بمبادرة شخصية من المجاهد محمد فريحة

"فضاء الذاكرة".. مقتنيات نادرة تترجم عظمة ثورة الجزائر

"فضاء الذاكرة".. مقتنيات نادرة تترجم عظمة ثورة الجزائر
  • 278
رضوان. ق رضوان. ق

❊ 6 آلاف زائر في 3 أشهر 

❊ نداء للمساهمة في ترقية وتثمين المحتويات

يعدّ المجاهد محمد فريحة من المؤرّخين القلائل الذين اهتموا بتاريخ الثورة الجزائرية وقدّموا إصدارات حية عن الثورة بالصورة والشهادة الحية وبادر إلى إنشاء متحف للذاكرة، يبقى مرجعا هاما للأجيال والمؤرّخين والباحثين في تاريخ الحركة الوطنية في انتظار دعمه وتثمين مقتنياته.

المجاهد محمد فريحة الذي فضّل العمل والنشاط في صمت منح وقته ونشاطه وجهده لإنشاء أوّل فضاء للذاكرة الوطنية، يعدّ من بين المتاحف النادرة على المستوى الوطني، حيث يضم مجموعات من الصور لشهداء ومقتنيات فريدة ومراسلات رسمية ومخطّطات وأسماء مجاهدين وقادة حربيين خلال الثورة الجزائرية بمنطقة غرب البلاد ومدينة وهران على وجه الخصوص.

عن مبادرة إنشاء "فضاء الذاكرة"، قال المجاهد فريحة لـ"المساء" إنّ الفكرة راودته منذ سنوات وتعود تحديدا لسنة 1982، عندما شرع في جمع الوثائق وصور الشهداء والمجاهدين بمدينة وهران وملاحقة كلّ المقتنيات التي لها علاقة بالثورة بمدينة وهران ما مكّنه، بعد جهد كبير، من جمع عشرات المقتنيات، خاصة ما تعلّق بالصور وتحديد هوية أصحابها من الشهداء من أبناء مدينة وهران ومن ولايات أخرى والذين استشهدوا بمدينة وهران.
يضمّ المتحف الذي اختير له مقر تابع لديوان رئيس بلدية وهران بشارع "الأمير عبد القادر"، تحفا نادرة ومقتنيات تعود لفترة الثورة التحريرية ومجموعة أعلام وطنية استخدمت خلال الثورة وإبان الاحتجاجات والمظاهرات التي سجّلت بولاية وهران.

2000 صورة توثّق لأبطال نوفمبر

يحتوي المتحف، حسب المجاهد بن فريحة، ألفي صورة لشهداء وهران وخارجها، استشهدوا في ميدان الشرف، وهي صور في أغلبها نادرة وغير متوفرة لدى أيّ متحف آخر أو مؤسّسة متخصّصة، ما يجعل الفضاء فريدا من نوعه ويؤرّخ بالصورة للثورة التحريرية.
بالمتحف يمكن مشاهدة صور لأبطال الثورة ممن ضحوا بأنفسهم لاستقلال الجزائر وهم في أغلبهم شباب لم يتعد سنهم 30 عاما، ويوضّح المجاهد أنّ مهمة جمع الصور لم تكن سهلة، وذلك لنقص المصادر وقلّة الإمكانيات، كما كشف عن صعوبة تحديد هوية الشهداء، حيث يستغرق الأمر الكثير من الوقت، بالاعتماد على شهادات مجاهدين وعائلات الشهداء المقيمين بوهران وخارجها، وهي كما أوضح "توثيق حقيقي لهؤلاء الأبطال"، وذلك إلى جانب عدد من صور جنرالات الاستعمار الفرنسي من المجرمين الذين نكّلوا بالثوار وارتكبوا الجرائم ضدّ الجزائريين.

كما يضمّ المتحف مخطّطات نادرة لتنظيم الثورة بوهران تم العمل عليها انطلاقا من أرشيف الشرطة القضائية للاستعمار الفرنسي ومخططات أنجزت بشهادات حية جمعها المجاهد فريحة من منطلق نشاطه الثوري، وتكشف المخططات حجم التنظيم الذي كانت تعمل به جبهة وجيش التحرير الوطنيين خلال الثورة المظفرة، حيث أرهقوا السلطات الاستعمارية في الكشف عنها لتنظيمها السري المعقّد.

معروضات تروي الوحشية الاستعمارية

من بين أهم ما يحتويه الفضاء أيضا، مجموعة أسلحة مختلفة وذخيرة حربية خاصة بالمجاهدين خلال الثورة، وهي مقتنيات نادرة، خاصة بوجود أسلحة شخصية لشهداء ومجاهدين عمل معهم المجاهد بن فريحة الذي يبقى شاهد عيان عن جزء من أحداثها.
ومن ضمن المقتنيات المعروضة، قذائف حربية من معركة "الغوالم" التي تعدّ من بين الأكبر التي شهدتها المنطقة الغربية، وأَلحق المجاهدون خلالها خسائر كبير، بالجيش الفرنسي، غير أنّ الرد الاستعماري على المعركة جاء قويا ووحشيا وبلا رحمة، حيث استخدم الطائرات لقصف منطقة الغوالم بالقنابل إلى جانب المدفعية الكبيرة، ما خلّف عشرات الشهداء، ويبرز من خلال المعرض حجم القنابل المستخدمة، حيث لا تزال إحدى القنابل الضخمة التي لم تنفجر معروضة إلى جانب شظايا من قنابل أخرى، كما يعرض بالفضاء رصاصات وبقايا رصاص أُستُخرجت من أجساد مجاهدين وشهداء وبعض مقتنياتهم.

