"المساء" تنقل انشغالات المواطنين واقتراحات الفاعلين
"مخطط طوارئ" لتحرير العاصمة من اختناق المرور
- 1854
لا يختلف اثنان حول وضعية حركة المرور بالعاصمة، التي صارت لا تطاق، حيث لم تعد الطرق والمحولات والأنفاق تستوعب العدد الهائل من المركبات، وتذكر الإحصائيات أن نحو مليون مركبة تدخل العاصمة يوميا من الولايات الأخرى، تضاف إلى حظيرة المركبة الموجودة بالعاصمة، التي تتعدى الملايين، وهو ما صنع زحمة واختناقا مروريا لا يطاق، ودفع الدولة إلى التفكير في حلول جذرية ومخطط مرور ناجع، يأخذ في الحسبان التغيرات الحاصلة في النمو الديموغرافي وارتفاع عدد المركبات.
صارت مشاهد الطوابير الطويلة من المركبات، صورة لصيقة بطرقات العاصمة، من كل مداخلها، ولم تعد أوقات الذروة وبداية الأسبوع السبب في ذلك، حسبما كانت عليه من قبل، بل صارت في كل أيام الأسبوع مسرحا للاختناق المروري، مما يترتب عنه عدة مشاكل أثرت على يوميات المواطنين، عطلت مصالحهم، وزادت من متاعب الأسلاك الأمنية المكلفة بتنظيم المرور، التي رغم تغطيتها لمختلف النقاط والمحاور، إلا أن ذلك لم يزد الأمور إلا تعقيدا، مما حدا بالسلطات العليا للبلاد إلى دق ناقوس الخطر، والتفكير في إيجاد حلول جذرية، والتخلي عن أنصاف الحلول التي لم تف بالغرض المطلوب.
مداخل العاصمة مكتظة وكل الأوقات تتحول إلى "ذروة"
تتحول مداخل العاصمة خلال ساعات النهار، وجزء من الفترة الليلية، إلى طوابير طويلة من المركبات، حيث تظهر مظاهر القلق على تصرفات مستعملي الطريق، لاسيما السائقين الذين لا يجدون من حل للتعبير عن ذلك، إلا بإطلاق العنان لمنبهات سياراتهم، ويجبرون على الانتظار لساعات، ويبقى مثلا الطريق الوطني رقم "8" بالجنوب الشرقي للعاصمة، في جزئه الواقع بمدينة الكاليتوس، نقطة سوداء، لم تجد الجهات الوصية حلا لها، رغم مخططات المرور ودخول محاور أخرى حيز الخدمة، مما يستدعي التفكير في حل جذري، وهو إنجاز طريق اجتنابي يخلص المنطقة من الاختناق الدائم. وحسب بعض السكان، فإن الزحمة صارت لصيقة بالمدينة ليلا ونهار، خاصة أن محلات الإطعام والشواء المنتشرة على ضفتي المسلك، صارت تجلب نحوها العديد من الزوار من داخل وخارج العاصمة.
لا يخلو المحور المؤدي نحو البليدة أيضا من ظاهرة الزحام، إذ يلاحظ أن التدفق الكبير للمركبات القادمة من ولايات الغرب والجنوب، وتبدأ الطوابير الطويلة تتشكل انطلاقا من بابا علي وبئر الخادم، وتصبح حركة التنقل بطيئة، ولولا جهود مصالح شرطة تنظيم المرور، لكانت الأمور أكثر تعقيدا، لكن في ظل هذه الظروف لا يوجد "حل سحري" لهذه الإشكالية التي تتطلب توفير بدائل أخرى، تحفز أصحاب المركبات على التقليل من استعمالها، بتركها في ضواحي العاصمة، واستعمال وسائل أخرى أقل تكلفة وأنجع للاستفادة من الوقت الضائع، وهو المشروع الذي تراهن عليه المصالح الولائية، بإنجاز حظائر ضخمة بمداخل العاصمة، ومنها مدخل "لاكوت" ببئر مراد رايس، لكن يظهر أن تجسيد هذه المشاريع لن يتم في القريب العاجل.
كما يتكرر مشهد الاختناق نفسه بالجهة الغربية للعاصمة، خلال ساعات النهار، لاسيما في وقتي الذروة ويمتد حتى ساعات من الفترة الليلية، حيث تتراص المركبات بالطريق السريع الجنوبي، انطلاقا من حي البهجة بأولاد فايت، وتتعقد الوضعية كلما وصلنا إلى منطقة وادي الرمان ببلدية العاشور وبن عكنون، ولا يجد الداخل إلى وسط العاصمة من مهرب إلا الخضوع للأمر الواقع والسير بسرعة السلحفاة، ولا تعود السيولة بهذا المحور بسهولة، فتكاد ساعات النهار تكون كلها "ذروة"، وقد وصف أحدهم المدة التي يقضيها في طوابير الانتظار، أنها "قطعة من العذاب"، لأنها تضيع الأوقات وتوتير الأعصاب تزيد في تلوث البيئة.
