الذكرى 60 لتأسيس وكالة الأنباء الجزائرية

مبادئ راسخة وتضحيات خالدة ومساع رائدة

مبادئ راسخة وتضحيات خالدة ومساع رائدة
  • 401
ق. س ق. س

تحيي وكالة الأنباء الجزائرية ”وأج” بعد غد الذكرى 60 لإنشائها تحت شعار ”من التلغرافيا إلى الإعلام المتعدد الوسائط”، باستحضار نضال  المؤسسين وتضحيات السابقين وتواصل جهودها لتقديم منتوج إعلامي راق، هدفه الخدمة العمومية.

وتنظم الوكالة بهذه المناسبة، يوما دراسيا تحت رعاية الوزير الأول، وزير المالية، أيمن بن عبد الرحمن، يقوم خلاله مختصون بمناقشة  واقع الإعلام وتحديات حرب المعلومات ومجابهة الأخبار الوهمية، في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن تدشين وزير الاتصال، محمد بوسليماني متحف الوكالة.

وتواصل الوكالة تطوير أساليب عملها تماشيا مع التغيرات الحاصلة في المشهد الإعلامي وطبيعة العمل الصحفي بدخول عناصر جديدة في صناعة الخبر حيث تعمد ”وأج” على تحري الأخبار والحقائق وتدقيقها، كما تسعى إلى تجسيد خدمة عمومية فعالة تتجاوز الربح التجاري، فضلا عن تعزيز المصداقية بعيدا عن محاولة الانتشار والتأثير والبحث عن السبق الصحفي على حساب الموضوعية. وتسعى الوكالة في سياق هذه المقاربة على المحافظة على مكاسبها ومكانتها الريادية، من خلال إطلاقها ورشات لتطوير خدمتها العمومية وتفعيل آليات اليقظة الإعلامية لدحض الأخبار الكاذبة.

وعرفت، وكالة الأنباء الجزائرية، منذ تأسيسها في الفاتح ديسمبر 1961 بتونس، بقرار من المجلس الوطني للثورة، تحولات هامة وتكييفا مستمرا لطريقة ووسائل عملها، مواكبة للتطور السريع الذي عرفه مجال إنتاج المعلومة والتحولات التي عرفها المجتمع الجزائري.

ومنذ أول اجتماع لمؤسسي الوكالة، امحمد يزيد وعبد الله شريط وبيار شولي ومسعودي زيتوني وسارج ميشال، ناضلت الوكالة بمكتبيها الاثنين وصحفييها الأربعة، من أجل بث نشرة أسبوعية تتشكل من قصاصات مطبوعة عن طريق آلة ”الرونيو” وتحتوي على توجيهات الثورة وتعليقات الصحافة الأجنبية ونشاط جيش التحرير الوطني وشبكات الفدائيين. وكانت الوكالة سباقة في الاستثمار في الوسائل التكنولوجية الحديثة وعصرنة تجهيزاتها وتكوين مواردها البشرية، حيث كيفت طريقة عملها، نهاية ثمانينيات القرن الماضي مع تقنية الإعلام الآلي بتخليها عن التيلكس قبل أن تدخل باقتدار معترك الثورة الرقمية، انطلاقا من إستراتيجية جديدة تقوم على تنويع خدماتها، تزودت لأجلها سنة 2017 بأرضية تحريرية جديدة لتسيير مسار إنتاج المعلومة.

كما شرعت منذ نوفمبر 2018، في بث شريط أخبارها عبر القمر الصناعي الجزائري للاتصالات ”ألكوم سات-1” في سابقة من نوعها تشهدها الجزائر.

وتتوفر الوكالة على مراكز بيانات تستجيب لجميع احتياجات استضافة المواقع الالكترونية وتخزين المضامين المعلوماتية، كما  تحصي أربعة مواقع إعلامية باللغات العربية والأمازيغية والإنجليزية والفرنسية وتقدم منتجات ومضامين مختلفة من خلال مصلحة الوسائط المتعددة.

ويحرص على أداء هذه المهام 4515 موظف، من بينهم 221 صحفي و27 مترجما وفرق تقنية وقسم السمعي-البصري.

وتعتزم الوكالة إعادة نشر مكاتبها بالداخل لتغطية الولايات الجديدة العشر وبالخارج أيضا وذلك تعزيزا لدورها في الدفاع عن المصالح العليا للبلاد، تماشيا مع الاستراتيجية الجديدة لسياسة الجزائر الخارجية، كما تعتزم إنشاء موقع جديد باللغة الإسبانية قريبا.

