«المساء» تقف على جهود الحكومة في تهيئة الساحل والحفاظ على موارده البيولوجية

بيئة سليمة من أجل تنمية مستديمة ورفاه عمومي

بيئة سليمة من أجل تنمية مستديمة ورفاه عمومي
  • القراءات: 4779

الساحل الجزائري غني من حيث التنوع البيولوجي وهو يشكل دعامة اقتصادية قوية

جهود حماية الساحل كبيرة وهي بحاجة إلى رفع درجة التنسيق بين الفاعلين في القطاع

قوانين البيئة في الجزائر متقدمة جدا وثرية مقارنة بالدول العربية

الجزائر الأولى في جنوب المتوسط التي تبنت نشاط الصيد البحري السياحي

غداة العشرية السوداء وما خلفته من خراب ودمار أطلقت الجزائر المخطط الوطني التطبيقي للبيئة والتنمية المستديمة؛ كتحدّ كبير رفعته الحكومة من أجل الحفاظ على البيئة وحمايتها من كل المخاطر التي كانت تواجهها، خاصة فيما تعلق بالحفاظ على الموارد البيولوجية والجينية.

وارتكزت هذه الاستراتيجية على تقرير البيئة الذي أعدته آنذاك وزارة البيئة وتهيئة الإقليم عام 2000، والذي أوصى بضرورة حماية الساحل من الخروقات وتطهيره من النفايات، وتهيئته من خلال خلق فضاءات خضراء ومساحات ترفيهية للعائلات تعود عليها بالرفاه والسعادة الاجتماعية.

وقد حظي الساحل الجزائري ومياهه بأهمية كبيرة ضمن هذه الاستراتيجية الوطنية للبيئة وذلك لرفع الخناق عنه، حيث كان يخضع منذ سنوات لضغوطات كبيرة غير مسبوقة نتيجة تعرضه المستمر لمختلف أشكال التلوث الصناعي والمنزلي والتوسع العمراني العشوائي والصيد الجائر، فضلا عن تأثره سلبا بالعوامل الطبيعية كالتغيرات المناخية والأنواع الغازية. كل هذه العوامل جعلت الساحل الجزائري في حالة هشة، وقد عرّضت موارده البيولوجية إلى خطر مستمر، كما أن فقدان بعضها قد يكون، حسب الكثير من الدراسات العلمية، لا رجعة فيه، وهو ما جعل وزارة البيئة وتهيئة الإقليم آنذاك تضع ملف الساحل الجزائري في الدرجة الثانية من الأولويات بعد ملف النفايات التي يجب أن تحظى بالعناية الكبيرة.

وبالإضافة إلى ذلك فإن الساحل الجزائري يقع فيما يُعرف بأكثر المناطق حساسية في العالم، وفي نفس الوقت، الأكثر ثراء من حيث التنوع البيولوجي، فبالرغم من أن البحر الأبيض المتوسط يُعتبر بحرا مغلقا وهو من أكثر البحار تلوثا في العالم، إلا أن مياهه التي تشكل ما قيمته 1 بالمائة من إجمالي المساحة المائية في العالم نجد بها قرابة 10 بالمائة من الأنواع البيولوجية في العالم.

يقول الدكتور في علم الاقتصاد بجامعة جيجل سعيد شوقي شاقور الذي يعمل كمستشار لدى برنامج الأمم المتحدة للتنمية: «إذا عملنا على حماية البيئة وضمان سلامتها فهذا يعني أننا نحافظ على الوجود الإنساني وتحقيق سعادة الفرد والمجتمع؛ فمن دون البيئة ومواردها لا يمكن للعنصر البشري أن يستمر، والجزائر عملت كثيرا ولازالت في هذا المجال، وهي بحاجة اليوم إلى توحيد جهود كل الأطراف الفاعلة وتسريع خطواتها لبلوغ الأهداف المسطرة ضمن التنمية المستدامة». وأضاف الدكتور يقول بأن «التوجه العالمي الجديد في مجال البحوث العلمية والبيئة يعكف على دراسة ما يسمى اقتصاد الموارد الطبيعية والبيئة وكيفية الاستثمار في رأس المال الطبيعي، بطرق جديدة تختلف عن تلك المعروفة في مجال الاستثمار الاقتصادي والصناعي بشكل عام».

انفجار في القوانين واستحداث هيئات لحماية البيئة

إلى غاية 2002 كان تسيير البيئة في الجزائر يخضع لتشريع واحد هو قانون البيئة الصادر عام 1983، وباعتلاء فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة سدة الحكم، كان مطلبه الأول هو خلق إطار قانوني شامل يتماشى مع التوجهات العالمية الجديدة المعمول بها في مجال حماية البيئة، لتحقيق التنمية المستدامة والتكيف مع المعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر والتي تتجاوز العشرين اتفاقية دولية وإقليمية.

