الجزائريون تعوّدوا على ”سلاح” المواجهة
سنة أخرى للتعايش الاضطراري مع كورونا
- 1317
مرت سنتان عن وجود الفيروس القاتل وسطنا في أجواء يطبعها الخوف والقلق الذي خلقته المتحورات باختلافها من ”دالتا ّ الى ”أوميكرون”، ودعنا سنة 2021 وسط ظروف اقتصادية واجتماعية جد صعبة وأزمات مختلفة نتاج الجائحة، أثرت بعمق على أصحاب الحرف وأخرى مفتعلة نفذها تجار الأزمات، ممن خلقوا اللوبيات وبسطوا أياديهم على غذاء "الزوالية"، حيث وقفنا على الجشع والطمع الذي طبع بعض النفوس التي وجدت في سنوات الأزمة الملاذ للربح الوفير، والتي ضربتها روح التضامن العالية التي تسكن الجزائري الذي وقف صفا في وجه ألسنة النيران ودحر الفتنة، وكذا والحس العالي للمختصين في محاربة الداء من الجيش الأبيض على غرار الدكتور محمد ملهاق، الذي نال لقب الأيقونة الإعلامية، لما قدمه من معلومات حول الفيروس وسبل الوقاية منه. اليوم نعرض عليكم أهم الأحداث الاجتماعية للسنة التي نودعها على أمل أن نلقاكم في عام جديد كله خير وصحة وأمان.
مختصون ومواطنون بصوت واحد: "هذا ما تعلمناه من الجائحة "
❊ الصحة رأس المال الحقيقي والتضامن يدحر المحن
أكد مواطنون لـ"المساء" أن تواجد الوباء لسنتين على التوالي بيننا غير مجرى الحياةّ التي كان لها طعم مر في البداية، لاسيما مع فقدان الأحبة والأهل وحالة الهلع التي عشناها بفعله، إلا أن كل هذا وبقوة الإرادة والعزم أخذ منعرجا آخر، لما أصبح هناك حرص على حماية الأنفس والأشخاص والقريب والبعيد من الداء من خلال اتخاذ التدابير التي أوصى بها المختصون وحرصوا عليها، وفي الشق المهني أشار أخرون إلى أن الاتجاه للعمل من البيت في ظل التكنولوجيا والرقمنة قد فتح أبوابا أخرى للنجاح التي لم تكن معروفة أو متوقعة، حيث سجلت بعض الشركات الاقتصادية ارتفاعا في المردود المهني للأفراد، كما أثرت الجائحة من جهة أخرى على الكثير من البيوت بعدما وجد أصحابها أنفسهم في تقاعد مسبق بسبب الأزمة الاقتصادية.
استطاعت منسّقة المختصين النفسانيين بالعيادة المتعددة الخدمات لبرج الكيفان فاطمة الزهراء غزالي، أن تلخص ما حملته قائلة: "تفرز الأزمات عادة إيجابيات وسلبيات كما هو الحال بالنسبة لجائحة كورونا، فرغم جانبها المظلم الا أنها اتسمت بالعديد من الإيجابيات التي لم نكن نعيرها اهتماما من قبل، فقد علمت الأشخاص انهم لم يكونوا يعطوا النعم المحيطة بهم جانب الاهتمام اللازم وحمدها نحن كمسلمين، كنعمة الصحة والروتين اليومي، فخلالها تعلمنا أن الحياة متقلبة ولا يوجد فيها روتين مستمر، فلهذا لابد ان لا نؤجل أهدافنا وطموحاتنا بدون سبب، وأن نكون ايجابيين دوما وأن لا تؤثر علينا المتغيرات مع العمل على مواجهة المجهول بدون خوف وقوة وثبات وإيمان، كما فهمنا الكثير من الأحاديث النّبوية الشريفة التي تتحدث عن طرق التعامل مع الوباء وكيفية دحره وكذا أهمية الطهارة والوضوء في حياتنا”، وعلى المستوى الصحي تقول: "تعلّمنا كيفية حماية أنفسنا من الفيروس وهذا يشير الى ارتفاع مستوى الوعي الصحي لدى الأشخاص". وأشارت غزالي، إلى أنه على المستوى الاقتصادي عرفنا من خلال الجائحة انه يستوجب علينا حمد النّعم والشكر عليها في كل وقت وحين، مضيفة أن الجائحة كان لها اثر اجتماعي عميق وإيجابي، حيث أعادت الى الأسر دفئها بعدما أتيحت لغة الحوار القرب المفروض، كما تم معالجة الكثير من المشاكل القديمة التي كانت تعكر صفو الحياة تقول: "لقد سمجت الأيام الماضية بإزالة جدران إسمنت الحياة التي بنتها الظروف في وسط الأهل والعائلة و اكتشاف طيبة الأشخاص من حولنا، وأن السعادة الحقيقية تتمثل في الوحدة والقرب والتضامن".
