حسابات الحقل .. ومحصول البيدر
يقولون خذ وطالب. ويقولون أيضا أن أصحاب الكرسي الشاغر دائما على خطإ. من حق أحزاب الموالاة أن ترحّب بوثيقة الدستور. وتعتبره حتى نقلة في إرساء الحكم التشاركي أو الديموقراطية. ومن حق المعارضين أيضا رفض الموجود والمطالبة بالمزيد. هذه أدوار في السياسة. في الجذب والمد. لكن لا توجد معارضة إلى الأبد. وإلا تصبح مهنة. ولا توجد كذلك تزكية مطلقة أو على بياض. وإلا سيُعتبر ذلك غلقا للأبواب وحتى من العبث السياسي غير المفيد.
السلطة تقول أنها فتحت أبواب الحوار والإثراء للجميع. بل وانتظرت المدعوين إلى الحوار من المعارضين. لكنهم لم يأتوا. ومن هذا المنطلق فإن السلطة تعتبر أنها قامت بما يجب القيام به. بل وتؤكد أن الباب سيظل مفتوحا إلى غاية المصادقة عليه. في المقابل تتفق المعارضة على اختلاف تموقعها وحساباتها، على أنها تفضّل منطلقا مشتركا في إعداد وثيقة دستور يُعدّه الجميع. فيما يشبه الدعوة إلى "طبخة مشتركة" طبعا مجازا. على قياس مطلبها في إنشاء لجنة مستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات. وتؤكد أنها تمارس معارضة بنّاءة ضد خصومها السياسيين. إذ ليسوا أعداء، فهم أيضا جزائريون. جاء هذا في تصريح أحد المعارضين أمس لـ "المساء".
نحن أمام أسمى وثيقة دستورية تستلزم. بل تفرض على الجميع تجاوز حسابات الحقل إلى ما جاءت به حصيلة البيدر. اليوم نحن أمام فرز المحصول. ونعتقد أن ما نلاحظه في البيدر من منتوج هو محصول إيجابي قد يكفي كل أفراد العائلة. قد تكون المعارضة تأمل في منتوج أوفر مما هو متوفر في الوثيقة المعروضة للإثراء والاستفتاء. لكن المعلوم بالتأكيد لدى الموالين والمعارضين على السواء. أن السياسة هي عمل تدرجي وليست وثيقة أُنزلت من السماء. يمكن أن نثمّن ما نعتبره مكسبا إضافيا يعزز الديموقراطية والحريات. ونواصل النضال من أجل تحقيق مكاسب أخرى. وهذا عمل ومهمة الأحزاب والسياسيين على الخصوص. المؤكد اليوم أن الوثيقة المعروضة اليوم للإثراء، حملت عديد الإيجابيات والمكاسب الديموقراطية. ويمكن القول أنها خطوة يجب تثمينها في طريق الديموقراطية.
بين تزكية الموالين. وتشدد المعارضين. ثمة طرف رئيسي في المعادلة. يكاد يُنسى على الدوام. ويركَّب في مؤخرة العربة بدل مكانته فوق الحصان، هو المواطن أو الشعب بمفهوم أعمق وأشمل. المطلب الشعبي، منذ أول دستور، يكاد يتوقف على ضرورة التطبيق. إن كثيرا من القوانين والقرارات الإيجابية ظلت حبيسة أدراج. ولو نُفّذت فعلا لما وصلنا إلى ما نحن عليه وفيه.