الإقبال على بطاقة الصحفي المحترف تجاوز حدود 3800 طلب:
الامتيازات تستقطب الدخلاء
- 1737
ردا على سؤال حول رسالته إلى الصحفيين الذين سيحتفون بعيدهم الوطني في 22 أكتوبر، قال وزير الاتصال، السيد حميد قرين في لقاء مع الصحفيين مؤخرا؛ "حددوا هويتكم واتحدوا وستتغير ظروفكم بالتأكيد، فأول عامل للتغير موجود فيكم"، ويعكس هذا الرأي الحرص الكبير للوزير على تجسيد مشروع بطاقة الصحفي المحترف الذي اعتبره منذ تعيينه على رأس القطاع، كأولوية لتنظيم الأمور وغربلة مهنة الصحافة من الدخلاء. ... لكن لا يبدو الأمر سهلا أو بالبساطة التي قد يعتقدها البعض، فالقطاع مر بمراحل مختلفة اختلط خلالها الحابل بالنابل، وتسببت التطورات الأخيرة في الحقل الإعلامي مع إنشاء قنوات خاصة، في زيادة الفوضى من حيث عدم التقيد بمعايير محددة في توظيف الصحفيين بالخصوص، إضافة إلى غياب شبه كلي للتكوين الذي زاد الطين بلة، دون إغفال المشاكل الاجتماعية والمهنية وتراجع قيمة الصحفي معنويا وماديا على المستوى الاجتماعي، مما أغرق المهنة في متاهات وفي أحكام مسبقة مست حتى بكرامة الصحفيين.
في هذه الظروف، وفي ظل غياب تمثيل نقابي قوي لأهل المهنة، يمكنه أن يكون محاورا للسلطات، أطلقت وزارة الاتصال مشروع بطاقة الصحفي المحترف، الذي كان الهدف منه منذ البداية إحصاء العدد الفعلي للصحفيين وتحديد هويتهم وغربلة القطاع من الدخلاء الذين يستفيدون من تساهل بعض مديري النشر، إضافة إلى أمر تسهيل الحصول على المعلومة، الذي مازال مطلبا ملحا للمهنيين الذين يواجهون مشاكل بيروقراطية كبيرة في عملهم اليومي الميداني. ومؤخرا، أضاف السيد قرين هدفا آخر من استخراج هذه البطاقات حين قال بأنها "ستمكن من إحصاء الجرائد ووسائل الإعلام التي توظف صحفيين بطريقة دائمة وصحفيين مستقلين، مع الاستفادة من نفس الأرباح الناجمة عن الإشهار العمومي". كما أعلن الشهر الماضي عن استفادة حامليها من "امتيازات هامة".
وشرعت اللجنة المؤقتة للبطاقة الوطنية للصحفي المحترف منذ إنشائها في جويلية 2014، في منح البطاقات للصحفيين بعد دراسة ملفاتهم، وحسب رئيسها السيد السعدي شيباح، فإن الملفات التي أودعت على مستواها إلى غاية اليوم، تجاوز عددها 3800 طلبا للحصول عليها. وبعد أكثر من سنة مرت على حصول أول الصحفيين على هذه الوثيقة، رغم تأخر آخرين عن طلبها إلى غاية الآن، ارتأينا استطلاع آراء بعضهم حول أهميتها وجدواها، فكانت الآراء متباينة بين متفائل بقدرتها على تحقيق الأهداف المنوطة بها، ومتحفظ من "الهالة" التي أحيطت بها، بمبرر أنها لم تحقق النتائج المنتظرة منها. فريال بوشوية (جريدة الشعب) من أوائل الصحفيين الذين تحصلوا على بطاقة الصحفي المحترف بمناسبة الاحتفال لأول مرة باليوم الوطني للصحافة في 22 أكتوبر 2014. تقيم عاما من استخدام هذه البطاقة، فتقول؛ "صحيح أنني لم أستفد من البطاقة بالشكل المتوقع للحصول على المعلومة أو ولوج المؤسسات والهيئات الرسمية، لأنه حاليا لا يوجد أي فرق بين بطاقة الصحفي المحترف وبطاقة الصحفي (العادية)، أي التي يسلمها المستخدم، ربما لعدم الترويج لها والتنبيه إلى أن حاملها لا بد أن يلقى التسهيلات والمعلومات، لكن في اعتقادي أن الأمر عاد إلى حد الآن، كوننا لا نزال في مرحلة الإعداد وليس الترويج لها والمطالبة بتقديم التسهيلات".
