حرية التعبير في خطابات رئيس الجمهورية
تجسيد احترافية الممارسة الإعلامية و عصرنة الاتصال
- 2377
حظيت حرية التعبير و ترقية الإعلام بشكل عام باهتمام برنامج رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي لم تخل خطاباته من اصدار إجراءات عملية مواكبة للمتغيرات السياسية في البلاد. وذلك استجابة لمطالب أهل المهنة التي دفعت من خيرة أبنائها خلال العشرية الدموية في تحد للإرهاب الأعمى، بسلاح القلم الذي كثيرا ما نزف دما، امتزج لونه الأحمر بدموع الثكالى ومآسي اليتامى ،، هي صفحات يصعب طيّها غير أن تضحيات الـ100 شهيد المهنة التي تحولت إلى مفخرة يشهد لها القاصي قبل الداني، كانت دافعا لمواصلة النضال الإعلامي وتحقيق المزيد من المكاسب التي نشهدها اليوم.
عند انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، سنة 1999 لم يكن قطاع الإعلام خارج اهتمامات البرنامج الرئاسي، لاسيما وأنه كان فاعلا أساسيا عبر مراحل الأزمة الدموية التي عاشتها البلاد، فضلا عن أنه كان بمثابة الغصّة في حلق القوى الظلامية التي كانت تريد تمرير أفكارها وطمس الحقيقة وإخفائها عن الرأي العام الوطني و الدولي.
وما كان لتضحيات أهل "القلم "أن تذهب في مهب الريح لذلك لم يجد رئيس الجمهورية، بدا من إعادة الاعتبار للقطاع وبمستوى يليق بهذه التضحيات وفق رؤية مستحدثة تؤطرها و تحميها من الانحرافات التي تشوبها، بالنّظر لحداثة التجربة لذلك كان من أولى أهداف القاضي الأول في البلاد، أخلقة المهنة وإضفاء الاحترافية التي تجعلها ترقى إلى مصاف تجارب الدول المتقدمة.
وكانت مناسبة إحياء اليوم العالمي للصحافة التي تصادف تاريخ 3 ماي من كل سنة، فرصة لرئيس الجمهورية للتأكيد في كل مرة على حرصه على ترسيخ وتعميق ممارسة حرية التعبير، فضلا عن تعزيز مكاسب الصحافة من خلال عصرنة منظومة الاتصال والإعلام، بما يسمح للأجهزة الإعلامية بالاضطلاع بالدور المنوط بها في نقل المعلومة الصادقة وتحليل الأحداث على حقيقتها، التي تمكن المواطن من الإلمام بمدى تقدم المجتمع وطبيعة التحولات التي يشهدها محيطه الإقليمي والدولي وما ينطوي عليه من رهانات مصيرية.
الارتقاء بدور الاعلام لتحصين الوطن
وكثيرا ما تستند خطب القاضي الأول في البلاد، عند حديثه عن حرية التعبير إلى التحديات التي تواجهها البلاد جراء الهيمنة الفكرية و الحضارية التي نعيشها مما يجعل الارتقاء بدور الإعلام في الوقت الراهن أمرا حتميا، حتى يكون درعا لتحصين الوطن في ظل الاضطرابات التي تشهدها دول الجوار على ضوء ما سمي بثورات الربيع العربي.
لذلك كان على الإعلام الذي لم يقصّر خلال سنوات الإرهاب الهمجي في أداء دوره إلى جانب النخبة المثقفة وكافة أسلاك الأمن، في الدفاع عن صورة الجزائر التي حاربت الظاهرة العابرة للحدود لوحدها، إذ كانت رسائل رئيس الجمهورية واضحة في هذا الخصوص عندما أعرب عن قناعته بأن أهل القطاع قادرون على الإسهام بأفكارهم وحرفيتهم في إيصال صورة الجزائر إلى الشعوب الأخرى، وفي تزويد المواطن بمادة إعلامية نزيهة خاصة في عالم اليوم "الذي يتميّز بطغيان الأقوياء وبتقزيم وتسفيه كل من لم يتجاوب مع آرائهم ومصالحهم، انطلاقا من أن المأساة التي تعيشها بعض الشعوب العربية والإسلامية منذ سنوات لأحسن دليل على ذلك".
