مؤشّرات إيجابية تؤكّد تعافي الاقتصاد بشهادة هيئات دولية

مشاريع لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليص فاتورة الاستيراد

مشاريع لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليص فاتورة الاستيراد
  • 101

 ❊ مشاريع لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليص فاتورة الاستيراد

❊ الأمن الغذائي والاستغلال المنجمي قاطرة الإقلاع الاقتصادي

❊الجزائر تنتقل بخطى ثابتة من اقتصاد موجه إلى متنوع

عرف الاقتصاد الجزائري نقلة نوعية جعلته يحتل المرتبة الثالثة افريقيا، وذلك من خلال إطلاق عدّة مشاريع استراتيجية ضخمة ستمكّن من الانتقال من اقتصاد موجّه الى اقتصاد متنوع، بالاستثمار في مشاريع من شأنها تحقيق الاكتفاء الذاتي والتقليل من التبعية للخارج، من خلال تقليص فاتورة الاستيراد والحفاظ على احتياطي الصرف، وكذا رفع حجم الصادرات خارج المحروقات التي قاربت لأوّل مرة 7 مليار دولار في 2023.

تؤكّد المؤشرات والأرقام التي قدّمتها الهيئات الاقتصادية العالمية أنّ الاقتصاد الجزائري حقّق إقلاعا لا بأس به في المدة الأخيرة، رغم الظروف العالمية الصعبة التي هزت كبرى الاقتصادات في العالم، بسبب أزمة كورونا وأدّت إلى ارتفاع نسبة التضخّم والأسعار في الأسواق العالمية.
وأرجع الخبير في الاقتصاد حكيم بوحرب في حديثه لـ"المساء" هذه النتائج إلى الاستراتيجية التي سطّرتها الدولة من خلال إطلاق مشاريع مهمة في قطاعات الفلاحة والصناعة وترشيد الاستيراد، ما مكّن من وقف نزيف الخزينة العمومية ورفع مداخيل الدولة باسترجاع مليارات الدولارات من الأموال المنهوبة. ناهيك عن التوجّه نحو الاستثمار في القطاع المنجمي والطاقوي الذي سيجعل من الجزائر رقما صعبا في السوق الدولية مستقبلا، بفضل الجدية في التعامل مع الملفات الاقتصادية ووجود إرادة سياسية حقيقية لتنويع الاقتصاد، مشيرا إلى أنّ الاستراتيجية ستمكّن من رفع نسب النمو إلى 5 و6 بالمائة مستقبلا.
وبفضل هذه السياسة بات الاقتصاد الجزائري الذي ظلّ ريعيا موجها يسير تدريجيا نحو التنوّع، إذ أصبح يُصنّف في المرتبة الثالثة إفريقيا بعد جنوب افريقيا ومصر، كما أكّده تقرير البنك العالمي.

رفع الناتج الداخلي الخام إلى 400 مليار دولار في2026

ويأتي ذلك في وقت رجّح فيه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أن يفوق الناتج الداخلي الخام 400 مليار دولار خلال النصف الأوّل من عام 2026، بعد أن قُدّرت نسبة النمو الاقتصادي هذه السنة 4.2 بالمائة، وارتفاع احتياطي الصرف إلى 70 مليار دولار، وهو الرقم الذي وصفه "بنك الجزائر" في تقريره السنوي لسنة 2023 بأنّه يفوق التوصيات الدولية. في الوقت الذي يعمل فيه الرئيس على تحسين أرقام الخزينة وتقليص مستويات العجز وتحقيق مؤشّرات مريحة وإحراز فائض في مختلف الموازين التجارية والدفع.

فائض في الميزان التجاري بـ 3.75 مليار دولار

ومن مؤشّرات تعافي الاقتصاد الوطني أيضا النتائج التي حقّقها الميزان التجاري خلال السبعة أشهر الأولى من سنة 2024 فائضا قدره 3.75 مليار دولار أمريكي، حيث بلغت قيمة الواردات 26.62 مليار دولار، بينما بلغت قيمة الصادرات 30.36 مليار دولار، علما أنّ الصادرات خارج المحروقات بلغت لأوّل مرة 7 ملايير دولار في 2023، ومن المنتظر أن تصل إلى 15 مليار دولار خلال الخمس سنوات القادمة وإلى 30 مليار دولار في 2030 حسب الأهداف المعلن عنها.
يأتي ذلك في وقت سجّلت فيه الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار حوالي 9 آلاف مشروع استثماري، ما من شأنه المساهمة في خلق الثروة ومناصب الشغل. علما أنّ رئيس الجمهورية تعهّد بعد انتخابه لعهدة ثانية برفع عدد المشاريع الاستثمارية إلى 20 ألف مشروع، بعد أن التزم خلال حملته الانتخابية بإطلاق 3800 مشروع استثماري سيستحدث 300 ألف منصب شغل. وهي رؤية صائبة يمكن أن تتجسّد من خلال الموقع الاستراتيجي للجزائر، وبفضل الإصلاحات الاقتصادية التي ساهمت في تحسين مناخ الأعمال التي تمنح للجزائر جاذبية في جلب الاستثمارات بفضل الاستقرار الذي تشهده البلاد والإمكانيات المالية التي تتوفّر عليها.

