يهمنا الفرز اليوم قبل.. غد
توبيرا: هذه السيدة يمكن اعتبارها امرأة فوق المألوف، أو حتى امرأة فوق العادي. إني أتحدث عن وزيرة العدل الفرنسية المستقيلة مؤخرا احتجاجا على قانون نزع الجنسية الذي اعتبرته متعارضا مع حقوق الإنسان ومنافيا لمبادئ الديمقراطية والثورة الفرنسية، بل أدرجته في خانة التضييق على الحريات والانفتاح.
ليس هذا ما أريد أن أكتب عنه اليوم، أو ما استوقفني من تصريحاتها.
ما أثار تقديري وشد إعجابي بهذه السيدة هو: وفاءها. فهي متمسكة بمبادئها دون مزايدة أو بيع وشراء. صرحت أمس من نيويورك أن استقالتها من الحكومة الفرنسية (من وزارة العدل تحديدا) لن يغير شيئا من تقديرها ودعمها للرئيس هولاند. وتعتبره الرئيس الأكفأ والأنسب لفرنسا. وأنه رئيس من الشرف العمل معه. هو رئيس من طينة خاصة كما ذكرت في محاضرتها بنيويورك.
حين أعيد اجترار تصريحات توبيرا في "مخبر" رأسي، تستوقفني أسماء عديدة من السياسيين والمسؤولين الجزائريين الذين ينطبق عليهم المثل الشعبي: " لا دين لا ملة"!؟. كثيرون يمسكون العصا من الوسط.
أعتقد أن من أسباب الأزمة أيضا، ومن أسباب "نفور" العديد من المواطنين هو هذه النماذج البشرية من المسؤولين. لا يختلفون في تصرفاتهم عن الخفافيش.
يستفيدون من الحكم ومزاياه ومواقعه وصلاحياته في الظاهر المباشر، لكن في الظل وداخل دواليبه وتفاصيله يعملون ضده. هذا النوع من المسؤولين هو أخطر نوع من "الخفافيش البشرية".
الرئيس بوتفليقة وحكومته ومؤسسات الجمهورية، جميعهم مطالبون بتطهير الصفوف من هذه الطحالب. إن نجاح أي مشروع أو سياسة أو حكومة لن يكتب له النجاح إذا استمر مثل هؤلاء في وضع رجل في عليين وأخرى تتزلف مغالطة وذرف دموع التماسيح مع المساكين. بتعبير مباشر: رجل في السلطة وأخرى في المعارضة. على هؤلاء اختيار مواقعهم ومواقفهم بوضوح تام. لقد دقت ساعة الحسم فليختاروا. ليس كفرا أن يختار المسؤول، أي كان موقعه أو السياسي المتحزب أو حتى الوزير أو الوالي ... إلخ. موقفا فهذا هو عين الديمقراطية. لكن الكفر هو أن يندس البعض بين الحكم والمعارضة، هذه قمة النفاق!؟. نحن كمواطنين أصبح يهمنا إبعاد هؤلاء، وأن يتم الفرز اليوم قبل غد حتى تنجح البرامج والسياسات والاختيارات، وإلا فإن الأمر يصبح كمن يصب الماء في الرمل.