وقد عرفت بداية الألفية الثالثة صدور ترسانة من القوانين والمراسيم التنفيذية في انفجار قانوني غير مسبوق، وذلك كله مقابل استحداث العديد من الهيئات التي تعنى بحماية البيئة.

وقد عرفت سنة 2002 لوحدها إنشاء ست هيئات تعنى بالبيئة، والبداية كانت باستحداث المرصد الوطني للبيئة والتنمية المستديمة في شهر أفريل، والذي تم إنشاؤه خصيصا للقيام ببحوث علمية للإجابة على الكثير من التساؤلات حول تنامي التأثير السلبي للإنسان والنشاط الصناعي على البيئة.

بعدها وفي شهر ماي من نفس السنة، تم استحداث الوكالة الوطنية للنفايات التي تعنى بتسيير النفايات المنزلية والصناعية ومعالجتها بالطرق العلمية التي تهدف إلى الحفاظ على البيئة.

وفي أوت 2002، تم إنشاء المركز الوطني للتكنولوجيا النظيفة، وهو نفس الشهر الذي عرف إنشاء المرصد الوطني للتكوين البيئي الذي يهدف أساسا إلى نشر الثقافة البيئية وتوعية مختلف شرائح المجتمع بضرورة الحفاظ على البيئة، وخاصة في أوساط المتمدرسين.

وقبل نهاية سنة 2002، تم إنشاء المركز الوطني لتطوير الموارد البيولوجية، الذي أوكلت له مهام جرد الأنواع البيولوجية وإعداد الاستراتيجيات للحفاظ عليها وعلى الأنظمة الإيكولوجية.

وفي أفريل 2004 تم استحداث المحافظة الوطنية للساحل، وهي الهيئة التي تعنى بالمحافظة على الساحل، وتعيين المناطق الساحلية ذات الأهمية الإيكولوجية من أجل تثمينها ووضعها تحت الحماية القانونية.

أما بالنسبة للأطر القانونية فقد عرف قطاع البيئة في الجزائر، إصدار عدة قوانين ومراسيم تنفيذية، أهمها قانون حماية البيئة الصادر عام 2003، وقانون حماية الساحل وتثمينه الصادر عام 2002، وقانون المحميات الطبيعية الصادر عام 2011 وغيرها من القوانين. كما اهتم المشرع الجزائري بمجال تمويل المشاريع البيئية، حيث أحدث منذ 2001، حوالي 11 ضريبة تم فرضها على الصناعيين والمتسببين في كل أشكال التلوث، وهي الأموال التي يتم بها تمويل الصندوق الوطني للبيئة ومحاربة التلوث والصندوق الوطني للساحل، هذان الصندوقان تم دمجهما بموجب قانون المالية 2017 في صندوق واحد، هو الصندوق الوطني للبيئة الذي صدر يوم 3 جوان المنصرم مرسومه التنفيذي المحدد لكيفية تسييره.

هذه القوانين تم تتويجها في دستور 2016 وذلك لأول مرة بمادتين في مجال البيئة، الأولى تكرس من خلالها حق المواطن في بيئة صحية، وهي المادة 18 والمادة 19 التي تؤكد على حق الأجيال القادمة في الموارد المائية.

يقول الدكتور عزوز كردون لـ «المساء» ـ وهو أستاذ محاضر في قانون البيئة بجامعة قسنطينة ـ بأن الإطار التنظيمي والتشريعي في الجزائر ثري وكامل، وهو بحاجة إلى تطبيقه كاملا على أرض الواقع.

من جهتها، صرحت فدوى دليلة، مساعدة مدير مشروع التنوع البيولوجي لبرنامج شركة (GIZ) الألمانية التي تُعتبر شريكا فعالا مع الحكومة الجزائرية في مشاريعها الميدانية لحماية البيئة والتي استقبلتنا بمكتبها، صرحت بأن الجزائر لها قوانين بيئية متقدمة جدا مقارنة بدول المنطقة، وهي تحتاج اليوم إلى كسب معارف وتقنيات لتطبيق هذه القوانين وتجسيدها في الميدان.

