حين دقت ساعة الصفر.. الحسم والانتصار
سبّاقون صنعوا المجد.. رجال صدقوا الوعد
- 116
سبّاقون صنعوا المجد... رجال صدقوا الوعد
اختار المؤرخ والباحث محمد غرتيل، أن يتحدّث عن بطولات رجال خلدهم الزمن، كانوا سباقين للحرية تواقين للشهادة، لم يخفهم عتاد ولا عدة، إذ كان حبّ الوطن والإيمان القويّ بالحرية محرّكهم لإطلاق الثورة المجيدة، ونحن اليوم نعيش ذكرى السبعينية المباركة، في كنف الحرية نتطرق لما قدّمه السابقون.. السابقون يقول "نروي للأجيال بطولات الرجال" لقد كانت ليلة الاثنين الأوّل من نوفمبر 1954 الموافق لسادس من شهر ربيع الأول عام 1374 هجري، لحظة مفصلية في تاريخ مواجهة الجزائريين للاحتلال الفرنسي، ومنها أطلقت أولى الرصاصات وبدأت حرب شرسة استمرت قرابة سبع سنوات ونصف، صنعت ملاحم كبيرة رغم قلة العدة والعدد وضعف التسليح، لكن الإرادة والشجاعة دفعت بعضا من الشباب الجزائري المتحمّس لأن يقود هذا المشروع التحرّري وأذاق فرنسا صنوف المهانة على أرض المعركة .
يقول المؤرخ والأستاذ محمد غرتيل لـ"المساء" إنّ هؤلاء الشباب، أنقذوا الجزائر من المأزق الذي وقعت فيه حركة انتصار الحريات الديمقراطية عام 1953م ونتج عنه خلاف وصراع بين المصاليين والمركزيين، ولاحتواء الوضع أسّسوا اللجنة الثورية للوحدة والعمل في 23 مارس 1954م بهدف الإسراع في تعبئة المناضلين والتحضير للكفاح المسلح، فاتّفق أعضاء اللجنة على عقد اجتماع سري يوم 23 جوان 1954م سمي في التاريخ باجتماع مجموعة 22 في منزل بحي المدنية (صالمبي سابقا).
خاطر بحياته وعائلته لأجل الوطن في اجتماع مجموعة 22
يقول المؤرخ محمد غرتيل إنّه المجاهد إلياس دريش، من مواليد 14 أفريل 1928 م بالعاصمة، مناضل في حزب الشعب، عضو المنظمة الخاصة، اتصل به الشهيد ديدوش مراد، يطلب منه استقبال مجموعة من المناضلين في بيته هم في حالة مطاردة، فلبى الطلب واستقبل مجموعة 21 + 1 (مصطفى بن بولعيد، ديدوش مراد، العربي بن مهيدي، بن عبد المالك رمضان، زيغود يوسف، سويداني بوجمعة، رابح بيطاط، محمد بوضياف، محمد مرزوقي، أحمد بوشعيب، لخضر بن طوبال، عبد السلام حباشي، رشيد ملاح، عبد القادر العمودي، عمار بن عودة، باجي مختار، عثمان بلوزداد، عبد الحفيظ بوصوف، الزبير بوعجاج، سعيد بوعلي ومحمد مشاطي)، ألقي عليه القبض سنة 1955 بعين الدفلى، وظل يتنقل بين السجون بربروس، برواقية، عين وسارة، الأصنام، أطلق سراحه في 23 مارس 1962، توفي في 31 ديسمبر 2001 م .
أبو الثورة الذي ضحى بنفسه وبكلّ ماله لأجل الوطن
يقول عنه الباحث محمد غرتيل "لقد ترأس اجتماع مجموعة 22 إنّه الشهيد البطل مصطفى بن بولعيد، أسد الأوراس وأب الثورة، هذا الرجل الشجاع الكريم السخي الذي تعرّفنا على بطولته من جبال الأوراس الأشم وعن ملحمة فراره من سجن الكدية لكننا نجهل أنه قدّم كل ما يملك لأجل الوطن وضحى بنفسه وماله فداء للحرية، رغم ثرائه وحالته الميسورة، إلاّ أنّه لم يدر ظهره لوطنه" وأضاف "الشهيد من مواليد 5 فيفري 1917 بآريس بباتنة، كان يملك مؤسسة للنقل، وتجارة مزدهرة وبساتين وحقول، كلّ هذه الأملاك زهد فيها وأنفقها بسخاء لشراء الأسلحة وصناعة القنابل وإيواء وتدريب المناضلين، وقد تميز بملامح الذكاء والرزانة والهدوء والاتزان والصرامة مما أهّله ليختار من طرف رفاقه لترأس هذا الاجتماع التاريخي".
