الذكرى المزدوجة لهجومات الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام 

أكثر من 7 آلاف شهيد سقطوا في مذبح الحرية بسكيكدة

أكثر من 7 آلاف شهيد سقطوا في مذبح الحرية بسكيكدة
  • 7669

بلغ عدد شهداء الثورة التحريرية في ولاية سكيكدة خلال الفترة الممتدة من الفاتح من نوفمبر العظيم إلى غاية 1962، حسبما جاء في وثيقة تاريخية صادرة عن مديرية المجاهدين للولاية نملك نسخة منها؛ 7272 شهيدا سقطوا في ميدان الشرف عبر 38 بلدية تابعة للولاية، منهم 682 شهيدا سقطوا عبر تراب بلدية سكيكدة دون إغفال الـ 12 ألفا و530 شهيدا سقطوا خلال 20 أوت 55 وحسب نفس الوثيقة فإن أهالي سكان سكيكدة وعبر مختلف القرى والمداشر ومنذ أن وطئت أقدام الاستعمار الفرنسي أراضي سكيكدة يوم 10 أفريل 1838، شنوا مقاومة شرسة من أبرزها مقاومة الشيخ الزغدود والشيخ بوقرة، كما عرفت عاصمة الولاية التاريخية الثانية نشاطا مكثفا للحركة الوطنية التي عدت سكيكدة مهدا لها، تميزت بالمظاهرات والاحتجاجات، منها مظاهرة عمال ميناء سكيكدة سنة 1904، والتي تم من خلالها رفع العلم الوطني الجزائري في شكل تقريبي للعلم الحالي لأول مرة وكذا تمرد بعض الشباب ضد التجنيد الإجباري للمشاركة في الحرب العالمية الثانية خلال فترة 1914/1920 والذي اصطلحت عليه القوات الاستعمارية بثورة الخارجين عن القانون، ناهيك عن النشاط المكثف للتشكيلات السياسية والحركات الإصلاحية، وحسب نفس الوثيقة، فقد زار سكيكدة كل من الشيخ عبد الحميد بن باديس سنة 1933 وميصالي الحاج سنة 1952. كما كانت سكيكدة منذ الثلاثينات تضم 03 قياديين في حزب الشعب الجزائري وهم مسعود بوقادوم وموسى بوالكروة، وحسين لحول الذي كان عضوا في اللجنة المركزية وأمينا عاما للحزب، كما كان لولاية سكيكدة الشرف في تأسيس المنظمة السرية بشكل منظم للغاية، كان يشرف عليها الشهيد البطل بوكرمة بوجمعة المدعو عيسى...

وفيما يخص مشاركة سكيكدة في انطلاق الثورة التحريرية الكبرى لأول نوفمبر 1954، فقد كشف تقرير مديرية المجاهدين عن أنه على إثر الاجتماع التاريخي لمجموعة 22 الذي تقرر من خلاله تفجير الثورة، أصبحت سكيكدة ضمن التقسيم الذي اعتمد خلال نفس الاجتماع، تابعة للمنطقة الثانية للشمال القسنطيني التي كانت تسمى اصطلاحا منطقة السمندو بقيادة الشهيد البطل الرمز ديدوش مراد، بمساعدة زيغود يوسف ولخضر بن طوبال ومصطفى بن عودة، حيث وفي ليلة 01 نوفمبر تم تشكيل فوجين من المجاهدين الأوائل، أسندت إلى الأول مهمة الهجوم على ثكنة الجندرمة بمدينة السمندو والفوج الثاني أوكلت له مهمة حرق مستودع الفلين لأحد المعمرين ببلدية الحروش وبتنفيذ العمليتين تكون سكيكدة قد انظمت إلى الثورة من أجل التحرير منذ الساعات الأولى، شملت كل تراب الولاية دون استثناء، لقن من خلالها مجاهدو وأهالي المنطقة العدو دروسا رائعة ونادرة في البطولة والفداء والتضحية، كللت بالنصر المبين، فكان نصرا حقيقة ومجازا بالرغم من السياسة الاستعمارية وحرب الإبادة التي مارسها العدو على أهالي المنطقة بوحشية لا يمكن تصورها من خلال إقامته للمحتشدات بداية من سنة 1956، حيث وصل عددها إلى حوالي 117 محتشدا. كما قام ببناء 79 ثكنة عسكرية، بالإضافة إلى 10 ثكنات للجندرمة و62 مكتبا للشؤون الأهلية أو كما تعرف بلاصاص، زيادة إلى 04 محافظات للشرطة دون الحديث عن البوليس السياسي وعن العدد الكبير من المجندين ضمن شبكة العملاء دون إغفال القوات الضخمة للقواعد البحرية العسكرية. كما قام بإنجاز مطارين عسكريين ولم يكتف بهذا بل راح سنة 1955 وبعد تعيين السفاح "أوساريس" على رأس الجهاز المخباراتي داخل مدينة سكيكدة بإنشاء 21 مركزا للتعذيب مجهزا بأحدث وأبشع وسائل الاستنطاق غير الإنسانية، منها 04 مراكز للتعذيب بمدينة سكيكدة.