استرجاع 51 مؤسّسة وملايير الدولارات المنهوبة

وتمكّنت الجزائر في إطار محاربة الفساد من استرجاع 51 مؤسّسة مصادرة من طرف العدالة، والعمل حاليا على إعادتها لسكة الإنتاج، في انتظار استرجاع 26 مؤسّسة أخرى ليصل العدد إلى 77 مؤسّسة مسترجعة مع نهاية السنة. إضافة إلى ملايير الدولارات المنهوبة، وهو ما يعكس وجود إرادة جادة في محاربة الفساد، ما أسفر عن ارتقاء الجزائر ضمن مؤشّر مدركات الفساد سنة 2023 بـ8 درجات مرة واحدة.
ومن عوامل تقدّم الاقتصاد الوطني وتنوّعه أيضا، تحسّن أداء قطاعات ذات تشابك كبير مثل الصناعة التي سوف تنتقل مساهمتها في الناتج المحلي الخام من 5 بالمائة سنة 2024 إلى 9.3 بالمائة سنة 2026 إلى 12 بالمائة بعد خمس سنوات، والأمر نفسه بالنسبة للفلاحة التي تفوق مساهمتها 5 بالمائة.
كما سيكون للإصلاحات والمشاريع المجسّدة في المجال المالي نتائج ملموسة مستقبلا في تحريك عجلة الاقتصاد، خاصة وأنّ الرئيس تبون تعهّد بالقيام بإصلاحات ضريبية شاملة تراهن على التحصيل الضريبي وتحقيق مرونة ضريبية تمكّن من استقطاب مشاريع جديدة تدعم الاقتصاد، مع استكمال مسار الإصلاح المالي والمصرفي بعد أن بادر خلال عهدته الأولى بتعديل قانون النقد والقرض ودعم فرص البنوك لجذب رؤوس الأموال من خلال خدمات الصيرفة الإسلامية، وفتح رؤوس أموال بنكين عموميين، بالإضافة إلى مشاريع فتح بنوك جزائرية بالخارج.

اكتفاء ذاتي قريب المنال سيعزّز الأمن الغذائي

من نقاط القوّة التي تعول عليها الجزائر، للتخلّص من التبعية للخارج والحفاظ على العملة الصعبة بالتقليل من فاتورة الاستيراد ومنها التوجّه نحو التصدير، هي تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب، والشعير، والذرة، حيث تعهّد رئيس الجمهورية ببلوغ هذا الهدف والتوقّف عن استيراد القمح الصلب نهائيا مع نهاية 2025 وكذا التوقّف عن استيراد الشعير والذرة سنة 2026، بعد التمكّن من إنتاج 80 بالمائة من الحاجيات الوطنية السنوية خلال هذا الموسم. حيث سمح الإنتاج الوفير من القمح الصلب خلال الموسم الأخير بتوفير 1.2 مليار دولار لخزينة الدولة.
وأبرز رئيس الجمهورية أنّ بلوغ هذا الهدف الاستراتيجي سيكون عبر توسيع المساحة المزروعة في الجنوب الكبير إلى 500 ألف هكتار، تشمل الاستثمار القطري بالأساس عبر مساحة 117 ألف هكتار، والإيطالي في 36 ألف هكتار، إلى جانب الاستثمارات الوطنية في 120 ألف هكتار.
وسيتم تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب ضمن المخطّط الوطني لتنمية الزراعات الاستراتيجية، الذي يتضمّن أيضا إطلاق إنجاز 30 وحدة من صوامع تخزين الحبوب بقدرة تصل لـ30 مليون قنطار، وإنجاز 350 مركز جواري للتخزين الوسيط للحبوب عبر الوطن، وكذا إعادة إطلاق مشروع تشييد 16 صومعة معدنية لتخزين هذه المادة الحيوية، وهذا من أجل رفع طاقة التخزين، وتكوين مخزون استراتيجي طويل المدى بقدرة 9 ملايين طن، لتغطية الاحتياجات الوطنية من القمح الصلب واللين.
ومن التدابير التي ساهمت في الدفع بالقطاع الفلاحي وإيلاء اهتمام خاص للفلاحة الاستراتيجية أيضا، هي إنشاء بنك للبذور وإعطاء دور جديد للمزارع النموذجية والترخيص باستيراد العتاد الفلاحي المستعمل. إلى جانب رفع العقبات فيما يتعلّق بالإنتاج الحيواني، على غرار تلك المتعلّقة بتربية الدواجن والأبقار والمائيات، وتسوية نهائية لمشكلة تغذية الأنعام ورفع نسبة المساحات المسقية وتنمية الموارد في الهضاب العليا.

