مرضى ”السيدا” في زمن ”كوفيد 19”

تهميش... عزلة... وحرمان بفعل تداعيات الحجر

تهميش... عزلة... وحرمان بفعل تداعيات الحجر
  • 877
رشيدة بلال رشيدة بلال

يعود إحياء اليوم العالمي لـ”السيدا، المصادف للفاتح ديسمبر من هذه السنة، في ظروف جد استثنائية فرضها فيروس كورونا المستجد، وبعدما كان المرضى يصارعون فيروس اتش أي في المسؤول عن إصابتهم بداء فقدان المناعة المكتسبة، ها هم اليوم في ظل الوباء الذي اجتاح العالم، يصارعون فيروس كوفيد 19”، الذي أصبح هو الآخر يهددهم أكثر من غيرهم، بفقدان حياتهم بسبب انهيار أجهزتهم المناعية، الأمر الذي عمق معاناتهم، وحتم عليهم العيش في عزلة تامة. المساء تواصلت مع بعض الجمعيات الناشطة في المجال والمرضى، وسلطت الضوء على ما تعانيه هذه الشريحة، في ظل هذه الظروف التي أضرت بالأصحاء قبل المرضى.

كورونا عمقت معاناة المرضى

البداية كانت مع أحسن بوفنيسة، رئيس جمعية تضامن آيدز الذي أوضح ردا على سؤالنا، حول حجم المعاناة التي خلفتها الجائحة على مرضى فقدان المناعة المكتسبة، بالقول إن جائحة كورونا كان لها تداعيات صحية سلبية على الأصحاء، فما بالك بالمرضى؟ مرضى الآيدز تحديدا، يعانون الأمرين في ظل هذه الظروف الصحية الاستثنائية، وأولى الإشكالات التي طرحت بعد استمرار الوباء في التفشي، وصدور قرارات الحجر، عدم تمكن المرضى من التنقل إلى العاصمة، بغية القيام بالفحوصات والتحاليل والحصول على الدواء، وفي المقابل، أصبح من غير الممكن على الجمعية أن تتكفل بإرسال الأدوية للمرضى في 48 ولاية، يقول: إمكانياتنا محدودة، ولا يمكنها القيام بالتغطية الشاملة لكل المرضى، مشيرا إلى أن قيمة 100 مليون التي تقدم للجمعيات كميزانية سنوية، بغية دعم مرضى فقدان المناعة المكتسبة، تظل غير كافية وتنفق بشروط، وهو ما أثبته الوباء، فمن جهة، لا يمكن للمرضى التنقل بسبب عدم توفر الإمكانيات المادية، ولتدابير الحجر التي تفرض عليهم البقاء في ولاياتهم، الأمر الذي أدخل المرضى والجمعية في دوامة، فلا الجمعية تعرف كيف تساعد المرضى، ولا المرضى يمكنهم الاستشفاء بسبب الوباء.

من جهة أخرى، يوضح المتحدث بأن الجمعية بادرت ومنذ بداية الوباء، بعدما منعت الجمعيات من تنظيم اللقاءات، إلى إطلاق حملة واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال منصة رقمية  لدعم هذه الفئة بما تحتاجه من دواء، وتساهم أيضا بالدعم النفسي، يردف حيث كنا نتلقى قائمة باحتياجات المرضى من كل ربوع الوطن، ونعمل على تلبيتها بمساعدة المتطوعين، أو عن طريق إرسالها لهم بالبريد السريع، غير أن استمرار الوباء جعل الجمعية  غير قادرة على تحمل الأعباء المالية، فعلى مستوى القطار فقط،   هناك أكثر من 2000 مريض، بالتالي لا يمكن ـ حسبه ـ للجمعية  بما تملكه من إمكانيات محدودة، أن تتكفل بتلبية احتياجات كل هؤلاء، وعليه يؤكد بأن كوفيد 19”، بعد ما حرم المرضى من القدوم إلى مصلحة القطار للقيام بالفحوصات الدورية، خوفا عليهم من الإصابة بالفيروس التاجي، كشف هشاشة المنظومة الصحية الموجهة لهذه الفئة، وهو ما يعكسه النقص المسجل في الميدان، للتكفل بهذه الفئة التي أصبحت معرضة للخطر أكثر من غيرها.