ولأن وحشية المستعمر لا توصف، فقد ذكر نفس التقرير بأنه ومنذ انطلاق الثورة المباركة لأول نوفمبر، قام العدو بمجازر رهيبة وعمليات تقتيل جماعية،  منها مجزرة 20 أوت 55 من خلال تخصيصه لـ20 مكانا دفن فيه أهالي المنطقة أحياء، وهي ملعب سكيكدة ومشتة الزفزاف ومشتة بارو وفلفلة والحدائق وأمجاز الدشيش وجندل وسيدي مزغيش والحروش ورمضان جمال وعزابة وعين شرشار وزردازة والقل والسبت وحمادي كرومة وبني زيد.

                                            

سكان مشتتة وادي محقن يتذكرون مجازر المستعمر

تذكرت مشتة وادي محقن التابعة لبلدية حمادي كرومة والجزائر تستعد لإحياء الذكرى المزدوجة للمجاهد ومؤتمر الصومام 20 أوت 55/56 الإبادة الجماعية التي تعرضت له المنطقة يوم 20 ماي 1956 على أيدي عساكر العدو الاستعماري، راح ضحيتها العديد من أفراد سكان المشتة، خاصة من عائلتي "قانوش" و«زايدي"، وحسب وثيقة تاريخية صادرة عن مديرية المجاهدين للولاية، فإن وحشية المستعمر لم تستثن أحدا، بل امتدت حتى إلى الأطفال، حيث قام عساكر العدو ودون رأفة منهم على قتل 06 أطفال ببرودة أعمارهم تتراوح بين الثلاث سنوات والسنتين.

وحسب نفس الوثيقة، فإنه وفي تاريخ 20 ماي 1956 وفي مشتة وادي محقن "دومان بارو سابقا" بالقرب من القاعدة البتروكيماوية لسكيكدة حاليا،  اقتحم عساكر العدو المشتى في حدود الساعة السابعة إلى غاية التاسعة صباحا بحثا عن مجاهدين وبعد أن قاموا بإخراج السكان من منازلهم وببرودة دم قاموا بقتل 19 شخصا، معظمهم من عائلتي زايدي وقانوش رميا بالرصاص، كما قاموا وبوحشية لا مثيل لها بذبح 20 شخصا آخر من بينهم أطفال وشيوخ وعجزة، وما تزال الذاكرة الجماعية لسكان مشتة وادي محقن بوجه خاص وسكان سكيكدة بوجه عام وعند حلول كل مناسبة وطنية،  يتذكرون جرائم السفاح أوساريس وبعده الكولونال بيجار اللذين عينا كمسؤولين عسكريين على مركز التعذيب جاندارك سابقا العربي بن مهيدي حاليا قبل أن ينتقلا إلى الجزائر العاصمة، أين مارسا كل أنواع التعذيب ضد المدنيين العزل باستعمال الماء والكهرباء والضرب وتقليم الأظافر والقتل بالذبح والدفن أحياء.

حقائق عن تحضيرات هجومات 20 أوت 55 

قال المجاهد علاوة علقمي منسق الهجوم على مطار سكيكدة بأن التحضيرات لهجومات 20 أوت 55 في سكيكدة التي خطط لها البطل الشهيد الرمز زيغود يوسف، تميزت بالدقة والسرية التامة، مشيرا إلى أنه عندما تم استدعاؤه لحضور اجتماع بالمكان المسمى كدية الزمان لم يتم التطرق أصلا إلى هجمات 20 أوت 55، بل كان التركيز منصبا على عملية تحضير بعض الأدوات كعلب من حديد فارغة وزجاجات فارغة وقطع من حديد صغيرة وأنواع من المطاط والعمل على تخزين كميات كبيرة من البنزين وإحضار وسائل التلحيم والمناشيردون توضيح الهدف من ذلك.

ويؤكد الأستاذ توفيق صالحي أستاذ التاريخ بجامعة سكيكدة خلال حديثه معنا، على أن الشهيد البطل زيغود يوسف وعدد من كبار قياديي الشمال القسنطيني كانوا على اتصال مباشر بكل من كانت له علاقة بالتحضيرات لتلك الهجمات التاريخية وأنه من بين التوجيهات التي أعطيت من أجل التعبئة الجماهيرية؛ حسن اختيار الأشخاص من خلال انتقائهم من العائلات المعروفة والموثوق فيها مع التركيز على غير المتزوجين أو المتزوجون الذين لا يملكون أطفالا أو المتزوجون الذين لهم أولاد وأولياؤهم أحياء بإمكانهم التكفل بالأطفال في حالة الاستشهاد..

