المياه المستعملة في الجزائر
الثروة الرمادية بحاجة إلى تثمين
- 3464
تعرف الجزائر منذ أكثر من عقدين ندرة حادة في المياه بسبب شحّ الأمطار وتذبذب موسم سقوطها، شأنها في ذلك شأن غيرها من دول جنوب حوض المتوسط، وتزامنت هذه الأزمة التي استمرت على نفس المنحى خلال السنوات الخمس الفارطة مع ظهور أوبئة سببتها أمراض معدية وخطيرة كفيروس كورونا المستجد وقبله داء الكوليرا.لمواجهة هذا الوضع، اضطرت الحكومة إلى اتخاذ عدة تدابير من أجل التخفيف من الضائقة بوضع برنامج مدروس لتوزيع المياه، أثار حفيظة عديد المواطنين الذين خرج بعضهم في احتجاجات متكررة للمطالبة بتعديل فترات التوزيع، وبالموازاة مع ذلك تم إطلاق برنامج استعجالي لإنشاء محطات جديدة لتحلية مياه البحر التي تعتبر بالنسبة للحكومة خيارا استراتيجيا لضمان الوفرة والتقليص من حدة الأزمة.
في خضم جهود الحكومة للتحكم في الوضع، تبدو المياه العادمة أو المستعملة خيارا إضافيا يمكن الرهان عليه للتخفيف من حدة الأزمة والحفاظ على المياه التقليدية، خاصة الجوفية منها، إلا أن هذا البديل لازال مستبعدا في الوقت الراهن، وهو ما يعتبر إهدارا لثروة ثمينة بالنظر إلى كميات المياه التي تذهب دون استغلال. يؤكد خبراء المناخ أن تراجع معدلات سقوط الأمطار ليست ظاهرة عابرة، بل مستمرة وقد تزيد حدتها في السنوات القادمة، خاصة وأن الاحتباس الحراري في منطقة المتوسط يفوق بنحو 20% المتوسط العالمي.
أمام هذا الوضع الخطير الذي يوشك أن تعرفه المنطقة، سيكون من الضروري استغلال كل الفرص المتاحة لتوفير المياه بكميات مقبولة تلبي الطلب المتزايد عليها وسيكون اللجوء إلى المياه غير التقليدية كالمياه المستعملة إحداها، مع ضمان استغلالها بطريقة عقلانية واقتصادية.
المياه... التقشف والصحة
لم يبد المواطن الجزائري استعداده لتحمّل السياسة التقشفية التي انتهجتها الحكومة لضمان توزيع عادل للمياه، خاصة وأن الأزمة تزامنت مع فصل الصيف وتفشي فيروس كورونا، كوفيد 19.
وتسبب غياب المياه عن الحنفيات لعدة أيام في بعض المناطق الحضرية إلى خروج الكثير من المواطنين إلى الشوارع للاحتجاج على الوضع، فيما اضطر الكثيرون منهم إلى تركيب خزانات مياه واقتناء صهاريج مياه بأثمان باهظة.
ففي مدينة بودواو بولاية بومرداس، شرقي العاصمة الجزائرية، لا زال عديد المواطنين مضطرين لاقتناء صهاريج المياه لضمان وفرتها للاستعمال اليومي، وهو حال ”سعيد” رب عائلة تتكون من ثلاثة أطفال دفعته أزمة المياه إلى تنصيب خزان ماء مزوّد بمحرك كهربائي لملئه دوريا، لكن ذلك لا يكفي لسد احتياجاته اليومية..
يقول سعيد: ”في بعض الأحيان لا تتوفر مياه الحنفية لعدة أيام متتالية والخزان لا يكفينا، حيث نستنفذه في يومين أو ثلاثة على الأكثر فنضطر بعدها إلى اقتناء صهريج، ولكن ثمنه غال ويضيف أعباء جديدة إلى الأعباء اليومية”.
وأردف سعيد قائلا: ”أزمة ندرة المياه بلغت أوجها خلال فصل الصيف الذي يزيد فيه الطلب على المياه، فنحن نستهلك الكثير منها خاصة من أجل النظافة”.
