معركة إمزي بالنعامة
حدث نضالي أسمع صوت الكفاح الجزائري في المحافل الدولية
- 2088
تعد معركة إمزي التي جرت وقائعها بضواحي عين الصفراء بولاية النعامة في ماي 1960 واحدة من الأحداث التاريخية البارزة التي أثبتت استحالة القضاء على لهيب ثورة التحرير المظفرة. ورغم وصف هذه المعركة بالجحيم كونها شاهدة على بشاعة الاحتلال الفرنسي، إلا أنها كانت حدثا نضاليا إضافيا في مسار دعم قضية تحرر شعب مكافح في المحافل الدولية.
وكانت مواجهة عناصر جيش التحرير الوطني بالرغم من قلة عدتهم وعتادهم في هذه المعركة التي تسلسلت أحداثها أيام 6 و7 و8 ماي 1960 فريدة واستطاعت أن تكسب ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 صدى إعلاميا وعسكريا كبيرا بتصدي المجاهدين الأشاوس لإستراتيجية العدو الرامية إلى قمع الثورة وعزلها. ومن الآثار الإيجابية لهذا الحدث التاريخي في مسيرة الكفاح الثوري، التصدي لعمليات شال العسكرية وتنفيذ المجاهدين لخطط عسكرية بدهاء مكنت من توفير دعم معنوي وإسماع صوت وصدى الثورة الجزائرية المنبعث من جبال الأطلس الصحراوي التي لها رمزية تاريخية.
وكان جبل إمزي الذي يؤدي إلى سلسلة جبال أخرى بمنطقة الجنوب الغربي للوطن على غرار مرغاد وشماريخ وبوعمود وعيسى من المناطق العسكرية المحرمة على المدنيين منذ اندلاع الثورة التحريرية، إلى غاية وقف إطلاق النار الحصن الحصين لكتائب الثورة التحريرية المباركة، وشهد العشرات من المعارك والكمائن والاشتباكات وزرعت أراضيه بالعبوات الناسفة التي أربكت العدو وجعلته يعد خطواته قبل أي توغل به، كما يؤرخ هذا الجبل لقوافل الشهداء الذين سقوا أراضيه بدمائهم الطاهرة.
وخلال معركة إمزي كان رد فعل العدو عنيفا وبوحشية إثر هزيمته وتكبده لخسائر جسيمة ميدانيا واستعمل المستعمر حينها قنابل فتاكة، إلا أن ذلك ساهم في إسماع صوت الثورة المسلحة على الساحة الدولية، وزاد من إصرار وعزيمة جيش التحرير للتأكيد على العمل المسلح كحل لاسترجاع الحرية و تعطيل تقدم العدو عبر نطاق الشريط الحدودي.
وتفيد الشهادات التي قدمها المجاهد خليفي بونوة من عين الصفراء أن المعركة جرت قبيل استعدادات حثيثة لقيادة المنطقة الثامنة التابعة للولاية التاريخية الخامسة للتوغل في عمق التراب الوطني ومحاولة تمركزها بعيدا عن الشريط الحدودي ضمن خطة لإعادة تنظيم العبور والرفع من نشاط التسيير الحربي وتعزيز الاتصال بين القادة، لاسيما بعد سقوط و ستشهاد العقيد لطفي قائد المنطقة الثامنة رفقة نائبه الرائد فراج في معركة بشار في 27 مارس 1960.
وذكر المجاهد بونوة أن حصول فرنسا على وثائق ومعلومات مؤكدة عن تحرك جيش التحرير للعبور عبر جبال المنطقة جعلها تجند قوة عسكرية كبيرة على مدى شهرين تم خلالها حشد القوات وتحضير الهجوم على المنطقة لتعطيل تحركات وعبور قوافل المجاهدين وتشتيت خططهم التنظيمية.
ووقعت المعركة أثناء تحرك الفيلق الثاني لجيش التحرير الوطني بقيادة حميد بونوار ونائبيه بن نويس عبد القادر وبوشويرب غرمولي الذي كان يتشكل من خمس كتائب عبر مناطق العبور بالعوين الزرقة ومنطقة الحاج ميمون للمرور نحو جبل خروبة ثم إلى جبل بوعمود من أجل إتاحة مرور بقية الكتائب بإزالة الأسلاك الشائكة على مستوى واد العريشة.
