إثيوبيا: شعب كسرى المختار .. عاد
إثيوبيا اليوم، أحد الأصدقاء الدائمين للجزائر على مر التاريخ. أصبحت تحتل المرتبة الخامسة كقوة اقتصادية في إفريقيا. ووتيرة نمو الاقتصاد الإثيوبي هي من بين الأقوى حاليا، ليس في إفريقيا فحسب، بل في العالم. قبل سنوات ليست بالبعيدة عن أذهان الجزائريين والأفارقة، اقترن هذا البلد بالاضطرابات والمجاعة. وبلغت أوصاف وتعابير البعض في كثير من المجالس إلى حد التهكم والتجريح عن الوضع في أثيوبيا!؟، كالقول بأن هذا الشخص نحيف كأنه جاء من إثيوبيا، كناية عن الجوع والفقر، استهزاء لا مبرر له بالتأكيد، لكن يعني الحالة التي كان عليها أصدقاؤنا في بلد له حضارة وتاريخ. ولأن الشعوب التي لها تاريخ وحضارات لا تموت ولا يمكن أن تزول أو تختفي، فإن الإثيوبيين عادوا وهم قادمون كقوة اقتصادية، بل هم مرشحون من قبل عديد الخبراء أن يكونوا في مقدمة البلدان الإفريقية التي ستطعم إفريقيا وشعوب أخرى كثيرة في العالم.
زرت هذا البلد الصديق مرتين. وفي فترتين متباعدتين، لاحظت سرعة تغير الأوضاع العمرانية والاقتصادية والتجارية والخدماتية. وأعترف أن أول بلد تحسست فيه النقال والأنترنت ووسائل الاتصال والتكنولوجيات الحديثة في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا ونيجيريا هي أثيوبيا. وأعترف أيضا أنني تساءلت في تلك الزيارة الأولى للحبشة وباستغراب عن تلك المفارقة؟! بين وضع اقتصادي واجتماعي صعب حد الشفقة، وتوفر تلك التكنولوجيا ووسائل الاتصال المتطورة. الإثيوبيون يتمتعون بإنسانية وروح اجتماعية خارقة للعادة، هم متمسكون بتفاصيل حضارتهم وعاداتهم ولغتهم، لكن هم متفتحون بطبعهم على الآخرين دون أدنى تحفظ. يحبذون دائما الأفضل.
كانت جدتي رحمها الله تقول وهي توصينا بأخذ العبرة من كل الناس والأقوام، أن نكون نحن. كما نحن بإيجابياتنا وسلبياتنا، أن نستفيد من نجاحات الآخرين دون أن ننصهر في عاداتهم وقشورهم... ورغم أنها لم تدخل مدرسة في حياتها ولم تشتر ديبلوما أو ليسانس أو رسالة ماجستير أونقاطا تضيفهم لتضخيم نقاط النجاح كما يفعلون اليوم... إلا أنها أدركت مسبقا بأن الشعوب التي تعتمد على سواعدها وإمكانياتها هي شعوب لا تموت. بل شعوب خلقت للقيادة، ولنا أمثلة وتجارب اليابان والصين والفيتنام وكوريا وإندونيسيا وماليزيا... إذن العبرة ليست بعدد السكان ولكن بمدى قدرة الشعوب على تخطي محنها وتجاوز أوضاعها الصعبة.. لن يتأتى ذلك إلا بالاعتماد على النفس والعمل، والعمل دون سواه.