قوة الدولة: أن يعود أبناؤها عبر الحدود وليس عبر "اللحود"
السيد عبد الحميد إبراهيمي (وزير أول سابق في الثمانينات)، عاد أمس من منفاه الاختياري إلى الجزائر بعد ثلاثين سنة من الغربة التي اختارها طواعية. هذا يعني أن الذين بلغوا اليوم 45 سنة من العمر على الأقل (اعتبارا أن بداية تذوق الشباب للسياسة لا تتم قبل 15 سنة على الأقل. إذا لم تكن أكثر من هذا السن)، لا تعني ربما لهم شيئا عودة الذي فجر "قنبلة" 26 مليار دولار وفي هذه الجريدة بالذات (المساء).
الإبراهيمي عاد "متخفيا" كما قال. دون أن يعلم أحدا. سوى أحد أصدقائه المقربين ومحاميا (؟). عاد دون إشهار أوضجيج. تماما كما غادر الجزائر لما اختلف مع الحكم والحكام في مطلع الثمانينات. دخل الجزائر دون أدنى مضايقة أو استفسار أوتوقيف من سين وجيم. يعني ليس هناك أية متابعة أو ملف ضده!؟.
الإبراهيمي عاد عشية المصادقة على دستور جديد. لا رابط بين عودة سي عبد الحميد والتعديل الدستوري سوى أن صفحة جديدة فتحت تؤرخ لمرحلة جديدة. وأن الجزائر فتحت "قلبها" لعودة أبنائها في مشارق الأرض ومغاربها، سواء أولئك الذين فروا أيام الجنون والدم، أو أولئك الذين اختاروا منفاهم طواعية لحسابات ضد السلطة أو طمعا في السلطة. أو حتى أولئك الذين "غرر" بهم وأخطأوا التوقيت والمكان.
عودة الإبراهيمي قد لا تعني شيئا في نظر من هم تحت 40 سنة. فحين هاجر الرجل لم يولدوا بعد. لكن من منظور سياسي، فإنها تعني الكثير.
قد لا يسجل التاريخ يوم عودة الرجل، لكن بالتأكيد سيسجل قبة الحكم الذي فر منه والحكم الذي عاد إلى بلاده فيه. الفرق واضح وشاسع بين أن يعود الجزائري إلى وطنه في صندوق. أو أن يعود عبر الحدود دون مضايقة.
نحن مع عودة كل الجزائريين الراغبين طبعا في العودة عبر الحدود وليس في صناديق. إن قوة الدولة هي أيضا في العفو وفي اختيار توقيت الصفح.