"المساء" تجوب مرتفعات بومرداس لرصد حملة جني الزيتون

زيت الزيتون في أكثر المواسم غلاء

زيت الزيتون في أكثر المواسم غلاء
  • 5659
حنان سالمي حنان سالمي

 سعر اللتر الواحد من زيت بني عمران قارب ألف دينار

توقُّع إنتاج 140 ألف قنطار من الزيتون وتحصيل 2.3 مليون لتر من زيته

 مردود القنطار الواحد من الزيتون يتراوح بين 14 و17 لترا

 زيت الزيتون.. بركة المنزل وإن تجاوز سعرها الحد المعقول

تعود حملة جني الزيتون وتحصيل زيته كل موسم، ما بين نوفمبر وفيفري. ويعود معها التساؤل حول مدى ارتفاع المردود والغلة، وبالتالي السؤال حول سعر اللتر الواحد من الزيت المباركة الذي لامس عتبة 1000 دينار في أكثر المواسم غلاء.

وفي الوقت الذي يرتبط استقرار السعر بارتفاع الغلة من الزيتون وبالتالي المردود في القنطار الواحد من الزيت، فإن السنوات الأخيرة سجلت تذبذبا في هذا الإطار، بسبب الجفاف وتأخر سقوط الأمطار؛ فحبة الزيتون إذا لم تأخذ كفايتها من ماء المطر بداية كل خريف.. فإنها تنكمش؛ أي تكون جافة، وبالتالي ينقص فيها الزيت، هذا عموما ما توصلنا إليه خلال إعداد هذا الروبورتاج حول الزيتون وزيته ببلدية بني عمران، التي تُعد حضن هذه الشعبة الفلاحية في ولاية بومرداس.

عادت "المساء" إلى جبال بني عمران، لتقف على عملية عصر الزيتون خلال الموسم الجاري. وحملت أسئلة عن الغلة والمردود من الزيت في كل قنطار. وعن عراقيل قد تعترض شعبة الزيتون وزيته.. كما سألت عن أسعار زيت الزيتون التي لامست عتبة الألف دينار في أكثر المواسم غلاء لهذه الزيت المباركة.

استقرار سعر اللتر الواحد في حدود 950 دينار

كانت منطقة "تالمات" أول محطة نزلنا بها؛ حيث تحدثنا إلى عمر شلوش صاحب معصرة عصرية، والذي يزاول هذه المهنة منذ قرابة 10 سنوات. ويرى أن الموسم الجاري من بين المواسم التي سجلت تراجعا في غلة الزيتون، وبالتالي نقصا في تحصيل المردود من زيته، وهذا من بين أسباب غلاء هذه الزيت المباركة، كما قال، والتي يسوّقها بـ950دج للتر الواحد منها.

وهو نفس السعر الذي وقفت عليه "المساء" بـ 3 معاصر أخرى بنفس البلدية، التي تحصي 13 معصرة، منها معصرتان تقليديتان. ويبدأ موسم تحصيل زيت الزيتون مع انطلاق حملة الجني التي تمتد من نوفمبر إلى فيفري من كل سنة، حسب المناطق. ولئن اتفق جل محدثينا على هذا الأمر، فإن معدل تحصيل الزيت في القنطار الواحد من الزيتون، يختلف من معصرة إلى أخرى؛ إذ أشار عمر إلى تحصيل ما بين 18 و20 لتر/قنطار، بينما أشار آخر إلى تحصيل ما بين 15 و16 لتر/قنطار.

وقال ياسين من معصرة بوعزيز، إنه يتوقع تحصيل ما بين 14 و17 لتر/قنطار في أحسن الحالات.

وحسب هؤلاء، فإن هذا الإختلاف يعود بالدرجة الأولى، إلى نوعية الزيتون في حد ذاته، ومدى تشبعه بمياه الأمطار من عدمه. كما أشاروا إلى كون تأخر أمطار خريف 2023، أحد الأسباب الرئيسة التي كانت وراء تراجع الغلة من الزيتون خلال الموسم الجاري، وهو ما أثر بشكل مباشر على جفاف الحبة، أو كما يقال بالعامية "حبة زيتون مكمشة" ؛ أي جافة، ومع العصر فإن مردودها قليل، يقول عمر شلوش، الذي لفت كذلك إلى أن هذا العامل أثر أيضا، على ارتفاع سعر الكيلوغرام الواحد من الزيتون، الذي وصل إلى 130دج، بينما كان في الموسم الماضي لا يتعدى 110 دج.

وفي المقابل، أكد محدثنا أن الصورة ليست قاتمة كلية، بل أبدى بعض التفاؤل بتراجع سعر اللتر الواحد من الزيت مع نهاية فترة العصر؛ بفضل تسجيل نوع من الاستقرار مع استكمال فترة جني الزيتون. وهو نفس ما ذهب إليه صاحب معصرة أخرى في الجوار، قال إن سعر اللتر الواحد بلغ 1000دج بمنطقة قدارة؛ بسبب قلة الغلة من الزيتون، مشيرا إلى إمكانية تراجعه إلى أقل من 950دج مع انتهاء حملة الجني الزيتون، ولكنه لا يتوقع أن ينخفض أكثر، معتبرا الزيت التي تباع بـ800دج.. تعود للموسم السابق؛ يعني قديمة، لكنه استرسل فقال: "لا بد أن تُحفظ زيت الزيتون بشكل جيد؛ حتى تكون دواء" ؛ فالمتعارَف عليه أنه كلما كانت زيت الزيتون قديمة كانت دواءً جيدا. وتُعرف الجديدة منها من خلال مذاقها اللاذع نوعا ما؛ أي به نوع من الحرقة أو الحموضة، حسب طريقة العصر، ومدى إضافة الماء من عدمها.