ولا يمكن الحديث عن الصحة العمومية والوقاية من الأمراض المعدية والفيروسات في غياب المياه الكافية، وهو ما يؤكده لـ"المساء” الاخصائي في الطب الوقائي، مسعود توافق، من مصحة بلدية الأربعاء الذي يرى أن ”توفير نسب كافية من المياه ضروري جدا للحفاظ على الصحة العمومية وحماية المواطنين من الأوبئة والأمراض المعدية والفيروسات مثل فيروس كورونا”. وأوضح الدكتور توافق أن ”الموجة الثالثة من فيروس كورونا التي ضربت مختلف ولايات الوطن في الصيف الفارط، تزامنت مع ندرة حادة في المياه، قابلها من جهة أخرى تسجيل عدد كبير من الوفيات، أكبر بكثير من الموجتين الأولى والثانية، ولذلك فنحن ندعو دائما المواطنين إلى الحفاظ على النظافة لأنها من صميم الوقاية”.
تحلية مياه البحر خيار في توسع، ولكن....
بدأت الجزائر في الاعتماد على تحليه مياه البحر قبل عدة سنوات، حيث أطلقت أولى محطاتها عام 2008 بالعاصمة وواصلت في نهجها بإطلاق عدة محطات في مختلف الولايات الساحلية، حيث بلغت نسبة التزوّد من هذه المياه 17% على المستوى الوطني.
وأطلقت الحكومة مطلع الصيف المنصرم، برنامجا استعجاليا، تمثل في مرحلته الأولى في إنشاء أكثر من 600 بئر في عشرين ولاية وإنجاز 5 محطات جديدة لتحلية المياه بقدرة إجمالية تصل إلى 300 ألف متر مكعب في اليوم بحلول عام 2024.
وأكد وزير الموارد المائية كريم حسني، مؤخرا، خلال جلسة للأسئلة الشفوية بالمجلس الشعبي الوطني أن المرحلة الثانية من هذا البرنامج الاستعجالي تتمثل في إنجاز 6 محطات لتحلية مياه البحر مع حلول عام 2030، عندها ستصل قدرات محطات التحلية إلى توفير، ما نسبته 60% من الاحتياجات الوطنية من الماء الشروب. وسيسمح هذا البرنامج بتقليص نسبة استغلال المياه الجوفية من 50% إلى 20 %.
وتصل نسبة التزوّد بالمياه المحلاة في بعض ولايات الوطن الساحلية، إلى 100%، مثلما هو الحال بالنسبة لولاية عين تيموشنت، و97% بالنسبة لولاية وهران.
توسع تحلية مياه البحر يجر إلى التفكير في خيارات أكثر اقتصادا وحفاظا على البيئة يتصدرها اللجوء إلى استغلال المياه المعالجة الدي يبدو أيضا خيارا جيدا بل ضروريا حسب تصريحات الخبراء.
480 مليون متر مكعب من المياه المعالجة ترمى في الأودية
تحصي الجزائر 200 محطة تطهير على مستوى التراب الوطني، منها 164 محطة يشرف على تسييرها الديوان الوطني للتطهير، أما باقي المحطات فتخضع في تسييرها لشركات تسيير الموارد المائية بالمدن الكبرى كالعاصمة، وهران وعنابة.
وتقوم هذه المحطات بمعالجة نحو 600 مليون متر مكعب سنويا، يتم الاستفادة من جزء قليل منها في سقي المساحات الخضراء أو بعض أنواع الأشجار والجزء الكبير منها يعاد صبه في الأودية بلا جدوى.. وتتطلع الجزائر إلى بلوغ نسبة مليار متر مكعب من المياه المعالجة بحلول عام 2030، حسبما أكده وزير سابق للموارد المائية. على مستوى العاصمة مثلا، توجد 5 محطات معالجة، أكبرها محطة براقي التي تقوم بمعالجة نحو 150 ألف متر مكعب في اليوم، يعاد صبها في وادي الحراش، عدا النزر القليل منها الذي يتم استغلاله في سقي بعض المساحات الخضراء.
يقول السيد لحلاح صالح وهو إطار في الديوان الوطني للتطهير في تصريح لـ"المساء”: ”نستفيد حاليا بما نسبته 20% فقط من نحو 600 مليون متر مكعب من المياه المستعملة التي نقوم بمعالجتها والباقي يعاد صبه في الأودية لينتهي بها المطاف في البحر”.
وعن الأسباب الأساسية التي لازالت تعرقل الاستغلال الأمثل لهذه المياه، قال محدثنا ”معالجة المياه المستعملة بالتكنولوجيا المتاحة حاليا، لا يرقى إلى مستوى يسمح لنا بتوجيهها للاستغلال المنزلي، كما هو موجود في الكثير من الدول الإفريقية، على غرار عاصمة ناميبيا ”ويندهوك” التي تزود سكانها بالمياه المستعملة والمعالجة”.
