مناقصة لتوظيف سياسيين محترفين
بعض التصريحات التي يدلي بها هنا وهناك بعض السياسيين تعيدنا إلى سنوات الفوضى والجنون والتطرف اللفظي وحتى إلى العصيان. وإلا ما الفرق بين الذين رفعوا في بداية التسعينات شعارات ساقتنا إلى نهاية الدولة ومؤسساتها. وحصدنا من جرائها آلاف القتلى وخسائر قاربت 25 مليار دولار. بقطع النظر عما سببته المحنة والكارثة من تشريد وتشتيت للقدرات وللأسر وتقاتل أبناء العائلة الواحدة. وكذا تفويت لفرص الإقلاع التنموي والنمو وما تبع ذلك من تخلف وانحرافات. حين رفعوا شعارات: "لا ميثاق ولا دستور" !؟. أقول، ما الفرق بين مواقف أولئك الذين رفعوا شعار التمرد والعصيان بالأمس. والذين يرفضون الدستور الجديد اليوم جملة وتفصيلا !؟
لقد تمت المصادقة على الدستور الجديد بأغلبية ساحقة من طرف نواب الشعب. ولم يعد مهما اجترار "الشرعية.. أم لا" في نهاية العهدة. إذ لم يتبق منها سوى أشهر معدودات. تكرار ذلك يعتبر تسجيلا في الوقت الضائع كما يقول الرياضيون . أي أنها أهداف لن تحسب وليس لها معنى . بالمختصر المفيد نحن أمام دستور جديد معتمد. يجب التقيد به وبتفاصيله ومواده دون نقص أو زيادة. وإلا ستعتبر التصريحات ومزايدات الكلام لغوا. بل يمكن إدراجها في الخروج عن الدستور. والخروج عن الدستور هو إعلان العصيان. والخروج عن القوانين. فقهاء الدساتير والقوانين يؤكدون على أن قانونا ولو فيه بعض "النقائص" أفضل من العمل خارج القانون. بالتأكيد أن الدستور ليس قرآنا منزلا. لكن في كل أنحاء العالم يمجد على أنه أسمى القوانين. إذا لم نتقيد أو نلتزم بالدستور. فإن ذلك يعني ببساطة فتح أبواب الفوضى وحكم الغاب.
نحن لا ندعو إلى منطق "مكتفين مسلمين". ولكن إلى التقيد بالقوانين. ثم النضال من أجل تعديل موادها أو تغييرها. لكن أن نمارس الرفض جملة وتفصيلا لا أعتقد أنه الأسلوب الأمثل في تعاطي السياسة.
وزير الاتصال يدعو باستمرار الصحافيين إلى احتراف ومسؤولية أكبر. أمر أراه مناسبا من باب المقارنة مع الممارسة السياسية. فهل نضطر إلى إعلان مناقصة من أجل البحث أو توظيف "سياسيين أكثر احترافية" !؟. مادامت السياسة أصبحت مهنة في بلادنا.