وأمام هذه المخاطر يرى الرئيس بوتفليقة، أن الإعلام الذي نجح خلال الحقبة الاستعمارية في صد أطروحات المحتل، ثم المساهمة بعد ذلك في بناء الدولة المستقلة بتشغيله الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الجزائرية، كفيل بالحفاظ على أمن البلاد والتصدي لمحاولات التشويه التي يتعرض لها الدين الإسلامي في سياق صراع الحضارات المزعوم، من خلال تأديته" دور المحرر والمبصر والناقد الملهم للشعب في مواصلة مسعاه لبلوغ غاياته المنشودة".
كما أن ما يجعل دور الإعلام محوريا في هذا الظرف بالذات هو أن الجزائر التي أضحت تواجه تحديات جديدة، أبرزها الإصلاح الوطني، مجبر على الإسهام في قضايا البلاد على كافة المستويات لاسيما ما تعلق بتعزيز دولة الحق والقانون، فضلا عن إعادة الاعتبار للجهد والعمل وكذا الجودة من حيث هي وسائل تتيح مواكبة الدول الصاعدة التي تستحق الجزائر أن تتبوأ مكانتها بينها على ضوء أزمة النفط في السوق العالمية.
ولتسهيل أداء الإعلام مهمته فقد تضمنت خطابات الرئيس بوتفليقة، إجراءات عملية كثيرا ما لقيت الترحيب لدى أغلبية أهل المهنة على المستوى الوطني و الدولي، من أبرزها سن القانون العضوي للإعلام وضبط القواعد القانونية التي تحكم فعل الاتصال والإعلام وفق المعايير المعمول بها في المجتمعات الديمقراطية.
إرساء أسس البنية التنظيمية لمنظومة الاتصال
وبناء على ذلك شرع في إرساء أسس البنية التنظيمية لمنظومة الاتصال والإعلام في مجالات الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية والإلكترونية والنشاطات المرتبطة بها انطلاقا من أن تكامل التطورات الهيكلية والتنظيم الذاتي لأسرة الإعلام، من شأنه أن يسمح لجميع وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية البصرية أن تشهد تطورا نوعيا قوامه التمسك بمبادئ القانون.
كما أبى رئيس الجمهورية، إلا أن يشرك أهل القطاع للانضمام إلى مسار الإصلاح، من خلال الانضواء في تنظيم يتيح تمثيلهم في شتى الهيئات، متمسكا بفكرة أن "النّقلة النوعية في مجال الإعلام لم ولن تتأتى بأحادية الرأي أو بالانحياز السياسي، بل هي نتاج توخي الصدق في نقل المعلومة والابتعاد عن التجريح وجعل مصلحة البلاد والمجتمع المبتغى الأسمى الذي ينشده جميع الفاعلين حرصا منهم عن إيجاد أفضل السبل لخدمته".
وتركزت خطب الرئيس بوتفليقة، على دعوة الوسائط المنوطة بالخدمة العمومية للارتقاء بأدائها ومضمون برامجها إلى مستوى يؤهلها لتبوأ الريادة بين نظيراتها من منطلق "أن تأطير فعل الاتصال والإعلام لا بد أن يقابله من جانب المتعاملين فيه التزام حقيقي بخلق مؤسسات دائمة تستثمر في الموارد البشرية وتساهم بمنتوجها في الإشعاع المعرفي والثقافي والفكري في استقلالية تامة.
وقد أعرب رئيس الجمهورية، عن فخره للأشواط التي قطعها الإعلام وحرية التعبير في الجزائر عبر "وضع نصوص تسوغ حرية التعبير وحقوق الصحفيين والمواطنين في إعلام مهني".
التعديل الدستوري قفزة نوعية في قطاع الإعلام
وعليه يمثل التعديل الدستوري الأخير قفزة نوعية في قطاع الإعلام، من خلال إثراء قوانينه لتكييفه مع التعددية السياسية التي يعتبرها رئيس الجمهورية "واقعا لا رجعة فيه"، آملا في أن "يواكب هذا الإصلاح التشريعي مستوى التنوع الكبير الذي بلغته البلاد في مجال الصحف وكذا وسائل الإعلام السمعي البصري"،علاوة على تعديل التشريع الجزائي ليصبح خاليا من أي حكم يعاقب مهنيي الإعلام بحرمانهم من الحرية.
