برلمان الابتزاز!؟
قد لا يفاجأ الجزائريون للتدخل السافر للبرلمان الأوروبي في الشؤون الداخلية للجزائر بحجة قديمة ـ جديدة واهية يسميها حقوق الإنسان. هذا المفهوم الفضفاض الذي يعد على مقاس ظروف أي بلد وعلى أمزجة أهواء أصحاب النزعة الفكرية الاستعمارية الفاشية التي مازالت بعد قرابة ٥٨ سنة من استقلال الجزائر بتضحيات شعبها لم تهضم أن مشروعها انهزم عسكريا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا.
ولكنهم في المقابل يتأسفون أن تتبنّى هيئة برلمانية في قارة تسمي نفسها قارة الحريات أفكارا وطروحات يمينية متطرفة لتتدخل في شؤون بلد وشعب أبهر العالم بثورته ضد الطغيان وبسلمية حراكه الشعبي الذي لم يشهد له العالم المعاصر مثيلا، وبدل أن يشيد "جيراننا" في الشمال بهذا السلوك الحضاري راحوا يختلقون الأكاذيب ويتباكون على حقوق الإنسان التي يزعمون أنها ديست خلال الحراك الشعبي.
ولعل المتأمل في صياغة لائحة البرلمان الأوروبي حول حقوق الإنسان في الجزائر، أن أصحابها قد أصيبوا بالخرف إذ نسوا أو تناسوا الحاضر ونبشوا في الماضي القريب والبعيد ليثيروا قضايا أصبحت من الماضي ليسقطوها على حاضر لا يمت بصلة لهذه المزاعم.
وفوق ذلك يعتز الشعب الجزائري بالمواقف التي اتخذت بشأن هذا التدخل السافر سواء على مستوى الهيئات الرسمية والأحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية التي وإن اختلفت حول مقاربات تسيير الشأن العام للبلاد أو أفضل السبل وأسرعها لحل الأزمة السياسية التي تعيشها أجمعت على التنديد الشديد بالتدخل في شؤونها خاصة وأنها في المنعرج الحاسم لطي الأزمة بانتخاب رئيس للبلاد يوم ١٢ ديسمبر المقبل، بكل نزاهة وشفافية وديمقراطية.
كما يثمّن المواقف الدولية التي عبّرت عن احترامها لسيادة الجزائر وحرية قرارها ومقارباتها لحل مشاكلها بعيدا عن المساومات الاقليمية والقارية والدولية. وهي التي تبنّت بالقول والفعل مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وفي عز الصراعات والحروب الداخلية التي عصفت بدول شقيقة نتيجة التدخل والإملاءات الخارجية التي تذكي الفتن بدل حصرها ووأدها، والأمثلة أشهر من أن تذكر، وتركتها في دوامة عنف واقتتال لا يعلم أحد متى ستنتهي.
وكان حريا بالبرلمان الأوروبي الغيور على حقوق الإنسان أن يتحرك نحو فلسطين المحتلّة، حيث تمارس الجرائم ضد الإنسانية صباح مساء، ونحو بورما وحتى في قلب عواصم أوروبية نفسها حيث يقمع المتظاهرون ويعتقلون بالعشرات.
إن مواقف البرلمان الأوروبي لا يمكن وضعها إلا في خانة "المصالح" ولا علاقة لها لا بالحريات ولا بحقوق الإنسان إلا بقدر ما تخدم هذه المصالح، وهذا ما يؤكده أشهر وزير خارجية للولايات المتحدة هنري كيسينجر، حين قال: "إن القوى العظمى لا مبادئ لها غير المصالح" ومن ثم يصدق المثل القائل "الشيء من مأتاه لا يستغرب".