شعارات من رحم الواقع

من البحث عن المتعة والجمال إلى العلاج المفقود

من البحث عن المتعة والجمال إلى العلاج المفقود
  • 346
أحلام محي الدين أحلام محي الدين

جمعت "المساء"، في هذا الملف، شهادات حية لأشخاص كانوا ينعمون بالصحة والهناء، فانقلبت حياتهم رأسا على عقب في رمشة عين بعد إصابتهم بمرض فقدان المناعة المكتسبة؛ على غرار "لينا" صاحبة 22 ربيعا، التي أصيبت بانهيار عصبي حاد بعد إبلاغها بخبر إصابتها بالإيدز بعد الكشف؛ بسبب استعمالها ما تبقّى من حقنة الفيلر 0.30 ملم، من حقنة استعملت جزءاً منها صديقتها، وابنة خالتها عند الحلاقة. وكذا إصابة الشاب "مراد. ك" بالفيروس؛ بسبب حقنة هيرويين تقاسمها مع صديق مدمن... وحكاية "عزيز" الذي حذّره الأصدقاء من الاقتراب من بائعة الهوى التي أغرته. حكايات تُدمي القلب، وتدعو المتلقي للانتباه إلى كل صغيرة وكبيرة في تفاصيل الحياة؛ لحماية الذات.

قصّت الشابة لينا صاحبة 22 ربيعا، لـ"المساء" حكايتها بعيون أثقلها الدمع؛ بفعل خديعة لم تكن في الحسبان، كما وصفتها، واستهتار دمّر حياتها؛ قالت: "تدمرت بحياتي رغم أني في مقتبل العمر، بعدما علمت بمرضي، بعد أن حقنتني الحلاّقة في أحد مراكز التجميل بما تبقّى من حقنة الفيلر التي استعملتها قريبتي وصديقتي الناشطة جنسيا مع عشيقها، وهي مطلقة وعمرها 33 سنة"... ثم تستجمع قواها وتواصل قصتها: "الهوس بالجمال حطّمني! لم أتصور يوما أن القليل مما تبقّى من حقنة قريبتي سيجعل حياتي جحيما! والمصيبة الأكبر عندما تقدم شاب لخطبتي والزواج مني، فانصرفت لإجراء التحاليل الطبية لأكتشف الأمر… طبعا تركني، ولم ينظر وراءه. وأكثر من هذا، وصفني بالخائنة رغم أنني أحضرت شهادة تثبت عذريتي... لقد بكيت بكاء مرا يومها. وطلب مني الشخص الذي سلّمني التحاليل في المركز، أن أتذكر كيف أصبت، سألني هل تتعاطين المخدرات؟ هل تمارسين الجنس؟ هل استعملت حقنة أو أدوات شخص آخر، وهنا تذكرت الفيلر المشؤوم، وطلبت من قريبتي أن تجري هي أيضا التحاليل، وفعلا كانت حاملة للفيروس منذ مدة". 

وتواصل لينا قصتها الحزينة: "ضاعت حياتي؛ فليس هناك من يقبل الارتباط بفتاة مصابة بالإيدز رغم أني بريئة من كل التهم التي يوجهها المجتمع للمصاب، وعلى رأسها الزنى… لقد خدعتني حقنة الفيلر... وأوصي الفتيات بعدم الركض وراء التفاهات كما حدث معي. وإن كان لا بد فيُستحسن أن يكون حقنها من طبيب محترف... لا تستعملوا أدوات أي أحد حتى وإن كان من الأهل؛ فالكثير يجهلون ما يحمله، أو يخفي الحقيقة ويدمّر الباقي". 

المتعة الحرام... دمّرتني

تحدثنا إلى عزيز الذي التقيناه بجمعية مختصة في مكافحة المخدرات ومساعدة المرضى رغم أنه في 26 من العمر. إلا أن ملامحه تنبئ بأنه متعب في درجة الشيخوخة. 

قصته مع "السيدا" بدأت منذ ثلاث سنوات، بعد أن أعجبته فتاة ذات شعر أشقر، وقوام رشيق. راودته عن نفسه وهو يجوب الشارع بسيارة شقيقه الأكبر، فدخل معها في علاقة رغم نصح أصدقائه له، كما أكد في حديثه إلـى "المساء" ؛ قال: "لم أستمع لنصيحة أصدقائي وأبناء الحي بضرورة الابتعاد عنها؛ لأنها فتاة مشبوهة وتتعاطى المخدرات. لم أفكر في العواقب وأنا أرتكب المعاصي. كنت أريد المتعة مقابل المال، أو مقابل اصطحابها إلى المطاعم. كنت أعرف أنها تتعاطى المخدرات، لكنها لم تخبرني عن إصابتها بالإيدز. كانت تلحّ على الاقتراب مني أكثر حتى أوقعتني في شباك الرذيلة. كل ما همَّني وقتذاك أن يقال إنني بصحبة فتاة جميلة". 

