“بيت الشعر الجزائري” يكرم رابح خدوسي بالبليدة
دعوة لكتابة التاريخ المحلي تحت أعين مختصين
- 1253
أجمع المشاركون في الندوة التي نظمت على شرف الأديب والناشر رابح خدوسي، على ضرورة الاقتداء بصاحب دار النشر “الحضارة” في الكتابة عن التاريخ المحلي، الذي يساهم من جانبه، في كتابة التاريخ الوطني، كما طالبوا بعودة مجلة “المعلم” التي كان يصدرها خدوسي، الذي اعتبره المتدخلون بمربي الأجيال والمنظر لأدب الطفل.
نظم بيت الشعر الجزائري، بالتنسيق مع جمعية المراسلين الصحفيين لولاية البليدة، نهاية الأسبوع الماضي، بمقر هذه الأخيرة، ندوة حول أعمال الأديب رابح خدوسي، أعقبتها تقديم قراءات شعرية من شعراء الولاية، كما تم بالمناسبة، تنصيب المكتب الولائي لبيت الشعر الجزائري بالبليدة.
وفي هذا السياق، قال رئيس مكتب بيت الشعر الجزائري، الشاعر سليمان جوادي، إن تنظيم مثل هذا النشاط، ضرورة للحديث عن المنجز الأدبي والتربوي لخدوسي، مضيفا أن جمعية المراسلين الصحفيين لولاية البليدة، وعلى رأسها الأستاذ نور الدين عراب، قد احتفت بالكاتب حينما ظفر بجائزة عالمية في أدب الطفل، وها هي اليوم تحتضن هذه الندوة، وفي نفس الوقت ميلاد بيت الشعر الولائي بالبليدة.
محمد أرزقي فراد: من حق خدوسي الكتابة عن التاريخ
من جهته، تحدث الكاتب محمد أرزقي فراد عن صديقه رابح خدوسي وحول كتابته للتاريخ، فقال؛ إن خدوسي مربي الأجيال والمتخصص في أدب الطفل، اتصل به لكي يؤلف كتابا في التاريخ فكان ميلاد كتيب حول شهداء الثورة، ليليه كتاب ثان حول شرشال، حينما كان أرزقي مديرا لثانوية بشرشال، حيث أبرز دور المدرسة التي كانت تابعة لجمعية العلماء المسلمين بشرشال في المقاومة الفكرية للاستعمار الفرنسي.
كما تطرق أرزقي إلى إعادة نشر “دار الحضارة” التي يملكها خدوسي لكتاب مهم جدا، وهو لأبي يعلى الزواوي، بعنوان “تاريخ الزواوة”، وهو الكتاب الذي جلبه الراحل سهيل خالدي من سوريا إلى الجزائر.
أضاف أن خدوسي كان مترددا في الكتابة عن التاريخ، لكنه شجعه مقدما حجة بأن كل من مبارك الميلي وتوفيق المدني وعبد الرحمن جيلالي ليسوا مؤرخين، ومع ذلك فقد كتبوا في التاريخ وأجمعوا على نقطة مهمة تمثل في التأكيد على جزائريتنا.
في هذا، قدم مثالا آخر بمحمد صغير فرج الذي كان حدادا، وكان قريبا من الحركة الإصلاحية، وقد نشر كتابا حول تاريخ تيزي وزو في الفترة الاستعمارية.
كما أكد المتحدث، أهمية كتاب رابح خدوسي “بني ميسرة الأطلس البليدي تاريخ وثقافة”، حيث كتب عن أمازيغ متيجة، الذين كانوا يسكنون جبال المنطقة، وكانوا يمتلكون ثروات نباتية وحيوانية معتبرة، مشيرا إلى أن كتابة التاريخ المحلي لبنة من لبنات التاريخ الوطني، بشرط أن تكون غايتها وطنية.
شاطر جوادي قول فراد معللا بمقولة أبي القاسم سعد الله، الذي حث على كتابة التاريخ المحلي، ومن ثمة غربلته من طرف مؤرخين محترفين. في المقابل، أضاف أن خدوسي اهتم أيضا بأدب الرحلة من خلال كتابته عن رحلاته، مثل محمد صالح رمضان الذي كان يفعل نفس الشيء ولو قام برحلة خفيفة.
محمد بوزواوي: خدوسي منظر أدب الطفل
أما الكاتب الدكتور محمد بوزواوي، فقد تناول الجانب الأدبي لرابح خدوسي، وفي هذا قال؛ إن خدوسي كان معلما يبني الأنفس والعقول، ثم مفتشا ليقوم باصدار مجلة المعلم مواصلة منه في توطيد العلاقة مع قطاع التربية، إلا أنها للأسف، وبفعل نقص التمويل، توقف إصدارها -يضيف محمد-.