للتذكير حسب مصادر تاريخية، فإن التحضيرات لهجومات 20 أوت 55 بولاية سكيكدة التي كانت تضم مقر القيادة التاريخية للولاية الثانية، تمت على مستوى أهم المناطق الإستراتيجية، منها منطقة سيدي مزغيش على مستوى بوساطور والخربة الزمان ببوشطاطة، ثم على مستوى منطقة القل بكل من بني زيد ووادي لمساسخة ودوار سيدي عاشور، ثم على مستوى الحروش بمزرعة جوبير وخندق عسلة والمسمش والظهيرة وبعين العربي وبالغدير، ثم على مستوى مدينة سكيكدة التي تم تقسيمها إلى 08 مناطق وهي العاليا والمحجرة الرومانية والزفزاف وطريق العربي بن مهيدي وحي مرج الذيب وسبع أبيار وطريق السطيحة ورمضان جمال..

وإذا كانت التحضيرات لهجومات 20 أوت 55 التي كانت في قمة التخطيط تتميز بطابعها العسكري في مواجهة العدو المستعمر، إلا أنها كانت تحمل بعدا إنسانيا، مما يعكس صراحة نبل الكفاح الذي خاضه الجزائريون ضد الاستعمار الفرنسي، حيث من بين التعليمات التي أعطيت؛ عدم استهداف المدانين من الأوروبيين العزل، حسب الأستاذ صالحي.

من جهته، قال الدكتور أحسن تليلاني بأن التحضيرات الرسمية لهجومات 20 أوت 55 بسكيكدة تميزت بالدقة وبعد النظر والدهاء الذي كان يتصف به مهندس الهجمات البطل الشهيد الرمز زيغود يوسف الذي برهن للأعداء على أن تلك الهجمات التي عرفها الشمال القسنطيني لم تكن عملية ارتجالية بل كانت عملية مدروسة وذات أهداف دقيقة فرضتها ظروف مرت بها الثورة الجزائرية، بالخصوص بعد الحصار الذي ضربه الاستعمار الظالم على منطقة الأوراس، وما يؤكد حنكة القائد البطل الشهيد زيغود يوسف هو أن التحضير للاجتماع كان في غاية السرية التامة، حيث لم يعلم به حتى أقرب مقربيه، ما عدا بعض القادة الذين يحسبون على الأصابع ممن كان يثق فيهم الشهيد من خلال توجيهه الدعوة في البداية لعدد من المسؤولين بالشمال القسنطيني للالتقاء في المكان المسمى بوساطور الواقع بمنطقة سيدي مزغيش، دون ذكر موضوع الاجتماع، لكن عدم ملاءمة المنطقة أرغم زيغود يوسف على تغيير المكان ليتم اختياره بمنطقة براكسبور(بوشطاطة حاليا) غير أن الأمور لم تكن  كما تم التخطيط لها، إذ تمكنت القوات الاستعمارية من اكتشاف تحرك عدد من المجاهدين، مما أدى إلى وقوع اشتباك بين المجاهدين والعدو بالمكان المسمى الخربة قرب سيدي مزغيش، سقط على إثرها شهيدان وهما محمود نفير والحاج القسنطيني المدعو الألماني، وأمام هذا الوضع المفاجئ قرر البطل الشهيد زيغود يوسف عقد الاجتماع السري بالمكان المسمى كدية داود بالزمان في منطقة بوشطاطة، كونه موقع استراتيجي حصين، وقد حضر الاجتماع الذي كان تحت حراسة جد مشددة وبإشراف البطل الشهيد زيغود يوسف كل من الأخضر بن طوبال المدعو سي عبد الله وعمار بن عودة وعلي كافي وإسماعيل زيغد ومسعود بوجريو المدعو سي مسعود القسنطيني وصالح بو بندير(صوت العرب) وعمار شطايبي وبشير بوقادوم ومحمد دخيل المدعو الرواية، تم من خلالها دراسة الوضعية العامة التي تميز الشمال القسنطيني بوجه خاص والوضع على مستوى الجبهة والحصار المضروب على منطقة الأوراس وكيفية المساهمة في رفع ذلك، ناهيك عن بعض المسائل الخاصة، إلا أن النقطة الأساسية التي ركز عليها الشهيد البطل الرمز زيغود يوسف هي القيام بعمل كبير يتمثل في إخراج الثورة إلى الشعب. وبعد المناقشة وتبادل الآراء، وضعت الأسس الأولى للتحضير لهجومات 20 أوت 55 في كافة ونواحي الشمال القسنطيني دون ذكر التاريخ، مع التأكيد على الشروع في التعبئة وجمع الأسلحة والمتفجرات وانتظار التعليمات.