مواطنون يشتكون والحل غائب
يرى العاصميون أن الارتفاع المذهل لعدد المركبات، والحواجز الأمنية المنصبة بمداخل العاصمة، زادت من حدة الاختناق المروري، خاصة أن ولاية الجزائر التي تضم المؤسسات المركزية من وزارة وهيئات مركزية، تستقطب يوميا مئات الآلاف من المواطنين، سواء تعلق الأمر بموظفين يأتون من خارج الولاية، أو مواطنين يتوافدون على العاصمة لقضاء مصالحهم، الإدارية والصحية والتجارية وغيرها.
قال "محفوظ .ح" القاطن بحي هراوة، عامل بإحدى الإدارات المركزية وسط العاصمة، إنه مضطر للخروج من المنزل في جنح الظلام يوميا، كي يصل إلى مقر عمله في الموعد، مشيرا إلى أنه رغم ذلك، فإنه لا يسلم من الطوابير الطويلة التي تبدأ في التشكل، عندما تقترب الساعة السابعة صباحا، وتتعقد الوضعية بشكل لا يطاق بين الثامنة والتاسعة والنصف صباحا.
منظمات وهيئات تنتقد الوضع وتقترح الحلول
ذكر أحمد نايت الحسين، المكلف بنشاطات المندوبية الوطنية للأمن في الطرقات لـ"المساء"، أن مخطط تنظيم المرور بولاية الجزائر، والذي يعد من صلاحيات وزارة النقل، أمر ضروري، كون العاصمة لم تعد تتحمل المزيد من الزحمة الخانقة، قائلا: "رغم أن المندوبية تعتبر هيئة ملاحِظة، لا تتدخل في صلاحيات الهيئة المسؤولة عن إعداد مخطط المرور بالعاصمة، إلا أنها تعتبر المخطط الحالي، بأنه لم يعد يستجيب للمتطلبات الحالية، ومخطط إشارات الأضواء الملونة لم يعط أي نتيجة"، مشيرا في السياق، إلى أن عدد السيارات يتزايد بالعاصمة، بحكم احتوائها على الإدارات المركزية، مما يستلزم شبكة طرق مدروسة ذات طوابق تتكيف مع هندسة النسيج العمراني، وهو ما اقترحته وزارة النقل، وتعمل على تفعيله مستقبلا، وأنه يمكن بعد استكمال توفير البنى التحتية والمنشآت القاعدية الأساسية إعداد مخطط مروري كحل تكميلي لتنظيم حركة التنقل.
من جهته، ذكر عز الدين حجيلة رئيس مكتب العاصمة للجمعية الوطنية للوقاية والأمن عبر الطرقات، أن أمر تنظيم المرور وفك الخناق عن العاصمة، يتطلب قرار سياسيا يأخذ في الحسبان البعد الاقتصادي والاجتماعي، يعيد بموجبه النظر في نظام العمل وساعات الدوام بالطريقة الحالية تخل بأن مخطط مروري، رغم توفير سبل إنجاحه، حسب محدثنا، فإن معظم الأشخاص يغادرون منازلهم في وقت واحد ويعودون تقريبا في وقت واحد، كما أن العاصمة تنام باكرا، ولا تفتح فيه تلك الإدارات والهيئات التي تقتصر على ساعات النهار، التي لا تعد كافية، مفيدا أن جمعيته التي تعمل على إعداد دراسة عن الوضعية الحالية للمرور، تقترح عدة نقاط من شأنها الوصول إلى حل هذه المعضلة التي طال أمدها، وتزدد تفاقما يوما بعد يوم، ومن بينها الإسراع في تجسيد نظام عمل بالدوامين، مثلما هو معمول به في الدول المتقدمة، والمحافظة على الحركية بعاصمة البلاد بالخصوص على مدار الساعة، وإحداث ميكانيزمات تتكيف مع الوضعية الراهنة.
يضيف السيد حجيلة أن جمعيته تدعو إلى الإسراع في تجسيد مشاريع حظائر ركن السيارات بمداخل العاصمة، وربطها بوسائل النقل لمختلف الأنماط الممكنة، لاسيما الترامواي والمترو، والقطارات، وتخفيف تكلفة الركن والاشتراك في وسائل النقل العمومية، مما سيخفف العبء عن وسط العاصمة.
