"النيف والخسارة"..
وقفنا وتوقفنا في الذكرى 59 لعيدي الاستقلال والشباب، في وقفة كانت هذه المرة مغايرة لكلّ الوقفات السابقة واللاحقة..وإن كانت وقفة "الرجال الواقفون"، هي وقفة شهامة وبسالة وجرأة وشجاعة وكبرياء، لا يستسلمون، ينتصرون أو يستشهدون.
مصيبة فرنسا الاستعمارية، أنها اعتقدت في لحظة غرور وفجر، أن جيل الثورة آيل للزوال و"الانقراض" إن آجلا أم عاجلا، لكن "يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"، فقد تعرّضت "فافا" على مرّ التاريخ القديم والحديث، إلى الدهشة والرعشة، وهي تكتشف وتستكشف، بأن جيل الاستقلال هو امتداد لجيل الثورة، فذاك الشبل من ذاك الأسد.
ها هي الجزائر الجديدة تفتكّ ذاكرتها من "بقايا مستعمر" مهشّم وأضحى مجرّد حطام وذكريات بليدة مفزعة وبائسة، تلاحقها لعنة الشهداء، وبعدهم أبناءهم وأحفادهم، وهم يصرّون على استرجاع "إرثهم" المخطوف والمسلوب، مثلما استرجعوا ذات 5 جويلية حريتهم واستقلالهم، مدركين بأنهما شيء مقدّي يُأخذ بالحديد والنار ولا يُعطى أو يُهدى.
ها هو انتصار الأمس، يتواصل بنصر مبين من عند الله المعين، وبفضل رجال أحرار وأبطال أشاوس، نجحوا بعد معارك طويلة من استرجاع مجموعة أولى من جماجم شهداء ورموز المقاومة الشعبية، وهم يتمسّكون مثلما جاء على لسان رئيس الجمهورية، بمعالجة قضايا الذاكرة بلا تنازل أو خنوع أو تراجع.
ذكرى عيدي الاستقلال والشباب، دافع لحفظ الدروس، ولتغيير ما يجب تغييره وإنجاح الإصلاحات وبناء جزائر جديدة، وكلّ هذا وغيره، وفاء للشهداء الأبرار وكلّ الرجال الأحرار، وهو أيضا استجابة لحلم ملايين الجزائريين الذين خرجوا يوم 22 فيفري 2019 في حراك أصلي وأصيل كان من أجل جزائر واحدة موحدة قوية.
نعم، "ثورة" الإصلاحات والتغيير، تجري بأيادي الخيّرين والوطنيين من جيلي الثورة والاستقلال، فهما قوّة ضاربة ومفتاح يفتح كلّ أبواب الخير والتغيير والتطوير، وبين الجيلين حبل صرّي يمدّ بينهما إلى أبد الآبدين، وفي السرّاء والضراء، وفي اليسر والعسر.
الجزائر الجديدة، سيبنيها دون شك جيلي الثورة والاستقلال، فهما القاعدة والسقف..الأصل والفصل، وهما "الولود الودود"، يتعدّدون ويتجدّدن، لكن لا يتبدّدون أبدا، مهما كانت الظروف والأسباب والمتغيّرات، وهذا ما يُزعج اعداء الأمس واليوم، ويُقلقهم، ويقضّ مضاجعهم في الليل والنهار، فكلما سار الابن والحفيد على عهد أبيه وجدّه، اختلطت أوراق المتآمرين والمتربّصين.
استقلال الجزائر تحقّق بحرائر وأحرار هذه الأرض الطاهرة، التي ستحتضن قلاعا سياسية وديمقراطية واقتصادية ودبلوماسية وشعبية، قائمة على أسس صلبة، وليس فوق رمال متحرّكة، مثلما خطط له المستعمر الغاشم، وعمل عليه بعده أذنابه من بقايا العملاء و"الحركى" والخونة والمرضى بحنين المحتلّ!
لن تنفع الدسائس والقلاقل والمؤامرات الدنيئة، مع بلد لا يخنع، وشعب لا يركه إلاّ لخالق السموات والأرض، ودولة لا تتفاوض ولا تتنازل بشأن سيادتها وحرّية قرارها وثورية مبادئها الخالدة.. وكلّ ذلك، انطلاقا من مبدأ جوهري، أبدي وثابت: "النيف والخسارة" عندما يتعلق الأمر بجزائر صنعت المعجزات وستظلّ.