الساحل الجزائري دعامة اقتصاد المستقبل

على امتداد 1622 كلم يزخر الساحل الجزائري بتنوع بيولوجي وثروة طبيعية من ذهب؛ مناظر خلابة وشواطئ ساحرة تتخللها مناطق أثرية تاريخية تحكي قصص مختلف الحضارات التي مرت من هناك، فمن الحضارة الرومانية والنوميدية، ثم الفنيقية، فالإسلامية نجد بالساحل الجزائري حوالي 150 موقعا أثريا؛ أي ما يعادل نصف عدد المواقع الأثرية على المستوى الوطني، وهو ما يؤهله مع ثراء تنوعه البيولوجي وسحر طبيعته، لتطوير اقتصاد سياحي قوي يرتكز على تنمية مستدامة.

لكن المشكل أن الساحل الجزائري يعرف ارتفاعا كبيرا في الكثافة السكانية؛ إذ نجد به حوالي الثلثين من التعداد العام للسكان. كما أن التوسع العمراني الذي حدث بطرق فوضوية على حساب العقار الفلاحي، كان سببا في تدهور بيئته وفقدان الكثير من تنوعه البيولوجي.

وفضلا عن هذا التمركز الرهيب للسكان، تستقطب سواحل الجزائر في الفترة الصيفية عددا هائلا من المصطافين؛ حيث قدّرتهم مصالح الحماية المدنية العام المنصرم، بحوالي 111 مليون مصطاف زاروا مختلف الشواطئ عبر 14ولايةساحلية،خلّفواوراءهمأطنانامنالنفايات.

وبالإضافة إلى كل ذلك يتميز الشريط الساحلي للجزائر بتمركز كبير للنشاط الصناعي، حيث توجد حوالي 5200 وحدة صناعية، وهو ما يشكل نسبة 50 بالمائة من الوحدات الصناعية المترامية عبر مختلف مناطق الوطن، منها 60 وحدة تشكل خطرا كبيرا، حسب تقديرات وزارة البيئة.

ومنبينالمشاكلالكبيرةالتيتواجههاأيضاالبيئةالساحليةفيالجزائر،تلوثالوديانبالنفاياتالصناعيةوالمنزلية،حيثيعمدالكثيرمنالصناعيينإلىرمينفاياتورشاتهمفيالوديان،كماهوشأنبحيرةالرغاية،التيتواجهمنذسنواتطويلةكارثةإيكولوجيةكبيرةبسببالنفاياتالصناعيةالتيقضتعلىالكثيرمنالحياةالنباتيةوالسمكيةبها.

ويوجد بالعاصمة لوحدها حوالي 100 واد كلها ملوثة، وهو ما وقفنا عليه خلال الخرجات الميدانية التي قمنا بها إلى الكثير منها.

وبصفة عامة، فإن المشاكل البيئية التي يواجهها الساحل الجزائري ومياهه هي تقريبا نفسها الموجودة في دول جنوب البحر الأبيض المتوسط، والتي تم حصرها، حسب الدليل الصحفي الذي أصدره الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة مطلع عام 2017، بالتعاون مع وكالات أنباء حوض المتوسط في جانبين؛ الجانب الأول والمتمثل في المؤثرات والملوثات التي تأتي من الأراضي كمياه الصرف الصحي والنفايات الصناعية والبلاستيكية، والجانب الثاني والمتمثل في الملوثات والمؤثرات التي مصدرها البحر؛ كارتفاع درجة حموضة المياه والأنواع الغازية من الأسماك والتغيرات المناخية.

وحسب هذا الدليل، تواجه البيئة البحرية المتوسطية مخاطر كبيرة ناجمة أساسا عن كثرة النفايات البلاستيكية، التي قدرتها إحدى الدراسات الإيطالية التي أجريت عام 2015، بحوالي 3000طن.

وتُعتبر التغيرات المناخية وارتفاع درجة حموضة مياه المتوسط بسبب ارتفاع انبعاثات غاز الكربون، من بين المشاكل التي تساهم في فقدان التنوع البيولوجي في مياه المتوسط؛ لأنها من بين الأسباب الرئيسة في تخريب الأنظمة الإيكولوجية، وهي تدفع الكثير من أسماك جنوب المتوسط إلى الهجرة نحو الشمال؛ بحثا عن بيئة أقل حرارة.

وفي هذا الشأن قال بلعبدي صالح، مهندس في مجال البيئة بالوكالة الوطنية للتغيرات المناخية الذي استقبلنا بمكتبه: «ظاهرة التغيرات المناخية عالمية، وقد أصبحت مشكلة كل الدول. ومن مظاهرها البارزة ارتفاع نسبة المياه بمعدل ملم واحد أو اثنين كل عام. وقد سجل العالم ارتفاعا في منسوب المياه بنسبة 20 سنتم خلال قرن من الزمن، وقد يصل المنسوب إلى حوالي 88 سنتم أو أكثر بحلول عام 2100.