ميزانية خاصة باعتبار زيت الزيتون.. بركة المنزل

التقت "المساء" في معصرة بوعزيز، مواطنا قدِم من بلدية القبة بالجزائر العاصمة، كان بصدد شراء 10 لترات من زيت الزيتون، فسألناه لمعرفة رأيه في سعر التسويق، فقال: "مهما كان السعر سأشتريه؛ الفرق فقط في الكمية" . وشرح أنه كان في وقت مضى، يشتري ما بين 70 و80 لترا في أحسن الأحوال، ولكن مع ارتفاع سعر هذه المادة الغذائية من موسم لآخر، بدأت الكمية تتراجع، مؤكدا أن السعر قد يكون حاجزا نعم، ولكن هذا لا يعني عدم شراء الزيت مطلقا " ؛ "أفضّل زيت الزيتون على الدواء؛ لأنني أتناوله كل صباح" ، أضاف.

مواطن آخر قال: " بالنظر إلى عملية جني الزيتون التي مازالت تقليدية، وإلى تراجع مساحات أشجار الزيتون بسبب الحرائق.. وكذا بسبب تدهور القدرة الشرائية، فإن سعر اللتر الواحد يبقى "معقولا"، مضيفا أن وجودها في البيت ضروري، ومذكرا، هو الآخر، بتراجع الكمية التي تم شراؤها مقارنة بمواسم سابقة؛ قال إنه تقدم من المعصرة لشراء 10 لترات، وربما سيشتري نفس الكمية مع نهاية حملة العصر.

وغير بعيد عن معصرة بوعزيز الكائنة بمنطقة "لاقار" أو محطة القطار ببني عمران، تحدثنا إلى أم فارس التي كانت بصدد جني حبات الزيتون، فقالت إنها بمجرد انطلاق حملة الجني تتفرغ كلية لجني الزيتون، حيث يبدأ يومها بتحضير الأكل لأسرتها غداء وعشاء، لتعمل بعدها في حقل الأسرة في جمع الزيتون إلى وقت الغروب.

كما تشير الى أنها في السابق كانت تقوم شخصيا بعصر الزيتون بطريقة تقليدية، تقول:"أنا نخدم الشجرة، ونلقّط الزيتون، ونركضها برجلي داخل بسينة كبيرة..ثم تسيل الزيت بشوية"، قالت ذلك وعلامات الفخر بنفسها كانت تبدو على مُحياها، معتبرة تلك الزيت من أجود الأنواع على الإطلاق؛ لأنها كانت ثمن تعبها المضني خلال حملة طويلة.

أما اليوم ـ تضيف ـ " تغيرت الأمور "؛ فهي تجني حبات الزيتون، ثم تأخذها للمعصرة؛ "الصحة تراجعت؛ جني الزيتون يكفي". وأكدت أن هذه المادة الغذائية الاستراتيجية ليست بركة الدار فحسب.. وإنما هي الدار بعينها؛ حيث يخصَّص ما بقي من غلة الموسم للاستهلاك المنزلي، ومنه ما يتم بيعه. وفي كلتا الحالتين يُعد ذلك "بركة كبيرة"، مضيفة أنها تحصّل في أحسن المواسم، ما بين 200 و300 لتر من زيت الزيتون.

توقُّع تحصيل أزيد من مليوني لتر

تشير أرقام المصالح الفلاحية لبومرداس، إلى توقع جني قرابة 140 ألف قنطار من الزيتون خلال الموسم الفلاحي الجاري؛ بمعدل 20 قنطارا في الهكتار، وبمردودية تصل إلى نحو 18 لترا في القنطار الواحد؛ ما يعني في المقابل، تحصيل حوالي 2.3 مليون لتر من زيت الزيتون خلال نفس الموسم.

وحسب نفس المصالح، فإن إنتاج الزيتون وزيته بولاية بومرداس، عرف استقرارا خلال المواسم الماضية، في وقت تتوقع ارتفاع الإنتاج في هذه الشعبة في المواسم القادمة؛ بفضل توسع المساحة المغروسة من أشجار الزيتون في إطار برامج التنمية الريفية؛ حيث تفوق المساحة حاليا 8 آلاف هكتار، وهو ما يقابله أزيد من مليون شجرة زيتون، 90 ٪ منها منتجة.

وفي هذا الصدد، يدعو بعض المستثمرين في هذه الشعبة، السلطات المعنية إلى تمكينهم من أوعية عقارية بغية توسيع استثماراتهم، لا سيما من أجل استغلال نفايات الزيتون المعروف محليا بـ "أجبوص"، ومنهم عمر شلوش، الذي أكد إمكانية توسيع استثماره، ليشمل استرجاع وإعادة رسكلة نفايات الزيتون، وتثمينها، ليتم استخدامها في عدة مجالات؛ كصناعة الفحم المضغوط الصديق للبيئة، أو كعازل يُستغَل في مجال البناء والصناعة، أو في مجال الفلاحة كعلف للدواجن، وغير ذلك.

وأضاف عمر أن هناك مصنعين اثنين ـ حسبه ـ في الوطن لاسترجاع نفايات الزيتون بولاية سطيف، موضحا أن كل المعاصر تقوم برمي نفايات الزيتون في الطبيعة بسبب عدم استرجاعها. كما أوضح أنه يتوقع عصر 5 آلاف قنطار من هذه المادة الغذائية خلال الحملة الجارية، مقدرا النفايات المترتبة عن ذلك، بحوالي 4 آلاف قنطار.