وتستند فريال في تحليلها إلى تصريحات المسؤول الأول عن القطاع وزير الاتصال السيد حميد قرين مؤخرا بخصوص اتفاقيات سيتم توقيعها مع وزارتي النقل والسياحة لتقديم تخفيضات للصحافيين، وتعتبر أن ذلك يؤكد "أن الوزارة الوصية انتقلت إلى المرحلة الثانية، فبعد إعداد البطاقات، جاءت مرحلة تفعيل البطاقة في الميدان، وعلى الأرجح سترفق الاتفاقيتان وما يتبعها من تخفيضات بخطوات أخرى، حيث سيتم إعطاء تعليمات للمؤسسات والهيئات الرسمية لاستقبال ممثلي وسائل الإعلام، والأهم من ذلك، تسهيل الوصول إلى مصادر الخبر، مما يضفي مصداقية أكبر على الأداء الإعلامي، ويساعد على تجسيد إستراتيجية القطاع التي تعد أخلاقيات المهنة إحدى ركائزها". كما أن سلطة ضبط الصحافة المكتوبة المرتقب تشكيلها -كما تضيف- من شأنها المساهمة بشكل مباشر في تفعيل بطاقة الصحافي المحترف. وبالنسبة لعبد الحكيم أسابع (جريدة النصر)، فإن البطاقة الوطنية للصحفي "تكتسي أهمية كبرى لمجموع المهنيين المحترفين، كونها تثبت هوية الصحفي الجزائري، بحيث أنها الوثيقة الوحيدة التي تفصل بين الصحفيين الحقيقيين والدخلاء على المهنة، بالتالي فإنها تمكن حاملها من الدفاع عن حقوقه وكسب مصداقية، سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الدولي".
كما يعتبر أن هذه الوثيقة تسمح لحاملها بالوصول إلى مصادر الخبر، لأنها تثبت أنه صحفي محترف من خلال إثبات علاقة العمل بين الصحفي ومستخدمه، فهي إذا-كما يضيف- تعد "إجراء ضروريا لبدء إصلاحات المهنة المنتظرة، فالأمر بالمهمة غير معترف به، لأنه لا يثبت أن هناك عقد عمل يربط الصحفي بالوسيلة الإعلامية، على عكس بطاقة الصحفي المحترف، لذلك فهي تمكن الصحفي من اختيار ممثليه في سلطة الضبط، علاوة على تمكينه من الترشح لانتخابات مجلس أخلاقيات مهنة الصحافة". ويتوقع محدثنا أن يصبح حمل البطاقة الوطنية للصحفي المحترف مستقبلا إلزاميا بعد استكمال العملية الأولية للإحصاء وتحديد هوية الصحفيين. "بالتالي لن يكون بمقدور أي صحفي القيام بأية تغطية في الميدان أو القيام بأي عمل صحفي خارجي ما لم يكن حاملا لهذه البطاقة". وخلافا للرأيين السابقين، فإن عددا من الصحفيين رفضوا إلى حد الآن التقدم بملفاتهم على مستوى اللجنة للحصول على بطاقة الصحفي المحترف. هؤلاء ينبني موقفهم على جملة من المبادئ، منها عدم استشارة أهل المهنة عند الشروع في منح هذه البطاقات وكذا الطابع البيروقراطي للعملية بالنظر إلى مكونات الملف المطلوبة.
في هذا الشأن، يقول مهدي محمد (جريدة لوكوتيديان دوران)، أنه لم يتقدم للحصول على هذه البطاقة، ولا يعتزم القيام بذلك، مبررا ذلك بكونها إلى حد الآن وبعد عام من تسليمها "لم تأت بأي جديد بالنسبة لحامليها من حيث تقديم التسهيلات اللازمة للوصول إلى المعلومة". فبالنسبة لمحدثنا، الوصول إلى المعلومة مازال يخضع لنفس العراقيل البيروقراطية، إذ يقول"لم تتغير الأمور بعد صدور بطاقة الصحفي المحترف، ومازال مطلوب من الصحفي عند البحث عن أية معلومة أن يقدم طلبا خطيا من الجريدة، وينتظر لمدة لامتناهية وفي الأخير فإنه في معظم الأحيان لا يتحصل عليها". من جانب آخر، يشير مهدي إلى عدم تفهمه لمسألة تحديد تاريخ صلاحية البطاقة بعامين وسبب الثقل البيروقراطي الذي يتجسد في طلب ملف به وثائق غير ضرورية -كما قال- "فشهادة عمل مسلمة من طرف المستخدم كافية للتأكد من هوية الصحفي... فنحن لسنا بصدد إعداد جواز سفر... كما أن عددنا قليل، فلسنا عشرات آلاف من الصحفيين، لذا لا أفهم لما كل هذه البيروقراطية".