هذه الظاهرة سيكون لها تأثير سلبي على الحياة البحرية؛ لأنها ستقضي على الأنظمة الإيكولوجية في قاع البحار، «وهذا يستدعي منا مواجهة هذه الظاهرة من خلال اتخاذ كل التدابير الكفيلة بالتأقلم معها».

كما تشكل الأسماك الغازية المهاجرة خصوصا من البحر الأحمر عبر قناة السويس، مشكلا عويصا لعلماء البيئة؛ لأنها تتسبب في ضياع الكثير من الموائل البحرية. وقد تفاقم هذا المشكل بعد توسيع قناة السويس عام 2015.

وقد أحصت دراسة أجراها مركز بحث علمي بريطاني في مياه المتوسط عام 2014، وجود حوالي 1000 نوع بحري غازي يسبح في مياه المتوسط.

في الجزائر، يحصي المركز الوطني لتطوير الموارد البيولوجية، حوالي 50 نوعا بحريا غازيا، من بينها سمك الناي الذي ظهر بمياه الجزائر لأول مرة عام 2008بالقربمنشواطئسكيكدةوبواسماعيل،وهوسمكمدمرللأنظمةالإيكولوجية،وهوغيرتجاري.

كما عرفت الشواطئ الشرقية لبلادنا اجتياح سمك القراض السام الذي يُعرف لدى المواطنين بسمك الأرنب، والذي ظهر لأول مرة عام 2012، وهو نوع غازي غريب على منطقة المتوسط.

وقد بذلت الجزائر جهودا كبيرة ومتواصلة لحماية سواحلها من الخروقات والحفاظ على التنوع البيولوجي؛ حيث تم تدمير الكثير من البنايات غير الشرعية التي شيدت بالقرب من الساحل. كما قامت بإزالة الكثير من البيوت القصديرية التي شيدها أصحابها بالقرب من الشواطئ أو على ضفاف الوديان، على غرار حي الباخرة المحطمة ببرج الكيفان وواد الحميز بالدار البيضاء وغيرهما من المناطق الساحلية التي كانت تؤذي البيئة الساحلية.

أما المشروع الكبير الذي عملت عليه الحكومة منذ سنوات طويلة فهو تطهير المياه المنزلية المستعملة التي تنتهي في البحر؛ من خلال إنشاء محطات التصفية؛ حيث ارتفعت قدرات الجزائر في يومنا هذا ست مرات مقارنة بعام 2005 بعد إنشاء حوالي 177 محطة عبر مختلف الولايات الساحلية، وسيصل الرقم بحلول عام 2020 إلى 270 محطة تصفية.

كما تعمل الوزارة الوصية على تطوير شبكة الصرف الصحي، خاصة في المدن الحضرية وقد تمكنت من مضاعفة طول هذه الشبكات من 21 ألف كلم عام 1999 إلى 42 ألف كلم عام 2016، هذا المجهود ساهم في تقليل خطر الإصابة بالأمراض المتنقلة عن طريق المياه، وتقليص نسبة تلوث الوديان باعتبار أن الكثير من المجمعات السكانية الفوضوية تصرف مياهها المستعملة فيها.

نقص التنسيق يضعف جهود المحافظة  على البيئة والتنوع البيولوجي

بمساحتها الشاسعة وتعدد مناخاتها تعتبرالجزائرمن بين الدول التي لديها تنوع بيولوجي كبير.وبالرغم من أن ذلك يُعتبر ثراء بيئيا إلا أن الحفاظ عليه وحمايته يعتبر مقابل ذلك تحديا كبيرا بالنظر إلى حجم الإمكانيات المادية والبشرية التي يجب توفيرها.

والحفاظ على التنوع البيولوجي هو الأساس لتحقيق تنمية مستديمة وضمان سعادة ورفاهية المجتمع، وهو المبدأ الذي ركزت عليه منظمة اليونسكو في تقريرها الأخير حول التنوع البيولوجي الصادر في فيفري 2017؛ حيث أكد خبراؤها أن الحفاظ على التنوع البيولوجي هو حفاظ للوجود الإنساني وسعادته ولكن العكس صحيح؛ فإهدار هذا التنوع واستغلاله بصورة غير عقلانية سيساهم في تفقير المجتمعات وانتشار الأمراض والأوبئة.

وجاء تقرير منظمة اليونيسكو في جزءين، اختارت له شعارا من مآثر الرسام الإيطالي»ليوناردو دي فانشي»: «اِذهب لتأخذ دروسك في الطبيعة؛ فهناك يكمن مستقبل الإنسانية».