في هذا، دعا المتحدث إلى إعادة إحياء المجلة ولو إلكترونيا، وهو ما قد سيحدث فعليا، مشيرا إلى نشر (دار الحضارة) لكتب شبه مدرسية مميزة، شارك في إنجاز ثلاثة منها، وتابع: “تعاملت مع أكثر من عشرين ناشرا، وخدوسي الوحيد الذي يقدم لك حلويات حينما يسلمك نسخا من كتابك الصادر حديثا، فعلا لفتة طيبة منه”.
وقد ذكر بوزواوي الأعمال الأدبية لخدوسي وهي روايتي (الضحية)(الغرباء)، وكذا مجموعاته القصصية من بينها (احتراق العصافير) و(وجوه وظواهر)، معتبرا خدوسي منظرا لأدب الطفل، في وقت يحبو أدب الطفل في الجزائر، بل أنه ما يزال في المهد.
تابع مجددا أن خدوسي اهتم أيضا بالكتابة في الأدب الشعبي، حيث له إصدار موسوعة الأمثال الشعبية الجزائرية، كتبها من خلال ما سمعه من أفواه الناس، وليس اعتمادا على الكتب، مضيفا أنه لو قام كل كاتب بجمع الأمثال الشعبية لمنطقته، لخرجنا بموسوعة شاملة للأدب الشعبي.
أضاف بوزواوي أن (دار الحضارة) كانت تنظم جائزة من مال صاحبها، تقدر بخمسة ملايين سنتيم، في وقت كان لهذه القيمة المالية شأن عظيم، مؤكدا أن ما قام به خدوسي يعتبر جهادا ثقافيا.
انتقل محمد إلى الحديث عن كتاب خدوسي (بني ميسرة الأطلس البليدي تاريخ وثقافة)، وتساءل عن كل من يقول إن خدوسي وعبد الرحمن الجيلالي وبسام عسلي وغيرهم غير مؤرخين، ليؤكد أننا لو سرنا على هذا النحو لأقصينا 70 بالمئة ممن يكتبون عن التاريخ في الجزائر.
وعاد محمد إلى كتاب خدوسي حول قبائل ميسرة، وقال إنه كتب فيه عن أمثال دارجة للمنطقة، وهي أمثال يمكن أن نجدها في كامل الجزائر، وحتى في الدول المجاورة، وهو دليل على اللحمة الجزائرية، وأن التراث الجزائري جامع وليس مفرقا بين المناطق.
كما تطرق إلى كتابة خدوسي حول استعانة الأمير عبد القادر بقبائل ميسرة، حينما اتخذ من المدية مركزا له، إضافة إلى مشاركتهم في الثورة التحريرية، وتحدث أيضا عن كتب أخرى لخدوسي، من بينها من تحمل شهادات مجاهدي المنطقة الذين ساهموا في تفجير الثورة في الفاتح من نوفمبر.
ثم انتقل إلى الحديث عن كتاب (موسوعة العلماء والأدباء الجزائريين) التي أشرف عليها خدوسي، وقال عنها بوزواوي، إنه قدم فيها ملاحظات ستدرج في الطبعة الثانية لهذين المجلدين، مضيفا أن مثل هذا العمل لم تستطع أن تقوم به مؤسسات قوية بميزانية ضخمة.
عبد الحميد بواريو: خدوسي مثقف وطني
تناوب بعض ضيوف الندوة لإلقاء شهاداتهم حول خدوسي، ومن بينهم الدكتور عبد الحميد بورايو، الذي قال؛ إن خدوسي مثقف وطني يمارس الثقافة في وجودها اليومي، وفي الحياة اليومية، وإنه الوحيد الذي يمارس مهنة النشر كمثقف.
كما طالب بواريو من خدوسي إعادة نشر كتب الميلي والجيلالي، لما لها من تأثير على تاريخ التربية الوطنية، وفي هذا قال: “نحتاج إلى الكتابة الأكاديمية للتاريخ، وإلى الكتابة التاريخية الوطنية”.
وقد نوه باهتمام خدوسي بالكتابة عن الأدب الشعبي، حيث أن العناية بالأوساط الشعبية تبني ثقافتنا الشاملة، مضيفا أن خدوسي قدم الأدب مراعيا جانب القراءة، ليقترح في آخر كلمته، الاستعانة بالمقالات الفرنسية الاستعمارية التي كتبت حول الأدب الشعبي في المتيجة لترجمتها ونشرها، حتى تمنح لنا مادة نتعرف من خلالها على الثقافة القديمة للجزائر، التي تؤكد عراقة المجتمع الجزائري.
للإشارة، تم منح للأديب رابح خدوسي، شهادة تقديرية من طرف المكتب الوطني لبيت الشعر الجزائري، هذا الأخير عين الأستاذ مراد رقيق رئيسا لفرعها 38 بولاية البليدة. كما تم تقديم قراءات شعرية لشعراء من مدينة الورود.