مشروع على مستوى وزارة النقل
إلى جانب ذلك، كانت وزارة النقل، في جانفي الماضي، قد أكدت على إطلاق مشروع كبير، يتمثل في إنجاز طريق سيار ذي طوابق، من أجل ربط المطار الدولي بزرالدة، وجاء مشروع “طريق سيار بطبقات” لفك الخناق المروري الذي تعرفه العاصمة، حيث تم تسجيل حركة مرور خانقة بالعاصمة، خاصة بين زرالدة والمطار الدولي، لاسميا أن طرقات العاصمة تمتلئ يوميا بـ220 ألف مركبة، وهذا الكم الهائل لا تستوعبه الشبكة الحالية من الطرقات بالجزائر العاصمة.
كما اعترفت الوزارة آنذاك بأن مشروع تنظيم حركة المرور في الجزائر العاصمة، الذي لم يأت ثماره، انطلق نهاية 2017 شمل في مرحلته الأولى 200 مفترق طرق، بتمويل من ميزانية الدولة وميزانية ولاية الجزائر، خصص له 15 مليار دينار، وتكفلت به شركة جزائرية-إسبانية تسمى “حركية وإنارة بالجزائر العاصمة”، طبقا للاتفاقية الموقعة شهر جويلية 2016 بين مؤسسة تسيير المرور والنقل الحضري، ومؤسسة صيانة الإنارة العمومية بالعاصمة “إيرما”، وشركتين إسبانيتين مختصتين في أنظمة تسيير حركة المرور، لكن الشركة الإسبانية انسحبت من مشروع مخطط سير العاصمة لأسباب موضوعية، حسبما أكد، منذ أسابيع، وزير النقل السابق بالنيابة، فاروق شيعلي، مما تسبب في توقف المشروع.
الأشغال العمومية تعد بمشاريع لفك الخناق
ستكون سنة 2021 سنة تجسيد العديد من مشاريع الأشغال العمومية الهامة بالعاصمة، مرحلة لتجسيد العديد من الطرق والمحولات والمنشآت الفنية، حسبما صرح به سابقا لـ"المساء"، عبد الرحمان رحماني، مدير القطاع، منها منشأتان فنيتان تنطلق أشغالهما وسط الشراقة، ومحول الطريق بابا احسن ـ الدويرة، ومشاريع أخرى ستنطلق على مستوى بئر مراد رايس، تتمثل في محول يؤدي إلى المحطة البرية الجديدة متعددة الخدمات، التي ستنطلق أشغالها السنة الجارية، ومحور اجتناب العاشور، الذي ستنطلق أشغاله هو الآخر هذه السنة.
لفك الاختناق المروري الكبير عن الجهة الشرقية للعاصمة، ذكر المتحدث أنه سيتم إنجاز الطريق البحري الذي يربط منطقة الليدو ببرج الكيفان بالمحمدية، على مستوى قصر المعارض "صافكس"، طريق العناصر- بئر خادم مرور بحي سيدي امبارك، المزود بمحولٌ على الطريق الوطني رقم واحد على مستوى حي جنان سفاري، الذي سيسلَّم السنة الجارية، والذي سيحل مشكلا كبيرا بالنسبة لسكان بئر خادم، سيساهم في التخفيف من هذا المشكل الذي يعاني منه سكان المنطقة الذين يتوجهون نحو السحاولة وبئر خادم، ومستعلمي الطريق الجنوبي بن عكنون-المطار، فضلا عن مدخل ملعب الدويرة، الذي يفك الخناق عن الملعب، وعن أهم محاور الطرق المؤدية إلى بابا احسن، والخارجة منه؛ حيث تصبح حركة المرور سهلة جدا، كما سيتم الانطلاق في إنجاز طريق اجتنابي للسحاولة، والطريق الرابط بين زرالدة نحو تسالة المرجة، بالإضافة إلى مشاريع أخرى سُلمت، على غرار مشروع محول الطريق السريع الجنوبي الثاني، وجسر على مدخل مدينة الشراربة بالكاليتوس، والانتهاء من إنجاز جسر يربط الطريق السريع الشرقي نحو جامع الجزائر-الدار البيضاء، ومشاريع أخرى متمثلة في نفق الدواودة، وحوالي 60 كلم من الطرق المعبدة، إضافة إلى إنجاز ممرات علوية سُلمت.
من بين المشاريع الهامة المبرمجة لفك الخناق عن العاصمة؛ ازدواجية الطرق الولائية، وإنجاز محاور طرق وأنفاق، ومشاريع كبرى هامة تنطلق السنة الجارية، لإنجاز طرق أخرى للحد من الضغط الكبير الذي تشهده بعض المحاور، للتخفيف من حدة هذا الوضع والقضاء على النقاط السوداء، حيث تقوم وزارة الأشغال العمومية في هذا الصدد، بإعداد دراسة حول هذا الموضوع.