وتعتبر الجزائر من بين الدول التي عملت كثيرا في مجال حماية تنوعها البيولوجي والجيني، وفق ما تنص عليه الاتفاقية الدولية للتنوع البيولوجي التي صادقت عليها عام 1995 واتفاقية برشلونة لعام 1975؛ حيث قامت بتوسيع مساحة المحميات الطبيعية، وإنشاء محميات جديدة برية وبحرية، ومحاربة تهريب الأنواع المهددة بالانقراض.

وفي هذا السياق وتنفيذا لتوصيات أمانة الاتفاقية الدولية للتنوع البيولوجي، أطلقت الحكومة الجزائرية في أكتوبر من عام 2016، استراتيجية وخطة العمل الوطنية الثانية للتنوع البيولوجي SPANB التي ستمتد إلى غاية 2030، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وقد تخللتهما الإستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي التي تم إطلاقها عام 2011 لبلوغ أهداف أيشي العشرين، وذلك بحلول عام 2020.

ومن بين الأهداف البارزة التي جاءت في التقرير الخاص بالاستراتيجية وخطة العمل الوطنية الثانية للتنوع البيولوجي، إنشاء مرصد وطني للتنوع البيولوجي، وتوسيع مساحات المحميات الطبيعية والبحرية، وإنشاء صندوق وطني للتنوع البيولوجي هدفه ضمان تمويل مادي مناسب للبحوث العلمية في هذا المجال.

لكن هذه الاستراتيجية التي جاءت في تقرير طويل من 158 صفحة، تبقى موسومة بنقطة استفهام كبيرة، لأن تطبيقها على أرض الواقع سيواجه، من دون شك، عراقيل بسبب غياب التنسيق بين مختلف الفاعلين في قطاع البيئة، وذلك يتجلى بوضوح من خلال عدم إشراك بعض الهيئات الحكومية التي لا يمكن الاستغناء عنها في إعداد استراتيجيات الحفاظ على التنوع البيولوجي وتطبيقها، ويتعلق الأمر بالمركز الوطني لتطوير التنوع البيولوجي؛ حيث تم تغييب إطارات هذا المركز لأسباب تبقى غير واضحة، وهو ما أكدته مديرة المركز يمينة مزيان، التي قالت في حديث مع «المساء» بمكتبها: «بصراحة لم يتم إشراكنا في إعداد هذه الاستراتيجية. أنا لست أفهم لماذا، وذلك بالرغم من أن مركز تطوير الموارد البيولوجية هو حجر الأساس الذي تنطلق منه الوزارة في إعداد التقارير والاستراتيجيات».

والهفوة الكبيرة التي وقع فيها معدّو هذه الاستراتيجية التي تم إرسالها إلى أمانة الاتفاقية الدولية حول التنوع البيولوجي، هي اعتمادهم على أرقام قديمة فيما يخص عدد الأصناف البيولوجية في الجزائر. ففي الوقت الذي يؤكد التقرير وجود حوالي 16000 صنف كان المركز الوطني لتطوير الموارد البيولوجية قد أعلن في نشريته الصادرة في أفريل 2016 أي ستة أشهر قبل صدور الاستراتيجية سالفة الذكر، عن وجود 24309 أصناف، وهو اليوم يحصي حوالي 27458 صنفا، حسبما أكدت لـ «المساء» السيدة يمينة مزيان.

حماية الأنواع البيولوجية عملية صعبة ومعقدة وتتطلب تضافر جهود كل الفاعلين في القطاع بما في ذلك جمعيات المجتمع المدني، وهو ما أكده الخبير في التنوع البيولوجي السيد عبد الرحمان بن خليفة الذي يشغل منصب مستشار في المركز الوطني لتطوير الموارد البيولوجية، حيث قال بأن غياب التنسيق يعرقل سيرنا نحو بلوغ الأهداف المسطرة؛ «من المهام الأساسية لمركزنا إحصاء الأنواع الموجودة. نحن نتوقع بلوغ 35 ألف صنف في القريب العاجل، وذلك في حالة تمكننا من استكشاف بعض العوالم التي لم نقم بجردها بعد، كعالمي الفراشات والنمل، وقد نصل إلى 50 ألف صنف، لكن غياب التنسيق وقلة الدعم المعنوي يضعف جهودنا».

والتنوع البيولوجي البحري في الجزائر يمر بفترة حساسة جدا بسبب تلوث مياه الساحل، وهو يستدعي في الوقت الراهن عناية خاصة، كما أكدت لـ «المساء»المهندسة المختصة في البيئةالبحرية بالمركز الوطني لتطوير التنوع البيولوجي هدى مدني،التي قالت بأنال عديد من الأسماك معرضة للانقراض على غرارالقرش الأبيض ومختلف أصناف الدلافين، وأن الحكومة مطالَبة بتسطير برنامج قوي لحمايتها.

