"نعم نستطيع.."
يستقبل ميناء دبي سنويا 14 مليون حاوية من مختلف الأحجام، قبل أن تأخذ اتجاهاتها إلى كل بقاع الدنيا. عملية تتم بيسر كبير وبسهولة لا تتعب أحدا لأن التكنولوجيا في هذا البلد الصغير بمساحته والكبير بثرائه وتطوره، تستند أساسا إلى الرقمنة وتنظيم دقيق يتم دون بيروقراطية.. كل شيء يجري أوتوماتيكيا ودون عرقلة، لا يحتاج المصدر أو المستورد إلى "وساطة".
قلت 14 مليون حاوية، رقم في حد ذاته مذهل قد لا يتوفر في بلدان أخرى ندرجها ضمن البلدان المتطورة، ومع ذلك تجري عمليات الشحن والتفريغ بدون عناء.
مقارنة بميناء دبي، فإن موانئ الجزائر مجتمعة لا تستوعب بالإمكانيات الحالية التنظيمية والبشرية وحتى "الذهنية" أكثر من 800 ألف حاوية. والجميع يعلم حجم المعاناة والبيروقراطية وشرنقة "البيسطون" التي يتخبط فيها المصدرون والمستوردون.
لذلك إن قرار الحكومة إنجاز ميناء شرشال بمقاييس عالمية ليس فقط محبذا، بل أكثر من ضرورة وأمرا مستعجلا. يقولون إن ميناء أمستردام في هولاندا وميناء فيلادلفيا في الولايات المتحدة الأمريكية وميناء دبي في الإمارات العربية المتحدة وغيرها من الموانئ الكبرى في العالم أصبحت مداخيلها الاقتصادية والمالية تشكل نصف الثروة، ومحركا رئيسيا للتنمية الشاملة، ناهيك عن اليد العاملة، بل أصبحت تلك الموانئ تدرج ضمن المعادلات السياسية الدولية، وتحسب في إستراتيجية التوازنات الكبرى.
فهل تتحول شرشال بعد إنجاز الميناء إلى منبع لمرحلة ما بعد البترول وللثروة الشاملة؟. إرادة السياسيين وسواعد الجزائريين بإمكانها أن تكسب رهان شرشال. الاقتصاد المتجدد يبدأ أيضا من ميناء شرشال. علينا فقط أن نغير ما بأنفسنا وأن نغير ذهنياتنا "العمومية" من منطق الزردة والانتظار إلى تحرر يقطع دابر التردد و«أنصاف الحلول". لقد انتهى دور الدولة المانحة للأرزاق. ويجب أن تبدأ مرحلة التحرير الكبرى من كل أشكال التبعية والبيروقراطية و«البيسطون".. مرحلة الكفاءات والإنتاج والاكتفاء والتصدير...