ويرى لحلاح أن ”في الجزائر إمكانية لاستخدام هذا النوع من المياه بشكل واسع في القطاعات الصناعية والفلاحية وفي تنظيف الشوارع وسقي المساحات الخضراء أو في إطفاء الحرائق، حيث سجلت في هذا المجال تجربة جيدة مع وحدة الإطفاء لولاية تيبازة لكنها لم تستمر للأسف..”.
ويضيف الخبير بأن ”الإطار التنظيمي الذي يسمح باستغلال هذه المياه موجود إلا أن تفعيله لم يتم بعد ويستلزم تنسيقا أكبر بين كل القطاعات المعنية”، ليخلص إلى القول، ”بالأمس كنا نعالج المياه حفاظا على البيئة أما اليوم، فالتوجه تغير بحكم التغيرات المناخية وانتشار الجفاف، حيث أصبح اللجوء إلى الموارد غير التقليدية كالمياه المستعملة أو تحلية مياه البحر، ضرورة تحتمها استراتيجية التسيير العقلاني وتخفيف العبء على الموارد التقليدية”.
الحمأة ثروة في انتظار من يستغلها
تعتبر الحمأة من النفايات الرئيسية التي تنجم عن عملية معالجة المياه المستعملة في محطات التصفية وتحتوي على بكتيريا ميتة ومواد عضوية حيوانية غنية بالمواد المغذية، مثل النيتروجين والفوسفور، ما يجعلها مفيدة لتخصيب التربة واستخدامها كسماد.
وتنتج محطات المعالجة على المستوى الوطني، مئات الأطنان من الحمأة يوميا، فمحطة براقي لوحدها تنتج نحو 80 طنا في اليوم، كنتيجة لمعالجة 150 ألف متر مكعب من المياه المستخدمة.
وقبل عامين، صدر قانون تصنيف الحمأة كنفايات خاصة، فلم يعد مسموحا لمحطات المعالجة التخلص منها في مراكز الردم التقني. وبما أنه ممنوع حرقها أو دفنها فإنه يتم تخزينها على مستوى هذه المحطات، حيث أصبحت تشكل عبئا ثقيلا عليها تزداد عواقبها سوءا مع مرور الوقت.
ويعترف السيد لحلاح صالح بأن هناك تأخرا في استغلال هذه النفايات وذلك بسبب غياب الإطار القانوني الذي ينظم العملية من خلال تحويلها إلى أسمدة بيولوجية أو طاقة بديلة، فيما يعرف بالطاقة البيولوجية الحيوية.
وتؤيد الدكتورة مريم صابر، من مركز تطوير الطاقات المتجددة، الكائن مقره ببوزريعة الفكرة، حيث تشرح بأن ”الحمأة تتكون من مركبات عضوية ومعدنية وهي سهلة التبخر، بمعنى أنها قابلة للانحلال بسهولة كبيرة وهذا ما يسمح لنا باستغلالها إما في صناعة الأسمدة البيولوجية أو توليد الطاقة من خلال إنتاج الغاز الحيوي”.
وأضافت الدكتورة تقول بأن طنا واحدا من الحمأة يسمح بإنتاج حوالي 80 كيلوواطا من الكهرباء في الساعة، وهذا ما يسمح باستخدامها مثلا في تشغيل جزء كبير من محطة المعالجة. وهناك عديد التجارب الناجحة في الدول العربية التي لجأت إلى توليد الكهرباء من الحمأة لاستغلالها في تشغيل محطات المعالجة، كمصر التي تحوز تجارب ناجحة، على رأسها محطة الجبل الأصفر بالقليوبية، التي تعتبر الأكبر في المنطقة العربية بقدرة معالجة تفوق 5 مليون متر مكعب في اليوم. وتقوم المنشأة بإنتاج نحو 60% من احتياجاتها من الكهرباء من الحمأة كما تساهم مياهها المعالجة في سقي نحو 6300 هكتار من الأراضي الزراعية.
ومن بين التجارب التي تقوم بتحويل الحمأة إلى أسمدة، معمل بلدية الشارقة بالإمارات العربية المتحدة، الذي يقوم منذ 2016 بتحويل هذه النفايات إلى أسمدة عضوية يتم استغلالها في تخصيب التربة. وقد امتدت هذه التجربة بعد عام 2016 إلى الكثير من مدن الإمارات..
❊ تم إعداد هذا الروبورتاج في إطار مشروع: MédiaLab Environnement