المحميات البحرية للحفاظ  على التنوع البيولوجي

تُعتبرالمحميات البحرية وسائل فعالة للحفاظ على التنوع البيولوجي، وقد أثبتت من سنة إلى أخرى فعالياتها في حماية البيئة البحرية ودعم المجتمعات المحلية التي تعتمد على الموائل البحرية.

وتعمل الجزائر منذ نهاية العشرية المنصرمة على تصميم مجموعة من المحميات البحرية على طول الخط الساحلي، وتزامن ذلك مع صدور القانون الخاص بالمحميات البحرية عام 2011، وهي مهمة ليست بالسهلة بتاتا مقارنة بالمحميات الطبيعية البرية، فهي تتطلب أولا الكثير من المعارف حول الحياة البحرية كمنطلق أساس لتحديد المناطق الغنية بالتنوع البيولوجي، وهي المعارف التي لازالت المؤسسات العلمية والبحثية في بلادنا تفتقد إلى الكثير منها في الوقت الراهن رغم الجهود الكبيرة والمتواصلة التي تُبذل من أجل توفير قاعدة بيانات ومعطيات شاملة حول التنوع البيولوجي البحري.

وحسب التقريرالذي أصدرته منظمة اليونيسكومطلع هذا العام حول حالة علوم المحيطات في العالم، فإن الجزائر تشكونقصا في عددالباحثين العلميين في علم البحاروالمحيطات.

وبالتنسيق مع شبكة مديري المحميات البحرية في جنوب البحر المتوسط، تسعى المحافظة الوطنية للساحل بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة والاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، إلى بلوغ أهداف اتفاقية «أيشي» التي صادقت عليها الجزائر عام 2011 والتي تنص في بندها 11، على ضرورة بلوغ بحلول عام 2020، ما نسبته 10 بالمائة من المحميات البحرية.

ولتحقيق هذا الهدف سطرت الحكومة برنامجا طموحا، فبالإضافة إلى محمية جزر حبيباس، خططت الوزارة الوصية بالتعاون مع المحافظة الوطنية للساحل والمحافظة الوطنية للغابات، لإنشاء ست محميات بحرية جديدة، ويتعلق الأمر بالواجهات البحرية لكل من الحظائر الطبيعية للقالة، تازا بولاية جيجل، قورايا ببجاية، جزيرة رشقون بولاية عين تيموشنت، ونتوءات شاطئ كوالي مع جبل شنوة بتيبازة، والمجمع الإيكولوجي للرغاية الذي يضم بحيرة الرغاية، واد الرغاية، غابة القادوس، شاطئي القادوس والرغاية بما في ذلك جزيرة أغلي.

وأكد سعيد شاقور، الخبير في اقتصاد المحميات البحرية، أن هذا النوع من المحميات يساهم كثيرا في الحفاظ على التنوع البيولوجي، ويضمن استغلالا مستداما لمواردها المائية، وذلك من خلال الاستغلال العقلاني والمدروس للصيد البحري، مما يساهم في رفع حجم الموائل الصيدية بثلاث مرات أو أربع خلال إطار زمني لا يتجاوز خمس سنوات، وذلك في حالة تسيير المحمية البحرية بالطرق المعمول بها عالميا.

وكان سعيد شاقور شارك عام 2013 في إعداد دراسة اقتصادية حول المحمية البحرية التي هي في طور الإنشاء والممتدة من شاطئ كوالي إلى جبل شنوة، وهي الدراسة التي أشرف عليها مركز الدراسات المتوسطية ضمن مخطط لدراسة النجاعة الاقتصادية لبعض المحميات البحرية في حوض المتوسط.

وحسب هذه الدراسة، فإن إنشاء محمية بحرية في ولاية تيبازة سيشكل عاملا مهمّا لدعم اقتصاد المنطقة، وخلق المزيد من فرص العمل، والحفاظ على الموارد البيولوجية للمنطقة،  وهومايساهممندونشك،فيتحقيقسعادةورفاهيةمواطنيالمنطقة.

الصيد البحري السياحي... الجزائر من البلدان الرائدة في حوض المتوسط

في بداية التسعينيات اهتدى صيادون إيطاليون إلى طريقة ذكية لمواجهة تراجع مردودهم من الصيد، تمثلت في استضافة سياح على متن قواربهم للقيام بجولة سياحية تمتد ليوم أونصف يوم، تسمح لهم باكتشاف طرق الصيد والتمتع بجولة سياحية بحرية تتخللها مائدة إفطار سمكي، وربما قضاء ليلة إذا كان القارب يستجيب لمعاييرالسلامة والأمن المعمول بهما، وهذا كله يمثل في النهاية ضمان مدخول يومي يعادل أويفوق المدخول الذي يجنيه الصياد في يوم كامل.