* أحلام محيي الدين
مختصون: لا مفرّ من العودة للحياة الطبيعية تدريجيا
دعا خالد مرصاوي، طبيب مختص في الأمراض المعدية، الى تنظيم حملات توعوية تهدف الى حث الناس على تقبل فيروس كورونا المستجد ومحاولة التعايش معه على أساس أنه فيروس متوطن، مشيرا الى ان "كوفيد19" لم يكتف بمفاجئتنا في كل مرة بالتحور وتحوله الى فيروس جديد قد يكون أكثر فتكا، وقد آن الآوان للتعايش السلمي معه ومحاولة القضاء عليه وفق تبنّي بروتوكول وقائي جدي الى حين احتوائه تماما والقضاء عليه نهائيا، موضحا أن تراخي الأفراد ودخولهم مرحلة الإرهاق هو نقطة قوة الفيروس للانتشار أكثر فأكثر وحصد الأرواح في كل مرة. يعيش العالم اليوم، على وقع حقائق لتبنّي مصطلح جديد بعد سنتين من انتشار أزمة صحية وهو مصطلح "التعايش مع كورونا"، فبعد فشل المنظومة الصحية العالمية في القضاء نهائيا على الفيروس، أصبح العالم اليوم، يبحث عن سبل جديدة للتعايش مع هذا الفيروس بالرغم من بشاعته وبعد تسجيله لأكبر جريمة ضد البشرية، وهذا تحسبا لما قد يطوله هذا الوباء ومن موجات مرتقبة مستقبلا.
وبعد نحو سنتين تقريبا من تتبع أعداد حالات الإصابة بفيروس كورونا، بدأ علماء الأوبئة حول العالم عامة وفي الجزائر بشكل خاص، في تحويل تركيزهم على اتخاذ إجراءات للتكيّف مع المرحلة التالية من تفشي الوباء المتمثلة في التعايش مع الفيروس ـ يضيف الطبيب ـ موضحا أن هذا الفيروس خلق أزمة من نوع أخر لدى البشرية وهي تداخل الأزمنة، إذ بات الكثيرون يفقدون بوصلة الوقت وهذا بعدما طالت الأزمة الصحية التي جعلت هؤلاء يفقدون الحس بالزمن ويوقفون جميع برامجهم ومخططاتهم في انتظار مرور الأزمة.. واليوم نحن على مشارف سنة 2022 ولا يزال الحديث عن فيروس حملت جزء من اسمه سنة 2019، عام ظهوره لأول مرة في يوهان الصينية، قائلا إن التعايش مع الفيروس وتقبله سوف يسمح للبشرية بمواصلة حياتها الطبيعية لكن وفق بروتوكول وقائي محكم.
وذكر المختص، أنه مع قيام الدول بإعطاء اللقاحات المضادة للفيروس ووصل التلقيح الجماعي لنسب متفاوتة من سكانها، أضحت الصلة بين أعداد الإصابات والوفيات تتضاءل وهذا أمر ايجابي ما يجعل اليوم، أهمية تحويل التركيز نحو تعليم مفهوم التعايش مع الفيروس لتفادي الدخول مراحل اخرى من الغلق والحجر الصحي التي خلت بالنظام الاقتصادي العالمي والجزائر خير مثال لذلك، حيث لا نزال نعيش تداعيات الأزمة على المستوى الاقتصاد المحلي الذي ضرب مباشرة بالقدرة الشرائية للفرد. وشدد الطبيب، على أهمية مراقبة تطور الفيروس وسط الأطفال لاسيما بالنسبة للمتحورات الجديدة، نظرا لأنها الفئة التي لم تتلق فعليا اللقاح الا نسبة جد قليلة، وأكثر معادلة لابد من التركيز عليها هي الإصابات ثم الشفاء أكثر من التركيز على عدد الإصابات فقط، ومحاولة دراسة تلك الحالات لفهم أكثر هذه المتحورات الجديدة وإسقاطها على مجتمعنا، وليس فقط تبنّي تجارب الدول الأخرى، مشددا على أن لكل دولة خصائصها ونظامها المعيشي الخاص والذي يستوجب التدقيق حوله.
وعليه يقول خالد مرصاوي، إن الدعوة للتعايش مع الفيروس أصبحت اليوم دعوة عالمية، وإعداد المجتمعات بذلك أمر بالغ الأهمية للتعامل معه على أساس فيروس مستوطن مثله مثل الانفلونزا الموسمية، وليس الوقوف عليه لسنتين متتاليتين وانتظار زواله ومحاربته بأقصى قوة دون الانتباه للتداعيات الخطيرة التي يخلّفها وسيخلّفها مستقبلا سواء على الصعيد الصحي، الاقتصادي والتعليمي وحتى على صعيد رفاهية المجتمعات التي دخلت حالة من الاكتئاب المقلق.
* نور الهدى بوطيبة