طوابير للحصول على البطاقة بسبب الإمتيازات المعلن عنها
لكن ماحدث مؤخرا، قلب موازين التردد عند الكثير من الصحفيين الذين لم يهتموا لأمر البطاقة، والأدهى من ذلك هو عودة ظاهرة "الدخلاء" التي جاءت بطاقة الصحفي المحترف لتقضي عليها! ذلك ماكشفه لنا السيد شيباح في لقاء بمقر اللجنة، حيث عبر عن دهشته الكبيرة لمفعول التصريحات الأخيرة لوزير الاتصال حول "الامتيازات" التي ستتاح للصحفيين الحاملين للبطاقة. وكان السيد قرين قد أعلن عنها في 17 سبتمبر الماضي، موضحا أنها "تتمثل في تخفيضات في أسعار الهاتف والأنترنت والنقل المحلي والدولي والفندقة". وقال السيد شيباح؛ إنه من يوم إعلان الوزير عن هذه الامتيازات، توافدت أعداد كبيرة من الصحفيين لإيداع ملفاتهم، لدرجة أن "مقر اللجنة أصبح يشبه مكاتب الحالة المدنية".
وليوضح هذا الإقبال منقطع النظير على البطاقة، أشار إلى أنه "خلال 14 شهرا من عمل اللجنة، وصل عدد البطاقات إلى 2600 بطاقة، ومنذ تصريحات الوزير حول إمتيازاتها إلى اليوم تجاوزنا 1200 بطاقة"، أمر وصفه بـ«غير المعقول"، مضيفا "لم نكن ننتظر ذلك... فالطوابير امتدت إلى خارج المقر"، وبالأرقام أشار إلى أن الملفات المودعة كانت في مستوى 2900، الآن وصل عددها إلى أكثر من 3800 ونحضر لبلوغ 4000 بطاقة. وقال بهذا الصدد "لم نصل خلال عام كامل لما وصلنا إليه خلال شهر"! وإذ يرى بأن الأمر إيجابي، إلا أن السيد شيباح يلفت الانتباه إلى أن المزايا أعادت الدخلاء إلى المهنة، وأكد على وجود حالات لأشخاص لا علاقة لهم بالصحافة تحصلوا على بطاقة الصحفي المحترف. وعن سبب ذلك، أوضح بأن اللجنة تتعامل مع ملفات ولا يمكنها التحقق من الأمر في وجود شهادات أو عقود عمل موقعة من طرف مسؤولي النشر، إلا أن شهادات من صحفيين أكدت تحصل دخلاء عليها. لكن اللجنة حاليا لا تملك صلاحية الطعن في تصريحات رسمية من مؤسسات إعلامية، إلا في حال إثبات العكس.
التحقيقات ستكشف المتطفلين وسنرفع دعاوى قضائية
ومن هذا المنطلق، صرح محدثنا أن الأرقام المصرح بها "مشكوك فيها حتى إثبات العكس"، مؤكدا على ضرورة القيام بتحقيقات، وهو ماسيتم مستقبلا من أجل تحديد التصريحات الكاذبة "وإلا فإن ذلك يعني أننا لم نقم بأي شيء، لأن الهدف من البطاقة هو تنقية المهنة من الدخلاء". وأعلن في هذا الصدد، أن الإشكال طرح على الوزير، وأنه سيتم إما تكليف مفتشيات العمل على المستوى الوطني بالتأكد من الملفات الإدارية وصحة المعلومات المصرح بها، وإما تكليف اللجنة ذاتها بالتحقق من الملفات على مستوى كل مؤسسة، وكل تصريح لا يتوافق مع القانون سيتم رفع دعوى قضائية على صاحبه، باعتبار أن التصريح الكاذب جناية يعاقب عليها القانون. وأشار إلى أن المشكلة تطرح خصوصا في القطاع الخاص، لاسيما بعد أن تم ربط منح الإشهار بالبطاقات المهنية المسلمة.
وسيستمر عمل اللجنة - التي مدد عملها من جويلية إلى نهاية سبتمبر- من أجل فتح المجال أمام كل صحفي للترشح لمسابقة رئيس الجمهورية، إلا أنه بعد التصريحات الأخيرة للوزير، فإن "الملفات تتهاطل علينا كالمطر... واتصلنا بالوزارة لنعرف؛ هل نكمل عملنا أم لا، وقيل لنا؛ استمروا في عملكم إلى حين". وأوضح السيد شيباح أنه يجهل المدة التي سيتواصل خلالها العمل. وتضاعف عدد جلسات اللجنة بسبب التوافد الكبير مؤخرا، وبلغت البطاقات التي سلمت 3313، وفي حين انتهت العملية تقريبا بالنسبة للصحافة المكتوبة العمومية، مازال الإيداع مستمرا بالنسبة للإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء، إضافة إلى الصحافة الخاصة. ويستثنى من الحصول على البطاقات صحفيو القنوات التلفزيونية غير المعتمدة، وكذا المواقع الإلكترونية إلى حين صدور القانون بالنسبة لهذه الأخيرة، والقرار سيرجع إلى سلطة ضبط الصحافة المكتوبة التي ستشكل مستقبلا للبت في أمرهم، كما أشار إليه محدثنا.