وبعد بلوغ واد بني أحمد وقطع مسالك وعرة بمنطقة بوشطوف على ظهور الدواب وبتوجيه من السكان المحليين على دراية بمسالك المنطقة الوعرة، تم تأمين الطريق وتحضير الدخول بقوة و احتمال التصدي للاصطدام بالعدو وذلك بإعداد المجاهدين لنظام دفاع دائري وبوضعيات مختلفة للكتائب وحماية للقادة في وسطها، حسب تلك الشهادة.
وفي فجر يوم 6 ماي 1960 بدأ تطويق العدو للمنطقة بالطلعات الجوية و تحرك عدد هائل لقواته وتبع سقوط أولى قذائف القصف المروحي لجبل إمزي زحف بري لعساكر فرنسا غير أن ثبات وحسن تمركز المجاهدين مكن من القضاء على عدد كبير منهم، وفي اليوم الموالي شهدت المعركة معاودة قصف كثيف حول مرتفعات الجبل إلى لهيب وكانت الصواريخ الحارقة لقنابل النبالم المصحوبة بالغازات السامة تتهاطل على الجبل وفقا لشهادات المجاهد خليفي بنوة.
ويتذكر هذا المجاهد الذي كان متواجدا في جبهة القتال، بأن عددا كبيرا من أفراد الكتائب الثلاثة لمجاهدي جيش التحرير الوطني، وخصوصا الفيلق الثاني وبقية العناصر التي شاركت في هذه المعركة تعرضوا لحروق جراء قنابل النابالم الحارقة.
كما تدخلت المدرعات والطيران لتشتعل المعركة أكثر فأكثر،مما أسفر عن استشهاد العديد من المجاهدين والسلاح في أيديهم.
غير أن ذلك لم يثن من عزيمة وإستماتة وصمود هؤلاء الأشاوس وهم من المقاتلين و المسبلين الذين آثروا الاستشهاد من أجل نيل الحرية والاستقلال وتمكنوا بذلك من قتل عشرات الجنود الفرنسيين وهذا قبل انسحاب ما بقي من ثوار جيش التحرير الوطني من الناجين من القصف الهمجي والتحاقهم بمواقع أكثر أمنا و تمكن بعضهم الآخر من الإفلات من عملية التطويق بعد غروب الشمس وانتشار ظلمة الليل.
وكانت حصيلة مجريات ثلاثة أيام من تصدي المجاهدين لغطرسة الاحتلال في هذه المعركة 101 شهيدا و74 جريحا و46 مجاهدا أسرهم العدو، إلا أن المجاهدين تمكنوا من إسقاط ست طائرات حربية للعدو وألحقوا خسائر كبيرة في العتاد وقتلوا عشرات الجنود الفرنسيين.
وقد نفذ الهجوم البري أكثر من 2.400 عسكري فرنسي بغطاء جوي ضمنته 60 طائرة ومروحية حربية قصفت بالصواريخ وقنابل ناسفة لعدة مواقع بجبل إمزي، حسب الأرقام التي قدمها ذات المجاهد الذي لا يزال يحتفظ بذاكرة قوية وهو يروي هذه الأحداث بدموع وبافتخار وحب لهذا الوطن.
اختتم المجاهد بونوة قوله "لقد حققت ثورة التحرير المظفرة الانتصارات المتتالية التي أفقدت العدو الفرنسي صوابه آنذاك فلجأ إلى الانتقام باستعماله هذه الأسلحة الفتاكة وزرع الرعب في أوساط السكان بالاستعمال المكثف للقنابل الحارقة (نابالم) ضد مواقع جيش التحرير الوطني، حيث لا يزال عديد المجاهدين على قيد الحياة يحملون آثار الحروق الناتجة عن استعمال هذا السلاح الحربي المحظور بموجب اتفاقيات دولية.