامرة بالآثار والمآثر لهذا الشريف المتصل نسبه بسيدنا الحسين بن علي وفاطمة الزهراء ياقوتة الأنام بضعة الحبيب المصطفى عليه وآله أفضل الصلاة وأزكى السلام، والذي "أولى مجمل قواعد الإسلام عناية خاصة، فضلا عن مصنفاته ورسائله في مختلف علوم اللغة العربية، والعلوم الدينية والتصوف..".

ومن هذه القواعد شعيرة الصيام وفقهه وفضله وحرمته والآداب الواجب التزامها فيه، بالإضافة إلى ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، والقرآن المنزل فيها. وفي هذا المعنى يورد الكاتب مخاطبة الشيخ للصائمين، التي قال فيها: "إن الله يجزل العطاء للصائم الذي يرعى آدابه، ويحافط على حدوده، ويطهر قلبه، ويغذي روحه بتلاوة القرآن المجيد، ويعصم جوارحه عن ارتكاب الآثام، فالصيام خيانتها أن تذل نفسك بالمعاصي وأنت صائم، فتعرضها للعقاب الشديد.

أيها الصائمون، لو تعلمون أنكم في صيامكم تتشبهون بملائكة الرحمن، وتترفعون بأرواحكم إلى مدارج الرضوان، لوددتم أن يكون الزمان كله رمضان".

مثل هذه التوجيهات السديدة الكثيرة لم تكن في حياة الشيخ عمر أبي حفص "مجرد أقوال، بل هي انعكاس لما التزم به، وألزم به نفسه في حياته اليومية، ليس في شهر رمضان فحسب، بل على مدار السنة"، امتثالا لقول المولى عز وجل في سورة التوبة: "يا أيها الذِين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادِقِين". [الآية:119]

فقد كان الشيخ يستعد لاستقبال شهر رمضان استعدادا منقطع النظير؛ اقتداء بقوله عليه الصلاة والسلام: "من فرح بدخول رمضان حرم الله جسده على النار". وكان يعمر نهاراته ولياليه في رمضان بأصناف من الطاعات وألوان من العبادات بمسجد سيدي رمضان بحي القصبة العتيق بالجزائر المحروسة، حيث "كان يؤم المسجد قبل الفجر، ويظل معتكفا فيه مؤديا الصلوات المفروضة، ومنفلا إلى غاية أذان المغرب؛ حيث يصلي بالناس، ويبقى في المسجد بعد انصرافهم يصلي ما شاء الله أن يصلي من ركعات، ثم يقصد بيته ليتناول قليلا من الطعام ويعود بعده لمواصلة العبادة..".