وإذ جددت خطب الرئيس بوتفليقة، في كل مرة على أن الإعلام يظل السلاح النبيل الذي يخدم مسار الشعب على درب الحرية والديمقراطية، فقد اعتبر أن تحيين وإثراء قوانين البلاد المتعلقة بالإعلام في مختلف أشكاله جاء ليعزز التمسك بحرية التعبير وتكييفها مع التعددية السياسية.
وبالنسبة لرئيس الدولة، فإن التعديل الدستوري لم يول الاهتمام للإطار القانوني للمهنة فحسب ،بل شكل أيضا "تأكيدا على حرمة الصحافي وتحصين حرية الإعلام دون أي قيد كان سوى احترام ثوابت الأمة وأيضا تأسيس حق الصحفي في الوصول وجوبا إلى مصدر المعلومة حرصا منا على حق المواطن في معرفة الحقائق".
ومن بين الإجراءات العملية التي تجسدت في الميدان تنصيب سلطة الضبط السمعي البصري التي أضحت أحد الروافد التي تدعم النشاط الإعلامي وفق الشروط والقواعد المهنية المطابقة للقانون. وذلك في انتظار تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة في قادم الأيام مثلما صرح بذلك وزير الاتصال.
كما أن إرساء آليات الضبط الذاتي بالنسبة للصحافة المكتوبة، من خلال تنصيب مجلس أخلاقيات المهنة وآدابها، يندرج في إطار تعزيز جو الطمأنينة بين أهل المهنة قصد الارتقاء بالعلاقات بين أطياف المجتمع وفئاته وبين المؤسسات عن طريق الاحتكام بقانون عادل يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات وأخلاق يتعاقد عليها الجميع.
توفير المناخ المواتي بعيدا عن أي ضغط
غير أن مسؤولية الارتقاء بمهنة الصحافة إلى درجات أعلى من الاحترافية لا تقع على عاتق الدولة وحدها، إذ ركزت خطابات القاضي الأول في البلاد في هذا السياق، على أنه يتعين على المؤسسات العامة و الخاصة المخول لها التي تشرف مباشرة على عمل الصحفيين، أن توفر لهم المناخ المواتي بعيدا عن أي ضغط، كما عليها أن تعمل على مراعاة كل القوانين التي تحكم وتضبط قواعد المهنة مع الالتزام بملاحظات وتوصيات كل من سلطة ضبط السمعي البصري وسلطة ضبط الصحافة المكتوبة حين يتم تنصيب هذه الأخيرة.
ويراهن رئيس الجمهورية على هاتين الهيئتين في متابعة الخطاب الإعلامي ومرافقته بما يحفظ البلاد من كل استغلال سياسي أو حزبي ضيق وبالشكل الذي يضمن أن تبقى مكونات شخصية الشعب الجزائري رصيدا ثقافيا واجتماعيا مشتركا في منأى عن الصراعات والخلافات السياسية.
ومن هذا المنطلق أعرب رئيس الجمهورية، عن أمله في أن يتسم الخطاب الإعلامي بالهدوء والرزانة و الاتزان في هذه المرحلة من تاريخ البلاد،في سياق تعزيز المكتسبات الديمقراطية.
ورغم النقائص التي تعتري التجربة الإعلامية في الجزائر يرى الرئيس بوتفليقة، أنه يحق للجزائريين والجزائريات أن يفتخروا بتنوع المشهد الإعلامي المكتوب والمرئي والمسموع والإلكتروني الذي وصلت إليه الجزائر"والذي يجعلنا رغم الانتقادات المجحفة التي تأتينا من بعض الأصوات المغرضة في الخارج جديرين بأن نكون حقا في طليعة الإعلام وحرية الإعلام في فضاءاتنا الإسلامية والعربية والإفريقية".