ومرت الأيام، وبدأ عزيز يشعر بالتعب والإرهاق إلى أن جاء اليوم الذي اكتسى جسمَه طفح جلدي حاد، فاصطحبه والده إلى الطبيب، الذي أعطاه علاجا، وطلب منه إجراء التحاليل بعد الانتهاء من تناول الدواء. ومع إصرار الطبيب على جلب التحاليل ما كان من الوالد إلا أن طلب من ابنه مرافقته لإجرائها، في الوقت الذي تخاذل الشاب؛ لاعتقاده أنها نتاج مخدر مسموم. كما قام بإخفاء الطفح الجلدي. 

وواصل عزيز سرد مأساته: "لم يرضخ والدي لرفضي، بل أخذني عنوة إلى المخبر. وهناك انقلبت حياتي رأسا على عقب عندما تسلمت التحاليل الإيجابية التي مفادها الإصابة بالسيدا بعد أن أخبرني المكلف بالإصابة. أردت أن أضربه في تعبير مني عن الرفض، وعدم تقبّل النتائج؛ إذ شكّكت في أن هناك خطأ، فما كان من فريق الكشف إلا أن طلب مني إعادة التحاليل. وبالفعل أعدتها، وجلست أنتظر النتيجة على أحرّ من الجمر وسط دموع والدتي القاهرة، والتفكير في كيفية التعامل معي إذا كان الأمر صحيحا" ، لتأتي الصاعقة : "نعم أنت مصاب بالسيدا، ويمكنك العلاج... هذه الكلمات سقطت كبركان حارق على روحي! أشعرتني بالضياع... كل شيء جميل أصبح من الماضي؛ الصحة، والاحترام، والحياة.. شعرت بالندم؛ لأنني غرقت في المتعة الحرام، ودفعت الثمن غاليا...عزلني أهلي في غرفة لوحدي... حياتنا أصبحت صعبة  جدا، ومازلت إلى اليوم أحدّث نفسي... يا ليتني سمعت لتحذير ربي وأصدقائي؛ " ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا". 

حقنة الهيرويين الوريدية المشتركة

خلال مجريات إعداد هذا الملف من طرف "المساء" حول المخدرات، صادفت الشاب "مراد. ك" البالغ من العمر 30 سنة، بأحد الأحياء الشعبية المعروفة بنقاطها السوداء في تعاطي المخدرات. اختار أن يقدم نصيحة للشباب؛ ليس، فقط، للابتعاد عن المخدرات والفرار منها كما يفر المرء من الطاعون، بل للحذر أيضا؛ لكونها وراء الإصابة بالعديد من الأمراض المعدية والفتّاكة؛ بسبب استعمال المواد الملوّثة في حقن بعض الأنواع من المخدرات مثل الهيروين؛ إذ قال: " كنت أتعاطى المخدرات الصلبة؛ على غرار أقراص البريغابلين، إلى أن تعرفت على شاب غني جدا، جاء لشراء المخدرات. وقتذاك أرشدته إلى البائع. تبادلنا أرقام الهاتف، ليتصل بي بعدها ويدعوني لسهرة بأحد الملاهي. هناك تعرفت على أنواع جديدة من المخدرات باهظة الثمن. كان يدفع عني حقنة الهرويين من وقت لآخر. وحدث مرة أننا لم نجد الكفاية من إبر الحقن الوريدية، فاستعملنا نحن الثلاثة، أنا وهو وصديقه الغني الآخر، حقنة واحدة في ثلاثة خيوط من الهرويين، لأعرف بعد سنة ونصف سنة أنني مصاب بالإيدز! "... يسكت وبأنفاس محترقة يواصل: "والآن ضيّعت كل شيء... والدي توفي بسكتة قلبية من وقع الخبر. وأمي أصيبت بالسكري والضغط، وهي تعاني الآن. وأنا أعيش في الضياع بعد أن خسرت شبابي، ومن كنت أحب! ".