ترى من القائل " ألقوا بالثورة للشارع يحتضنها الشعب "
هي مقولة تاريخية تكتب بماء الذهب، قالها في اجتماع مجموعة 22 عبقري الثورة "الحكيم" أو"زباتا".. كلّها ألقاب أطلقت على الشهيد الرمز العربي بن مهيدي، الذي لعب دورا كبيرا في التحضير للثورة، وقد قال هذه المقولة ليقنع رفاقه بعدما لاحظ تردّدا كبيرا وتخوفا من إشعال فتيل المعركة، تم اختياره ضمن لجنة الستة القيادية، ثم على رأس المنطقة الخامسة (الغرب الوهراني)، ترأس مؤتمر الصومام، وأصبح عضوا في لجنة التنسيق والتنفيذ، سطّر ملحمة في الثبات والصمود والتضحية لما تعرض لأبشع صنوف التعذيب لدرجة سلخ جلد وجهه ونزع فروة رأسه إلا أنه لم يخن وطنه فتحدى بذلك غرور المجرم بول أوساريس وكبرياء السفاح مارسيل بيجار، الذي اعترف بشجاعته لما قال "لو أن لي ثلة من أمثال بن مهيدي لغزوت العالم".
الشهيد زدور إبراهيم بلقاسم المهاجي ...محرّر بيان أول نوفمبر باللغة العربية
يقول غرتيل "يعتبر بيان أوّل نوفمبر أوّل وثيقة مرجعية للثورة، ودستورها المشرع ووسيلة إعلامية لإعلان حرب التحرير وإعلام الشعب بها ومحاججة فرنسا، التي رفضت كلّ الحلول السلمية ويحمل في طياته فلسفة الثورة وأساس بناء الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة، هذا النداء الراقي الذي صدر عن لجنة الستة القيادية (مصطفى بن بولعيد، ديدوش مراد، كريم بلقاسم، رابح بيطاط، العربي بن مهيدي) في اجتماع 23 أكتوبر 1954 بمنزل مراد بوقشورة، بالرايس حميدو، بعد أن وضعت خطوطه العريضة في اجتماع 10 أكتوبر، وتم صياغته باللغة الفرنسية والعربية، كتبه على الآلة الراقنة الصحفي محمد العيشاوي (صحفي بجريدة موند أراب) في منزل المجاهد علي زعموم، بقرية إغيل إيمولا بتيزي وزو، بعدما سلم له كريم بلقاسم نسخة منه (الآلة الراقنة موجودة في متحف المجاهد بالعاصمة)، وقد تم الاتصال بالطالب الشهيد زدور ابراهيم بلقاسم المهاجي، لصياغته للغة العربية وهو أول طالب مناضل وشهيد يسقط في الثورة التحريرية، ولد في 02 فيفري 1923م بوهران، نشأ في عائلة محافظة متدينة، ابن الشيخ الطيب المهاجي أحد أبرز علماء منطقة وهران، حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، درس بجامع الزيتونة، ثم انتقل إلى جامع الأزهر، تحصل على ليسانس أداب من جامعة القاهرة سنة 1953، أعتقل في 6 نوفمبر 1954 من طرف الاستعمار الفرنسي، وقتل تحت التعذيب أسبوعا فقط بعد اعتقاله، كان أديبا وشاعرًا وصحفيًا، حيث كتب عدّة مقالات بأسماء مستعارة منها عبد الرزاق الجزائري، ابراهيم الجزائري في جريدة "الأهرام".
يقول الأستاذ غرتيل "يبقى تاريخ استشهاده غير معروف بالضبط، حيث أنّ السلطات الفرنسية ادّعت أنّه فرّ من سجنه، غير أنّ بعض التقارير الصحفية تحدثت عن العثور على جثة في 30 نوفمبر 1954 ما بين برج الكيفان وشاطئ الجزائر ."وأضاف "يبقى زدور محمد إبراهيم رمزا للطلبة الجزائريين في كل الأوقات ومثلا عن مشاركتهم الفعالة في تحرير وبناء البلاد".