وكل هذه المكاسب التي عززت مشوار الإعلام تستدعي وفق توجيهات رئيس الجمهورية مواصلة الجهود لامتلاك الخبرة العالية التي لا تأتي إلا بطول الممارسة والتجربة وبالمعرفة التي ليس لها حدود، من منطلق أن ما تم إنجازه ما يزال في حاجة إلى المزيد من الإنضاج، كما أن الظروف التي تعمل فيها أسرة الإعلام ما تزال في حاجة إلى التحسين لكي تصل إلى ما يضمنه القانون من حيث حقوقهم الاجتماعية.
مليكة خ
نوّه بجهود السلطات في ترقية وإصلاح المنظومة الإعلامية
مجلس حقوق الإنسان يطالب بإعادة النّظر في قانون الإعلام
دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى "إعادة النظر في قانون الإعلام على ضوء التعديلات الدستورية المهمة"، في نفس الوقت الذي نوّه فيه بالجهود التي بذلتها السلطات العمومية في ترقية وإصلاح المنظومة الإعلامية.
وفي بيان أصدره بمناسبة إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة الموافق للثالث ماي، من كل عام ثمّن المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالخصوص ما ورد في التعديل الدستوري لسنة 2016 في المادة 41 الفقرة 2 منه والتي أسقطت تجريم جنحة الصحفي السالبة للحرية. لكنه بالمقابل أكد على ضرورة "تنظيم القطاع خاصة بعد تنصيب سلطة ضبط السمعي البصري"، حيث دعا السلطات إلى "ضرورة استكمال تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة ومجلس أخلاقيات وآداب المهنة، استجابة للتحولات التي يشهدها المجتمع وطبيعة التحولات التي تشهدها المنظومة العالمية في مجال الاتصال والإعلام". وحث المجلس الوطني على "فتح مجال الاتصال والإعلام وترقية الكفاءات وتعزيز القدرات وتشجيع أهل المهنة على الاستثمار في الموارد البشرية التي بإمكانها المساهمة في الإشعاع المعرفي والثقافي والفكري ونشر الوعي في استقلالية تامة".
وفي هذا السياق دعا المجلس الحقوقي إلى "تمكين المواطنين من المعلومة الصحيحة والإلمام بمدى تقدم وتطور المجتمع الجزائري وطبيعة التحولات التي يشهدها على مستوى محيطه المحلي والإقليمي والدولي والرهانات التي تنتظره في الحاضر والمستقبل".
وناشد العاملات والعاملين في قطاع الإعلام بـ«الابتعاد عن الكراهية والعنف واحترام خصوصية الإنسان وكرامته والمساهمة في نشر ثقافة حقوق الإنسان وتكريس مبادئ السلام والمحبة والتسامح والاعتراف بالآخر وعدم الازدراء بالأديان".
ودعا المجلس أسرة الإعلام إلى "بذل جهد مضاعف في مواجهة تحديات العصر والتصدي لكل المخاطر الناتجة عن التطرف والعنف والهيمنة الفكرية والثقافية الإعلامية والعمل على ترقية الأداء الإعلامي إلى درجة الاحترافية".
وبينما اغتنم المجلس فرصة احتفال الجزائر باليوم العالمي لحرية الصحافة ليؤكد حرصه على "حماية وترسيخ وتعميق حق حرية التعبير وتعزيز مكاسب الصحافة الجزائرية والحفاظ على استقلاليتها"، اعتبر أن الاحتفاء بهذا اليوم العالمي الذي أقرته الأمم المتحدة وتحييه هذه السنة تحت عنوان "توازن القوى: الإعلام والعدالة وسيادة القانون"، يستدعي تطوير مؤسسات فعّالة وخاضعة للمساءلة وشفافة على اعتبار أن وسائط الإعلام تضطلع بدور فعّال في التنمية المستدامة خاصة الهدف الـ16 من أهداف التنمية المستدامة المرتبط بالسلام والعدالة والمؤسسات القوية. كما أضاف أن "حرية الصحافة ضرورية لهذا المسعى وأن القضاء يتيح الضمانات القانونية لحرية الصحافة ويحمي الصحافيين من أي تجاوزات". و. ا