هذا النشاط الذي يمارسه الصيادون من حين لآخر في كل دول العالم استجابة لطلب بعض الأصدقاء والسياح، أصبح في إيطاليا نشاطا يتم ممارسته وفق قانون خاص بداية من عام 1998، لينتقل بعدها إلى فرنسا مطلع الألفية الثانية؛ حيث تبناه الصيادون هناك بعد نجاح التجربة الإيطالية، وهو ما جعل الحكومة الفرنسية تصدر في عام 2012 قانونا ينظم هذا النشاط.

والهدف من الصيد البحري السياحي هو الحفاظ على التنوع البيولوجي للموارد المائية، فالجولات السياحية البحرية غرضها ضمان موارد مالية بدون اللجوء إلى الموارد المائية التي تُعتبر المورد المعيشي الرئيس للسكان المحليين، وهذا سيساهم في النهاية في تطوير اقتصاد مستدام.

في الضفة الجنوبية من المتوسط، تواجه الجزائر وجميع بلدان شمال إفريقيا مخاطر تناقص مساحات الصيد وتراجع مردودها، وهذا كله مقابل ارتفاع في عدد الصيادين بما يفوق الضعف. هذه العوامل دفعت الحكومة الجزائرية إلى تجريب الصيد البحري السياحي، وقد وقع الاختيار على المحمية البحرية مستقبلا الممتدة عن الحظيرة الطبيعية لـ «تازا» بولاية جيجل.

وبعد دراسات معمقة مع الصندوق العالمي للطبيعة وبالتعاون مع مصالح ولاية جيجل والحظيرة الوطنية لـ «تازا»، تم اختيار ميناء زيامة منصورية لإجراء التجارب الأولى في صائفة 2015؛ حيث تم توفير كل الإمكانات الضرورية لإنجاح العملية التي انتهت مرحلتها بتقديم تقرير مؤقت عن العملية.

وفي صائفة 2016، انطلقت المرحلية الثانية والنهائية من المشروع، لكن المشرفين عليه تفاجأوا في شهر جويلية بصدور قانون الصيد البحري السياحي، حسبما ورد في التقرير الذي أصدره الصندوق العالمي للبيئة نهاية عام 2016، فقد كان الجميع يتطلع إلى صدور هذا القانون في يوم ما ولكن ليس بهذه السرعة، التي جعلت من الجزائر البلد الثالث في حوض المتوسط، التي سنت قانونا في هذا المجال بعد إيطاليا وفرنسا.

وحسب معدي التقرير فإن حظيرة «تازا» أصبحت قطبا مرجعيا في الصيد البحري السياحي بجنوب البحر الأبيض المتوسط. وقد عرف هذا النشاط توسعا كبيرا في مختلف الولايات الساحلية على غرار العاصمة.

تقول السيدة نادية رمضان، مديرة حظيرة «تازا» والتي تُعتبر من بين الإطارات التي ساهمت في إطلاق هذا النشاط لـ «المساء»: «اشتغلنا على هذا الموضوع لعدة سنوات وتمكنا من تهيئة الأرضية لممارسة هذا النشاط سواء فيما تعلق بوضع الإطار القانوني أو التحسيس بأهميته. واليوم أعتقد أن الكرة في مرمى الصيادين الذين يعود لهم الخيار في ممارسة هذا النشاط على أوسع نطاق».

وأضافت المتحدثة: «مديرية النقل البحري منحت اعتمادات للكثير من الصيادين في ولايتي جيجل وعنابة. وأنا على يقين بأن الصيد البحري السياحي سيصبح في القريب العاجل من النشاطات الأساسية للصيادين».

من جهتها، أكدت مديرة الصيد البحري لولاية الجزائر السيدة ربيعة زروقي التي استقبلتنا بمكتبها، أن هذا النشاط سيفتح آفاقا جديدة للصيادين، ويساهم في نفس الوقت في تطوير السياحة البحرية والحفاظ على البيئة الساحلية، قالت: «الصيد البحري السياحي نشاط جديد في الجزائر، وهو يعد بالكثير في مجال حماية البيئة البحرية ودعم السياحة، ويندرج ضمن مخطط الحكومة التي تسعى إلى تحويل سواحل العاصمة بحلول عام 2030، إلى قطب سياحي متميز في حوض البحر الأبيض المتوسط. ولعلمكم فإن واد الحميز سيتم تهيئته مثل واد الحراش».