"غار جبيلات"..كنز من حديد لتجسيد التنويع الاقتصادي

عمل رئيس الجمهورية منذ عهدته الأولى على تحقيق إقلاع اقتصادي من خلال إعطاء الأهمية والأولوية للإمكانيات النائمة التي تزخر بها الجزائر، والتي تؤهلها لأن تتموقع كقوّة اقتصادية إقليميا ودوليا، باستغلال الثروات الباطنية والمعادن النادرة من حديد، رصاص، زنك، ونحاس، وهو ما سيطوّر قطاع الصناعة الذي يعتمد بالدرجة الأولى على الصناعات الاستخراجية، ويُمكّن من جلب العملة الصعبة من خلال تصدير هذه الموارد والتخلي عن استيرادها.
ومن أبرز المشاريع التي يعول عليها في هذا المجال منجم "غار جبيلات" الذي تمّ الانطلاق في انجاز مصنع المعالجة الأوّلية لخام حديد به، والذي يعدّ أكبر استثمار منجمي في الجزائر منذ الاستقلال باحتياطي يصل إلى حوالي 5ر3 مليار طن من الحديد.وسيمرّ هذا المشروع الهيكلي بعدّة مراحل ممتدة من 2022 إلى 2040، حيث سيتم خلال المرحلة الأولى استخراج من 2 إلى 3 مليون طن في السنة من خام الحديد ونقله برا، فيما ستنطلق المرحلة الثانية بعد إنجاز خط السكة الحديدية، حيث سيتم استغلال المنجم بطاقة كبرى تسمح باستخراج من 40 الى 50 مليون طن سنويا. كما سيوفّر هذا المشروع العملاق كمرحلة أولى حوالي 3 آلاف منصب شغل واستحداث مهن حرفية أخرى ذات صلة.
ويكمن الرهان الأوّل بالنسبة للجزائر من وراء استغلال منجم "غارا جبيلات"، في توفير المادة الأولية لخام الحديد الذي تستورده سنويا بنحو مليار دولار، حيث يشكّل المنجم أحد أبرز معالم سياسة التحوّل الاقتصادي العميق للجزائر، فبعد أن كان هذا العملاق نائما بمثابة حديث الجميع دون أن يرى النور، ها هو "غارا جبيلات" هذا المنجم الذي تشكّل منذ قرون والذي تطلّب العديد من الأعمال البحثية، حلما يتحقّق أخيرا.

منجم وادي أميزور ورقة رابحة لنهضة اقتصادية

ومن أبرز المشاريع أيضا في القطاع المنجمي التي ستدفع بعجلة الاقتصاد مشروع منجم وادي أميزور ببجاية للزنك والرصاص الذي انطلقت أشغال إنجازه، ويعدّ أكبر منجم من نوعه في شمال إفريقيا وثالث أكبر احتياط عالمي، والذي سيكون قاطرة الاقتصاد الوطني وتحصينه من الهزات المتكرّرة لسوق النفط، ما يسمح بخلق قيمة مضافة من خلال تحويل هذه الموارد الطبيعية بدل تسويقها في شكلها الخام، وإيجاد مكانة في الأسواق العالمية وتحقيق مكاسب جيو- استراتيجية من خلال استقطاب استثمارات أجنبية تُسهّل عمليات التصدير بحكم علاقات الجزائر بمستثمريها في الأسواق الخارجية التي تشهد منافسة شرسة.
ويكتسي هذا المنجم أهمية قصوى من حيث احتياطه المقدّر بـ54 مليون طن، منها 34 مليون طن قابلة للاستغلال لمدة 20 عاما. حيث يستهدف المشروع استخراج 2 مليون طن من المعادن سنويا، عند دخوله حيز الاستغلال عام 2026، منها 170 ألف طن من مركز الزنك و30 ألف طن من الرصاص، مع العلم أنّ كمية الزنك قابلة للزيادة مستقبلا، حيث يمكنها بلوغ 250 ألف طن حين بلوغ المصنع ذروة الإنتاج، حسب الخبراء الذين يعتبرونه من بين أكبر خمسة مناجم عبر العالم.
ويتوقع أن يحقّق المشروع عند دخوله حيز الاستغلال رقم أعمال بقيمة 215 مليون دولار أمريكي وربح صافي يقدّر بـ 60 مليون دولار.

الجزائر الثانية إفريقيا بـ 7800 مؤسّسة ناشئة

تجسيدا لبرنامج التنوّع الاقتصادي تولي الجزائر أهمية قصوى للمؤسّسات الناشئة، حيث أصبحت تصنّف في المرتبة الثانية في إفريقيا بعد نيجيريا، من حيث عدد المؤسّسات الناشئة التي يفوق عددها 7800 مؤسّسة، 2300 منها تحصّلت على وسم مؤسّسة ناشئة، وهي التي لم تكون موجودة في التصنيف أصلا قبل سنة 2020.
وتعهّد رئيس الجمهورية برفع عدد هذه المؤسسات إلى 20 ألف خلال هذه العهدة، مع مواصلة الدولة لتمويلها ودعمها لخلق بيئة تساعد على الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد متنوّع المداخيل والمساهمة في القضاء على روح الاتكال على النفط وتقلبات أسعاره في الأسواق الدولية تكون فيه المؤسسات الناشئة القاطرة التي تقود هذا الانتقال.