المذيع المصري أحمد سعيد أوّل من تلاه
"صوت العرب" إذاعة مصرية تبث من القاهرة تم انشاؤها في 4 جويلية 1953، كانت تبث لكل الأقطار العربية باللغة العربية، وكانت كلّ خطاباتها تهدف إلى الوحدة العربية ومناهضة الاستعمار الأجنبي للبلدان العربية فوقفت مع الثورة الجزائرية منذ البداية حيث بعث محمد بوضياف نسخة من بيان أول نوفمبر للإذاعة التي بثته في الموعد المحدد وقد تلى البيان المذيع أحمد سعيد، من مواليد 29 أوت 1925 اشتهر في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ترأس الإذاعة منذ تأسيسها وكان يقدم برنامج صوت العرب، عمل بها 14 سنة حتى استقالته عام 1967م، عرف بمصر والعالم العربي بصوته القوي وأسلوبه الحماسي توفي في 4 جوان 2018، لقد لعبت هذه الإذاعة المصرية دورا إعلاميا بارزا لدعم الثورة بدليل ما قاله الراحل أحمد بن بلة " صوت العرب هو صوت الثورة الجزائرية".
الشهيد شريط علي الشريف مطلق أوّل رصاصة
يروي محدّث "المساء" تفاصيل عن الشهيد البطل "شريط علي الشّريف " الذي ولد بتاريخ 6 أوت 1931 بمدينة سيق بولاية معسكر بالغرب الجزائري. كان ضمن جماعة وهران المفجّرة للثّورة بقيادة البطلين بن علّة الحاج وأحمد زبانة.
كان شريط علي الشريف مسؤولا على العمليات الفدائية وقد قاد ليلة أول نوفمبر 1954 فوجا من أجل الهجوم على مركز البارود بغرض الاستيلاء على السلاح وكان لهم عنصر حارس متعاون معهم من داخل مخزن البارود. وفي طريقهم لتنفيذ العملية، تفطن لهم سائق سيارة الأجرة التي أقلّتهم، وهو فرنسي من أصل يهودي واسمه صامويل أزولاي، نحو منطقة الكميل داخل وهران. فاضطر الشهيد شريط علي الشريف إلى تصفيته حتى لا ينكشف أمرهم فتفشل العملية. فبذلك كانت أول رصاصة على العدو ليلة أول نوفمبر، على الساعة الحادية عشر ليلا في 31 أكتوبر 1954، بعد الاستلاء على سلاح مركز البارود، ثم تحويل هذا السّلاح لصالح مجموعة أخرى متمركزة في شاطئ تارقة بقيادة الشّهيد البطل رحو قادة.
تمت محاكمة الشهيد ورفقاؤه من طرف المحكمة العسكرية بوهران يوم 18 ديسمبر سنة 1955، عددهم 15 منهم 8 منفّذين عملية القتل وهم الحاج بن علّة حكم عليه بالإعدام غيابيا، أما شريّط علي الشريف فحكم عليه بالإعدام حضوريا وهو قاتل سائق الطاكسي صامويل أزولاي بالرّصاص، فاتح محمد، حكم عليه بالأشغال الشّاقة المؤبدة، فاتح عبد اللّه حكم عليه بالإعدام حضوريا وهو الّذي ضرب بالسّكين سائق الطاكسي ولما حوكم كان مصابا بعد مشاركته في صدّ عملية القبض على أحمد زبانة في القعدة، معبد الغوثي، حكم عليه بالأشغال الشّاقة المؤبّدة، نقادي ولد علي، حكم عليه بـ 20 سنة سجن، الصغير عبد القادر حكم عليه بالأشغال الشّاقة المؤبّدة، براهيمي عبد القادر أستشهد بتاريخ 08-11-1954 في عمليّة القبض على زبانة في القعدة. يوم 18 ديسمبر سنة 1955، نقل شريط علي الشريف إلى زنزانته مكبلا بالسلاسل، لمدة سنتين حتى نفذ فيه حكم الإعدام بتاريخ 28/01/1958 بالمقصلة .
كتبت بالدم "لم يكن يصغى لنا لما نطقنا فاتخذنا رنة البارود وزنا "
في الأخير، أكّد غرتيل، على أنّ ثورة أوّل نوفمبر المجيدة هي ثورة شعب أبي رافض للذل والهوان، مقاوم مكافح وقف في وجه المعتدي منذ أن دنّس تراب أرضه الطاهرة، هي تتويج لمسار طويل من الكفاح و النضال ضد استدمار مجرم سخر آلته القمعية الهمجية لإخراسه وإبقائه دوما تحت العبودية، لكنّه انتفض وثار ليخوض آخر معركة انتهت باسترجاع السيادة وتحطيم الأغلال بعد 132 سنة من الاحتلال، وقد صدق شاعر الثورة لما قال وهو يخط نشيد قسما بدمه "لم يكن يصغى لنا لما نطقنا فاتخذنا رنة البارود وزنا ".