المؤلف والمخرج المسرحي عمر فطموش لـ "المساء":

متفائل بكتّاب المسرح الجدد... وآن الأوان للتأسيس لبكالوريا فنية

متفائل بكتّاب المسرح الجدد... وآن الأوان للتأسيس لبكالوريا فنية
  • 953
حاورته: حنان سالمي حاورته: حنان سالمي

ستكون مدينة بومرداس ما بين 09 و28 جانفي الجاري، على موعد مع ورشة المسرح الارتجالي من تنظيم تعاونية السنجاب للمسرح، بحضور مؤطرين من سويسرا وتونس، متبوعة بجولة مسرحية للعرض المسرحي "حبيبي"، مثلما يكشف المؤلف والمخرج المسرحي عمر فطموش، في حوار خاص بـ "المساء"، تحدّث فيه، كذلك، عن واقع الثقافة والفنون في انتظار أن تصله رياح التغيير ضمن الورشات الكبرى التي فتحها رئيس الجمهورية. كما اعتبر أنه آن الأوان للتأسيس للبكالوريا الفنية، وإنجاز معاهد كبرى للفنون الدرامية والركحية بكبرى المدن الجزائرية..

❊❊حدّثونا عن تظاهرة المسرح الارتجالي المزمع تنظيمها قريبا بمدينة بومرداس.

— ❊ إنها أول تظاهرة ثقافية في 2022 بالنسبة لفرقة "مسرح السنجاب". وتدخل ضمن عمل فني كبير مشترك تحت عنوان "حبيبي"، بالتعاون مع فرقة "أبصرا" السويسرية ومسرح "تيرابرت" التونسي.

وللتوضيح أكثر، فهي مسرحية كان من المفروض أن تنتَج بالجزائر خلال 2020، لكن بسبب الظرف الصحي المتعلق بتفشي جائحة كورونا، لم يكن ذلك ممكنا. فأُنتج هذا العمل الفني في تونس، وهو يدخل في إطار العمل المتميز والجاد لمسرح السنجاب وتعامله مع الشركاء الأجانب، حيث إن النص من كتابة السيدة باريروس من سويسرا التي أخرجت المسرحية كذلك، بينما قمت أنا بالترجمة، فيما جسّدها ممثلون من تونس. وستُلعب باللغتين العربية والفرنسية.

أما المحور فهو "العنف ضد المرأة"، هذه الآفة الاجتماعية لا تقتصر على مجتمع دون آخر. وأردنا من خلال "حبيبي"، تبيان حدة تنامي هذه الظاهرة، ومعالجة آثارها السلبية على الفرد والمجتمع. وعلى أساس هذا المحور ستُبنى ورشة الارتجال المسرحي المزمع تنظيمها من 09 إلى 13 جانفي بدار الثقافة "رشيد ميموني" ببومرداس، التي ستعمل على الارتجال المسرحي. وننتظر حوالي 40 مشاركا من مختلف الولايات، منهم 12 طالبا من المعهد الوطني للفنون الدرامية، إضافة إلى حوالي 6 جمعيات تنشط في مجال التحسيس والنضال حول ظاهرة العنف ضد المرأة.

❊❊ بما أنها ورشة تتضمن نقاشا وموائد مستديرة وربما توصيات، فما المرجوّ من وراء ذلك؟

❊— بالفعل، نحن نريد ربط الاختصاص بالتنظير بالنسبة للارتجال المسرحي، فلن يكون هناك تنظير حول آفة اجتماعية وفقط، وإنما نسعى لفتح نقاش حول هذه الظاهرة. ومن خلال الارتجال المسرحي ننتظر حضور أساتذة مختصين حول هذا النوع من الإبداع المسرحي، مع تقديم نصائح للمشاركين. كما ننتظر تقديم فيلم لسيد علي مازيف حول العنف ضد المرأة. وفي النهاية سيتم اختيار اثنين إلى ثلاثة متربصين، سيذهبون، مستقبلا، إلى جنيف السويسرية لمتابعة صياغة "حبيبي"، والمشاركة في عرض المسرحية بقرابة 18 مدينة سويسرية.

للتوضيح فقط، فإن هذه الورشة المزمع تنظيمها، تحضيرية لجولة مسرحية هنا بالجزائر من 22 إلى 28 جانفي الجاري، وبعدها بسويسرا. وبالمسارح الجهوية لكل من عنابة يوم 22 جانفي، ثم بقسنطينة وبجاية، وكذا بالمسرح الجهوي لتيزي وزو، ثم بقاعة المحاضرات الكبرى ببومرداس، بعدها يوم 28 جانفي بالمسرح الوطني بالعاصمة، حيث ننتظر أن يكون العرض خاتمة ورشة المسرح الارتجالي.

❊❊ لماذا اختيار المسرح الارتجالي بالضبط؟

❊ لإعطاء فرصة للممثلين لعرض قدراتهم التمثيلية بارتجال النص والحوار وغيره انطلاقا من سوابق سيكولوجية، إن شئت سمّيها "علاجا فنيا للمكبوتات"، حيث إن اختيار المحور يتماشى مع ذلك.