وخلال المراحل الحساسة التي عاشتها الجزائر، كانت ”وأج” بمثابة القاطرة والمرجعية، كونها رافعت دائما من أجل مصلحة الوطن وحق المواطن في إعلام نزيه وموثوق، كما أنها واجهت بنور الحقيقة الظلاميين في فترة التسعينيات.

وبالرصانة وصوت الحق غطت مجريات الحراك الشعبي الأصيل سنة 2019 ونقلت بعناية فائقة مطالب الجزائريين الشرعية وغربلت الهتافات الطائشة والشعارات المدبرة والتحركات المدروسة وأثبتت أن منطلق خطها التحريري ومآله هو تطلعات المواطن الجزائري. 

ولم تحد الوكالة، عن دورها المحوري الذي بدأ منذ إعداد أول تحقيق لها خلال مفاوضات إيفيان في 18 مارس 1962، حيث نقل مراسلها آنذاك التصريح الأول لرئيس الوفد الجزائري، كريم بلقاسم بعد دقائق من هذا الحدث الهام وأصدرت أول نشرة للوكالة مزينة بألوان العلم الوطني نقلتها مختلف الوكالات الأجنبية.

شهداء الوطن والواجب.. مشعل يرفع بالتضحية

بالمدخل الرئيسي للوكالة سارية للعلم، تسقط عند قاعدتها كل الاعتبارات والتوجهات وتتلاشى حتى المحسنات البديعية. ويبقى الاعتبار الأوحد هو الوطن وقدسية الخبر وصدقية المعلومة. وفي بهوها لوحة تخلد ذكرى المؤسسين ورسالة الرواد وتذكر بأن القلم أيضا سلاح وأن المشعل يستلم باستحقاق ويرفع بالتضحية. وبها معروضات لأولى الآلات التي ساهمت في نقل الأحداث وسجلت بحرص كل محطات مسيرة بناء الجزائر المستقلة، حيث بدأت بآلة تيليغراف بسيطة كتبت عليها السيدة سليمة معدني أول برقية أرسلت إلى المقر المركزي للوكالة آنذاك، بتونس. 

وفي مبنى الوكالة الكائن بحي الأخوة بوعدو بالجزائر العاصمة، خلية نحل لا تهدأ إلا بعد أن تشيع أحد أفرادها إلى مثواهم الأخير، حيث كان آخرهم الصحفيون نجاة فنوش جادور وصلاح الدين قدور وكذا جمال الدين بسو الذي رحل العام الماضي، أسبوعا بعد احتفاله مع عائلة ”وأج” بذكرى تأسيسها 59 وقبل أن يحتفل مع عائلته الصغيرة بميلاده 53، حيث كان يرفع شعاره  بين الزملاء: ”سبحوا وأخلصوا وتحروا الصدق..”.

وسبق هؤلاء، الكثير من شهداء الوطن والواجب من صحفيين وتقنيين وإداريين وفي مقدمتهم، أول مراسلي الوكالة وهم بشهادة سابقة للمجاهد والصحفي الراحل، زهير إحدادن، مجاهدو ثورة التحرير المجيدة الذين كانوا ينقلون نشاطاتهم العسكرية ويصفون الوقائع من قلب المعركة لتنشر بعد ذلك عبر البرقيات، ليليهم بعد الاستقلال كل الذين قضوا في مهام رسمية أو خلال المأساة الوطنية.

وفقدت الوكالة الراحلين أحمد عبد اللطيف ومحمد طالب اللذين توفيا خلال مرافقتهما للرئيس الراحل هواري بومدين في زيارته إلى دولة فيتنام سنة 1974 ومولود آيت قاسي، الذي كان ضمن ضحايا تحطم طائرة البعثة الجزائرية التي كان يقودها الفقيد محمد بن يحيى سنة 1982 وسيد علي بن مشيش الذي سقط خلال أحداث أكتوبر 1988.

كما فقدت ”وأج” خيرة أبنائها خلال العشرية السوداء على غرار الصحفيين محمد لمين لقوي وإسماعيل زباغدي ومحمد الصالح بن عاشور والإداري أحمد خلفون والتقني أورهون محمود.

رحل هؤلاء وعلموا من خلفهم قيمة التضحية ومبدأ نكران الذات، صحيح أن الصحفي في برقيات الوكالة هو مجرد رقم يظهر في آخرها، غير أن لهذا الرقم قيمة ثابتة في معادلة كثيرة المتغيرات ركائزها المصداقية والخدمة العمومية،، وصحيح أيضا أنه مجرد رمز تعريفي غير أنه ينهل من رمزية مؤسسة عريقة عمرها بعمر الجزائر المستقلة.