عيد الأعياد
ذكريات الجزائر مع ملاحم ثورتها المجيدة كثيرة بما يجعل أيام السنة في كل يوم منها أكثر من ذكرى لا تقل أهمية عن بقية الذكريات.
فقد عاشت الجزائر في تاريخها الحديث أبشع استعمار استدماري للبنى وللبشر وللهوية الوطنية، باعتماد سياسة الحديد والنار إلى الأرض المحروقة، وقد إنبرى من أبناء هذا الشعب الأبر من قاوم الاستعمار غداة الغزو من سيدي فرج وسجلوا ملاحم لن ينساها التاريخ مهما حاولوا تزوير حقائقه.
وتتالت الثورات والمقاومة بين طرفين غير متكافئ العدة والعتاد، مواجهات بين شعب مسالم أعزل في حرب كان شعارها "البندقية والصليب".
ولأن الخامس من جويلية جاء تتويجا لمقاومات دامت قرنا وربع القرن، وحرب تحريرية مباركة دامت سبع سنوات، ضحى فيها الشعب الجزائري بمليون ونصف المليون من خيرة أبنائه وبناته، فإن الخامس جويلية هو بكل افتخار ذكرى الذكريات وعيد الأعياد.
والخامس جويلية أيضا هو إنجاز ورمز، إنجاز لأنه جاء تجسيدا لهدف تحرري تحمّل فيه الشعب الجزائري مالا يستطيع أن يتحمله شعب غيره، فاستطاعت الثورة التي حققته أن تفتك باقتدار وصف "أعظم ثورة في العصر الحديث" وبفاتورة لم يدفعها أي شعب في سبيل استقلاله واستعادة حريته.
ورمز لأنه مازال وسيبقى بما يملكه من معاني العزة والكرامة والانتصار للشعورب الضعيفة رصيدا ثوريا في الكفاح المسلح كما في البناء والتشييد، بناء اقتصاد الوطن، وبناء إنسانه علميا واقتصاديا واجتماعيا وأكثر من ذلك وطنيا، حتى يكون محصنا من تأثير الدسائس والاستلاب الفكري.
وبالتالي، فإن الجزائر التي هذا هو ماضيها، والجيل الذي كانوا هؤلاء أسلافه لا يمكن إلا يكون في مستوى تحديات ما بعد الاستقلال، فقد نهض من فراغ ليبني في فترة وجيزة ـ قياسا بأعمار الشعوب ـ ما خربه الاستعمار الفرنسي في ١٣٢ سنة، واستعاد الإنسان بفضل تفاني كل الفئات الشعبية توازنه بسرع وحقق المعجزة الثانية بعد التحرير وهي بناء الدولة العصرية.
واليوم، نحن نعيش في عالم لا يرحم الضعيف، عالم تغلبت فيه المصالح على علاقات التعاون من أجل إسعاد الإنسانية الذي طالما لوح به الغرب، وهو يعمل عكس ذلك من خلال تدخلاته في الشؤون الداخلية للشعوب لإضعاف اقتصادياتها ورهن قراراتها السيادية، ولأننا معنيون بهذه التحديات التي تضاف إلى التحديات الداخلية، فإن الجهود المطلوبة من أبناء الأمة اليوم قد تكون أعظم من تلك التي كانت مطلوبة من أبنائها بالأمس، على اعتبار أنك من السهل أن تفتك استقلالك، ولكن من الصعب أن تحافظ عليه... وتلكم هي دروس عيد الاستقلال.