كلنا نعلم مدى استفحال العنف ضد المرأة وبكل أشكاله، ومنه سنسمح للمشاركين بإظهار المكبوت على ركح المسرح، علما أن أقوى نصوص الكتابة المسرحية جاءت من الارتجال.

❊❊ على ذكر الكتابة المسرحية، كيف ترون واقعها اليوم؟

— ❊أعتقد بوجود كتّاب ومبدعين في القصة والشعر وغيرهما، لكن يبقون بعيدين عن المسرح، لأنه شكل خاص.

في مشواري الممتد لقرابة 20 سنة قرأت ودرست أكثر من 5 آلاف مسرحية في إطار المسابقات الأدبية أو المسرحية وغيرها. ويمكن القول يوجد إبداع وابتكار يخرج حتى من النطاق العام، لكن ينقص الشق "الدراماتورجي"، وهذا لن يتأتى إلا عن طريق التكوين المتخصص والممارسة أيضا.

هناك اقتباس نعم، ولكن حتى في هذا المجال لا بد من ذكاء لمعرفة كيفية اقتباس النص للكتابة المسرحية من خلال التفريق بين القصة الأدبية والدراما المسرحية، بمعنى إلغاء كل الجوانب السردية في القصة. ونهتم، فقط، بما هو الأساس في القصة لصناعة دراما ركحية، طبعا ذلك لا يتم إلا بالتفاهم بين كاتب القصة والمقتبس.

أما عن الجيل الجديد من كتّاب المسرح فنحن متفائلون جدا، فقط ينقص عامل التكوين، ليتم صقل المواهب، ليس فقط في المسرح، ولكن في شتى الفنون.

وللأسف هناك إهمال لجانب التكوين في الوطن! وما يؤسف أكثر وجود معهد وطني واحد لفنون العرض والفنون الركحية الكائن ببرج الكيفان! وهذا يطرح أكثر من سؤال، وهو لا يخدم لا الفن ولا الثقافة ولا المسرح في البلاد..

❊❊ ما هو المطلوب في هذا المجال إذن؟

— ❊ المطلوب إرادة سياسية حقيقية. ونحن من هذا المنبر نناشد الرئيس عبد المجيد تبون، فتح مجموعة من المعاهد للفنون الدرامية والركحية على الأقل 10 معاهد بكبرى الولايات بالغرب والوسط والشرق، وكذا بالجنوب والجنوب الكبير.

وأظن أنه من هنا يمكن الحديث عن سياسة حقيقية لتطوير المسرح والفنون الدرامية.

أنا أنتظر وصول رياح التغيير إلى الثقافة. نتمنى أن كل الورشات التي فتحها رئيس الجمهورية وتجسدها الحكومة في العديد من المجالات، تصل إلى قطاع الفنون بشتى ضروبها؛ المسرح، والفنون الجميلة، والسينما وغيرها..

لا ننكر وجود نوايا للتغيير، ولكن يبقى التجسيد بعيد المنال. ولكن علينا فهم أن مشكلة الثقافة والفنون في الجزائر ليست حكرا على وزارة الثقافة، وإنما موزعة بين عدة وزارات، بدءا بوزارة التربية الوطنية، إذ لا بد من التفكير جديا في إدماج تدريس الفنون الدرامية والفنون الجميلة في الابتدائي، ومنه باقي الأطوار التعليمية. كان هناك محاولات من هذا القبيل سابقا، ولكن لم تنجح؛ فمثلا تدرَّس الفنون الجميلة وحتى الموسيقى في الطور المتوسط، ولكن، للأسف، ليس مثلما ينبغي، وإنما لا بد هنا من ترسيم تدريس مواد الفنون سواء الدرامية أو الموسيقية بطريقة احترافية، وباحترام. تليها وزارتا التعليم العالي والتكوين المهني، اللتان تُعدان فضاء يمكن أن يتولد منه أعمال وورشات إبداعية في ضروب الفن.

وزارة الداخلية، أيضا، مطالَبة بفتح الفضاءات المغلقة بمختلف بلديات الوطن، فهناك العديد من قاعات السينما المغلقة. وعلى مستوى ولاية الجزائر العاصمة ما يقارب من 200 قاعة مغلقة، منها ما حُول، للأسف، إلى أوكار للفساد! إذن على الوزارة هنا التدخل، والتنازل عن هذه الفضاءات، وجعلها تحت تصرف وزارة الثقافة حتى تعود فضاءات فنية ثقافية، فمن غير الممكن تطوير الفن المسرحي إن لم يكن هناك سوق فنية ثقافية لتقديم العروض.

❊❊ على ذكر التكوين المتخصص، أثير، سابقا، الحديث عن البكالوريا الفنية ولكن إلى اليوم لم يتجسد شيء، أين يكمن الخلل حسب اعتقادكم؟ 

❊ — وذلك الهدف المنشود من قولنا تدريس مختلف الفنون في الأطوار التعليمية الثلاثة بدءا بالابتدائي، ثم الصقل بالمتوسط، ثم التوجيه بالثانوي. وبعد البكالوريا الفنية التوجه نحو التخصص الجامعي بالمعاهد المتخصصة التي نطالب بإنشائها، هذا هو المسار الصحيح.