كما لم يخل المعرض من بعض وسائل التعذيب الوحشية التي كان يستعملها الاستعمار ضدّ الموقوفين من المجاهدين أو المواطنين من داعمي الثورة، ويكشف المتحف عن كرسي تعذيب كان يستعمل للحصول على اعترافات المجاهدين، وهو عبارة عن كرسي مزوّد بسماعة كهربائية، ما يترجم بشاعة التعذيب الذي تعرّض له المجاهدون عن طريق الصعق بالكهرباء والضرب بالسياط المصنوعة من جلد الجمل، وهو توثيق حي عن همجية الاستعمار، ويضمّ المعرض أيضا مجموعة آلات للتقطيع وسكاكين كانت تستخدم في التعذيب والتنكيل، ما يجعل المتحف صورة حية عن وحشية ولا إنسانية الاستعمار الفرنسي، يتطلب تكفلا خاصاً من السلطات لدعمه وتقديمه على أساس حافظ للذاكرة الوطنية وانجاز البحوث عن مقتنياته.

تأريخ باللباس والوثيقة

من بين معروضات الفضاء مجموعة أعلام وطنية قديمة، صاحبت مراحل تاريخية للثورة الجزائرية على غرار المظاهرات والاحتجاجات التي كانت تدعو إليها جبهة التحرير الوطني، فضلاً عن أعلام وطنية كانت موجودة لدى مجاهدين كمقتنيات شخصية، كما يضمّ الفضاء آلة خياطة يعود تاريخها لسنة 1954 خاصة بالمجاهدة يوسف خيرة أرملة الشهيد أحمد بن عمار، كانت تستعملها في خياطة الأعلام الوطنية التي استخدمت في مظاهرات 10 ديسمبر 1960 بوهران، وهي من المقتنيات الحية التي تكشف عن بطلة من بطلات الثورة.

كما يكشف الفضاء عن مجموعة ألبسة مجاهدين ارتدوها خلال فترة الثورة التحريرية، وأخرى لمجاهدات وقعن في قبضة السلطات الفرنسية على غرار لباس السجن الخاص بالمجاهدة فتيحة بلقاسم التي كانت مسجونة من 1957 لغاية 1962، إلى جانب مجموعة مراسلات سرية خاصة بين قادة الثورة والمجاهدين تؤرّخ بدورها، للثورة التحريرية المظفّرة.

دعم الجامعيين ضروري

عن مستقبل المتحف، كشف المجاهد بن فريحة عن أنّه فتحه ليكون ذاكرة حية للأجيال ويسعى لذلك بكلّ مقتنياته التي جمعها خلال عقود، موضّحا أنّ عددا كبيرا من المقتنيات تحصّل عليها من مجاهدين وعائلاتهم وكذا عائلات شهداء وثقوا بالمبادرة وتأكّدوا أنّ ما جميع ما قدّموه معروض بالفضاء، مقدّما مثلا بشاب غواص تبرّع مؤخراً بخوذة حربية قديمة عثر عليها بعمق البحر.

وأكّد المتحدّث أنّ عدّة مقتنيات موجودة بالمخازن ويجب تقديمها وعرضها أمام الجمهور، غير أنّ المساحة المتوفّرة حاليا بالمعرض أصبحت لا تكفي لعرض كلّ المقتنيات والأرشيف وأصبح من الضروري توسعة مساحة الفضاء، لعرضها خاصة المادة الأرشيفية والمراجع والإصدارات التي تتناول الثورة الجزائرية، حيث تعرض حاليا بالفضاء مجموعة هامة من الإصدارات التي تتطرّق للثورة ويتم اقتناؤها دوريا بمبادرة خاصة، ويضيف المجاهد أنّ كلّ ما تم انجازه جاء بتمويل خاص وجهد فردي ومساعدات من طرف بعض الأصدقاء والمهتمين دون وجود أيّ دعم من الجهات الرسمية.

في الأخير، دعا المجاهد بن فريحة لدعم الفضاء بمجموعة شباب مختصين في مجال الأرشيف والتوثيق والمرشدين، للحفاظ على هذا الموروث، موجها نداءه لمصالح ولاية وهران على رأسها الوالي سعيد سعيود أو المسؤولين المعنيين بتوظيف الشباب، وأوضح أنّه على استعداد لتكوين الشباب ومرافقتهم ، وكشف المتحدث عن أنّ الفضاء سجّل أكثر من 6 آلاف زائر خلال 3 أشهر ما أصبح يدعو أكثر من أيّ وقت مضى للمساهمة في ترقية وتثمين مقتنياته.