تفعيل دور جمعيات المجتمع المدني والرهان على توعية المواطن

تلعب جمعيات المجتمع المدني دورا رياديا في الحفاظ على البيئة، ويتحدد دورها في جانبين أساسيين، الأول يتمثل في مختلف النشاطات العلمية الميدانية التي تقوم بها طوال أيام السنة؛ كالبحوث العلمية في مجال التنوع البيولوجي، والثاني في تأطيرها الحملات التحسيسية الموجهة لمختلف شرائح المجتمع.

عدد الجمعيات البيئية في الجزائر لا يتجاوز 2500 جمعية، وهو يشكل نسبة 2.3 بالمائة فقط من مجموع الجمعيات الناشطة على المستوى الوطني، حسب آخر إحصائيات وزارة الداخلية، إلا أن الدور الذي تلعبه في المجال البيئي ريادي؛ حيث أصبحت تشكل حلقة أساسية في المنظومة البيئية. وقد تنامى هذا الدور في العشرين سنة الأخيرة لمساهمتها الفعالة في تطبيق البرامج الحكومية في الميدان واشتغالها على برامج بيئية مع مختلف المنظمات الدولية العاملة في مجال حماية البيئة، كالصندوق الوطني للبيئة والاتحاد الدولي لحماية البيئة.

وتُعتبر «الجمعية الإيكولوجية لبومرداس» من الجمعيات الأولى على المستوى الوطني التي تنشط في هذا المجال البيئي. وقد أشرفت منذ تأسيسها عام 1989 على العديد من حملات التحسيس بأهمية الحفاظ على البيئة وتنوعها البيولوجي. وقامت بالكثير من النشاطات الميدانية المرموقة، على غرار المشروع الذي أنجزته مؤخرا مع صندوق الأمم المتحدة للتنمية، والمتمثل في تثبيت كثبان شاطئ قورصو التي كانت مهددة بالاندثار بسبب عوامل طبيعية وإنسانية.

وفي تصريح لـ «المساء» قال رئيس الجمعية بن داود ناصر: «دور الجمعيات البيئية في الجزائر أصبح رياديا، وهي تُعتبر شريكا أساسا مع الحكومة في تطبيق برنامجها البيئي».

لقد عملت الجمعيات البيئية كثيرا في جانب التحسيس والتوعية، وهي بحاجة اليوم إلى المزيد من الدعم المادي لاستكمال برامجها».

وعن المشاكل البيئية التي تواجهها ولاية بومرداس وساحلها قال بن دواد: «من بين المشاكل العويصة التي تواجهها البيئة الساحلية في بومرداس التوسع العمراني بطريقة فوضوية، نهب الرمال وكثرة التلوث. ونحن ندعو الحكومة إلى ضرب بيد من حديد، كل من يقوم بخرق القوانين البيئية».

كما تُعتبر جمعية «home» بمدينة تيبازة من بين الجمعيات البيئية الناشطة في مجال حماية البيئة، وهي تركز جهودها على تربية النشء والتحسيس بضرورة الحفاظ على الطبيعة.

وفي هذا السياق، تشرف الجمعية على تطبيق مشروع «سفراء البحر» الموجه لتلاميذ المدارس في مختلف أطوارها الثلاثة بولاية تيبازة، وهو يهدف إلى تنمية الوعي وإثارة اهتمام التلاميذ بالبيئة البحرية من خلال تحسسيهم بأهمية هذه البيئة والمشاكل التي تعاني منها، وهي الدروس التي يتلقونها نظريا في المدراس وتطبيقيا ضمن خرجات ميدانية إلى مختلف شواطئ البحر.

وفي غرب الساحل، تُعتبر جمعية بربروس من أهم الجمعيات البيئية الناشطة في الميدان. وقد ارتبط اسمها لسنوات طويلة بمحمية جزر حبيباس بالنظر إلى الدور الكبير الذي لعبته في الحفاظ على الإرث البيئي الذي تزخر به هذه الجزيرة.

وفي تصريح لـ»المساء» قال نائب رئيس جمعية برباروس والمكلف بمشاريعها مولود عبيدي هناك بعض الصيادين الذين لازالوا يمارسون نشاطهم بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة؛ كاستعمال الديناميت والصيد في المناطق الممنوعة، وهذا يدل على أن هناك نقصا في التوعية عند هذه الشريحة». وأضاف محدثنا أن جمعية برباروس حولت اهتمامها نحو جزيرة «لابلان» التي لا تقل أهمية من حيث التنوع البيولوجي عن جزر حبيباس. وأكد أن العمل جار مع مصالح ولاية وهران لتصنيف هذه الجزيرة كمحمية بحرية بقرار ولائي، ولكنها ستكون مفتوحة للجمهور العريض خلافا لجزر حبيباس.