وفي السياق، أوضح بوفنيسة أن من تبعات كوفيد 19”، أن بعض المرضى دخلوا في رحلة بحث عن حلول تكنهم من القيام بالفحوصات، للحصول على الأدوية المبرمجة كل ثلاثة أشهر، حتى لا فتك بهم الفيروس التاجي، بينما اضطر البعض الآخر إلى التخلي عن برتوكوله العلاجي، بسبب عدم قدرته على تأمين أدويته، وارتفاع تكاليف النقل وعم وجود أي جهة تتكفل بإحضار الأدوية لهم، خاصة في بعض الولايات التي لا تحوي حتى مصالح علاج مرجعيةمن جملة الاقتراحات التي سبق، حسب رئيسة الجمعية، أن تم طرحها، والتي أثبتت الجائحة فعاليتها، لو أنه تم الأخذ بها منذ أكثر من 30 سنة، بعد ظهور أول حالة في الجزائر، جعل المجتمع المدني شريكا فعالا مع قطاع الصحة، تخصص له ميزانية خاصة ليتسنى له العمل في الميدان، وغير هذا يقول نحن كجمعية أصبحنا عاجزين عن مساعدة المرضى، للحصول على أدويتهم، لغياب الإمكانيات المالية وطول فترة الوباء، خاصة أننا كجمعية نعتمد على متطوعين يحتاجون حتى يتطوعوا، إلى أن توفر لهم الجمعية الجو المناسب، للقيام بعملهم.

بمناسبة اليوم العالمي، تحضر لإطلاق حملتها السنوية التي تم تكييف برنامجها هذه السنة، وفقا للمستجدات التي تعرفها الساحة العالمية، يقول ثم إطلاق حملة تحسيسية لحمل الشباب على الالتزام بالتدابير الوقاية، لحماية كبار السن والمرضى من خطر العدوى، حيث يجري التحسيس ضد السيدا، من خلال التأكيد على أهمية الاستجابة للتدابير الوقاية، خاصة ما تعلق منها بوضع الكمامة والتعقيم، لافتا إلى أن عملية توزيع الكمامات خلال العمل الجواري، تستهدف الفئة التي لا ترتدي الكمامات.

غياب تراخيص نقل الأدوية أدخل المرضى في عزلة

من جهتها، وصفت نوال لحول، رئيس جمعية الحياة، واقع مريض فقدان المناعة المكتسبة في ظل جائحة كورونا بالكارثي، وقالت في معرض حديثها مع المساء، بأن مريض السيدا اليوم، بعدما كان مهمشا بسبب إصابته بالمرض، الذي لا يزال من الطابوهات في المجتمع، ويعيش الرفض الاجتماعي، جاء هذا الفيروس التاجي ليعمق من معاناته ويزيد من تهميشه.

تردف كان المرضى قبل ظهور الوباء، يلتحقون من مختلف الولايات بالمؤسسات الاستشفائية للقيام بالتحاليل، والحصول على الأدوية، وبسبب الوباء، منع عليهم التواجد فيها، لاحتمال الإصابة بالعدوى، الأمر الذي جعل من الصعب تأمين الأدوية لهم بعدما  أصبح التنقل بين الولايات ممنوعا، بسبب تدابير الحجر، والنتيجة أن احتياجات المرضى زادت، ولم نعد كجمعيات، قادرين على تلبيتها، لكثرتها وغياب التسهيلات من الجهات الوصية، مشيرة إلى أن ما عمق الأزمة، هو عدم وجود تراخيص تسهّل على  الجمعيات التنقل بين الولايات، لتمكين المرضى من أدويتهم، وبحكم أن 48 ولاية كلها تقصد مصلحة القطار بالعاصمة، بسبب عدم وجود مراكز مرجعية، أو عدم توفر بعض الأدوية في بعض الولايات، مثل وهران، ورقلة وبشار، تقول أصبحنا غير قادرين على تلبية كل الطلبات، والنتيجة أن المتضرر الوحيد هو مريض السيدا، الذي أصبح اليوم يدور في دائرة مفرغة، يصارع فيها فيروس فقدان المناعة المكتسبة، والفيروس التاجي الكفيل بوضع حد لحياته، بسبب انهيار جهازه المناعي، إن اختار التواجد خارج منزله.

في السياق، أوضحت رئيسة الجمعية بأنها قامت منذ بداية الوباء، بإرسال أكثر من 2000 طرد خاص بالأدوية الموجهة لمرضى السيدا، بالاعتماد على المتطوعين، وبالإمكانيات الخاصة للجمعية، وفي غياب التسهيلات من الجهات المعنية ممثلة في عدم تقديم التراخيص للتنقل إلى المرضى، تخلى عدد من المرضى على العلاج، بينما توفي البعض الآخر بعد أن أصيبوا بالوباء. لافتة  إلى أن هذه الفئة كانت في أول الأمر تعاني التمييز والتهميش، بسبب مرضها، واليوم تعاني أيضا من العنف الذي ارتفع بفعل الجائحة، وبالمناسبة تقول ينتظر أن تنظم الجمعية، عددا من اللقاءات التحسيسية التي يتم فيها إحياء لليوم العالمي لداء فقدان المناعة المكتسبة، التطرق لما يعيشه مريض السيدا من معاناة عمقها الفيروس.