هناك كوكبة من الفنانين في شتى ضروب الفن، يمكن الاستعانة بخبراتهم من أجل تجسيد هذا المسعى. وأنا أبدأ بنفسي، ومستعد للتطوع لإنجاح هذا المسار، تنقص فقط الإرادة السياسية، وكل شيء ممكن تجسيده.

❊❊ تنادون إذن إلى تنظيم ورشة في هذا السياق؟

—❊  نعم ولِم لا؛ تنظيم ورشة في هذا الإطار وجمع المختصين من كل القطاعات المعنية: ثقافة، وتربية، وتعليم عال، وفنانين ومخرجين، وكتّاب وأدباء.. وغيرهم، كلٌّ في مجاله، لمناقشة وضع الخطوات الأولى للبكالوريا الفنية. وأنا متأكد أنها ستخرج بتوصيات، ستكون بمثابة الأرضية الحقيقية لتجسيد هذا المسعى، الذي نريده أن يكون لبنة أخرى للرقي بالثقافة والفنون، علما أن تجسيد مشروع إنجاز المعاهد الكبرى للفنون الدرامية والركحية، سيكون ثمرة أخرى للبكالوريا الفنية، حيث سيكون التوجيه بعد البكالوريا متاحا جدا لذوي المواهب الفنية المختلفة.

وفي المقابل، سيتكفل التكوين المتخصص بصقل كل تلك المواهب.

نحن متفائلون جدا بهذا المسعى. ونأمل حقيقة أن يتم التجسيد عما قريب، لأن المواهب موجودة فعلا، ولكن التكوين ناقص جدا، لا يرقى إلى التوجهات الجديدة للجزائر، ومنه جعل الثقافة في قلب المعادلة الاقتصادية بما ينعش الاقتصاد الوطني.

❊❊ وكيف للمقاولة الثقافية المساهمة في تنويع الاقتصاد الوطني، حسب رأيكم؟

❊ —أمر بسيط، عندما ننظر إلى صناعة الدراما التركية وكيف غزت العالم العربي وقبلها الدراما المصرية والسورية وغيرها، ندرك تماما أنها صناعة حقيقية تدرّ أموالا طائلة، وتشغل الآلاف. لا يتسع المجال لذكر مجالات عملهم. وفي المقابل عندنا في الجزائر الإنتاج الفني أو السينمائي لا يقارَن حتى لا نقول قليل، ولكن لا بد، أولا، أن نعرف الأسباب وراء ذلك، ونحددها بداية بنقص الدعم. وأنا هنا، أيضا، أنتظر إرادة سياسية فعلية حتى تنقذ الموقف، فممكن جدا فرض دعم الثقافة وصنّاع السينما على كبرى الشركات الاقتصادية والتجارية كمتعاملي الهاتف النقال وغيرهم، تماما مثلما يسجَّل بالنسبة لرعاية بعض الأندية الرياضية. كما ننتظر تدخّل نفس الإرادة السياسية لاسترجاع أزيد من 600 قاعة سينما على المستوى الوطني مغلقة ومهملة، ووضعها تحت تصرف الجمعيات الثقافية وهواة السينما والمسرح، حتى تعود الحياة لتدبّ مجددا فيها، من خلال تحرير هذه القاعات من قبضة البلديات، وترميمها، وتحضيرها لعدة نشاطات فنية كما ذكرنا، إضافة إلى فتح مقاه أدبية، بعدها يكون بإمكان المواطنين التردد على هذه الفضاءات حسب الميول والرغبات. كما يمكن تقديم هذه القاعات لمجموعة من الشباب في إطار "ستارت-آب" للإنتاج الفني والثقافي، ولكم أن تتصورا كم من منصب شغل يمكن فتحه في هذا الإطار، ناهيك عن فضاءات أخرى موصدة على المستوى الوطني، لعدة مصانع عمومية، مثل لوناكو، وأسواق الفلاح سابقا، والأروقة وغيرها.

وهناك طرق قانونية لاسترجاع هذه الفضاءات أسوة بتجربة تعاونية السنجاب لمسرح الشباب لبرج منايل، التي استرجعت قاعة سنيما من عند مصالح البلدية، وقامت بالترميم والتهيئة، وهي من أنشط التعاونيات حاليا في المسرح..

بهذه الطرق يمكن أن تكون الثقافة من الروافد المهمة للاقتصاد الوطني شريطة أن يقابل ذلك صناعة دعائية في المستوى، من أجل الترويج محليا ودوليا.

❊❊ هل من كلمة نختم بها هذا اللقاء؟

❊ —أنا متفائل جدا بوصول رياح التغيير في ظل الجزائر الجديدة، إلى قطاع الثقافة، وكله مبني على قرارات رسمية وقوية من أعلى هرم السلطة.. والشكر موصول لجريدة "المساء" على هذا اللقاء.