"المساء" ترصد الوجه الآخر لـ "مجازر الطرقات"

"الّي شرا موطو شرا موتو"!

"الّي شرا موطو شرا موتو"!
  • 3422
 هدى. ن هدى. ن

لا تقتصر الحوادث التي يتسبب فيها أصحاب الدراجات النارية بشكل مباشر، على تجاوزات السائقين فحسب، وإنما تتدخل فيها عوامل أخرى وقفت عليها "المساء" في الميدان، منها ما يتعارض مع النصوص القانونية ذات الصلة، ونذكر منها غياب الممرات المخصصة لها، فضلا عن الغياب شبه الكلي لدور مدارس سياقة الدراجات النارية، حتى لا نقول عدم وجودها أصلا، وحصول أصحاب هذه المركبات على رخص سياقة بطريقة لا تؤهل الكثيرين منهم لقيادتها. تحصد حوادث المرور في بلادنا سنويا، ملايين الأرواح، وتخلّف ملايين الجرحى والمعاقين والمصابين بعاهات مستديمة بسبب عدة عوامل، تقف عليها وترصدها مصالح الشرطة والدرك الوطنيين من خلال تدخلاتهم ومعايناتهم الميدانية اليومية. ومع انتشار وتوسع استعمال الدراجات النارية في أوساط فئات واسعة من الكهول والشباب، وحتى الأطفال دون سن الثامنة عشر، تحوّل هذا الأمر إلى عامل آخر يضاف إلى قائمة الأسباب المباشرة لحوادث المرور المسجلة عبر شبكة الطرقات الوطنية، وخاصة في الولايات التي تعرف استعمالا ملحوظا لهذا النوع من وسائل النقل الخاصة، على غرار العاصمة والبليدة وتيبازة.

الطرق السريعة.. مسرح للمناورات المرورية

تشهد الطرق السريعة والمسالك الجانبية ومختلف شوارع العاصمة، تجاوزات ومجازفات ومناورات مرورية خطيرة، يقف وراءها عدد كبير من أصحاب الدراجات النارية، ويذهب أغلب هؤلاء في تصرفاتهم، إلى حدود توحي، وكأن الأمر يتعلق بمشاهد سينمائية، يستعرضون فيها أساليبهم في المغامرة والمجازفة والتفنن فيها، والتي غالبا ما تكون نهايتها مأساوية، تودي بحياتهم وحياة غيرهم من أصحاب المركبات والراجلين على حد سواء، وهو ما لا يمكن اعتباره إلا محاولات انتحارية معلنة.

ومن الممارسات التي يسجلها وينتقدها سائقو السيارات ومركبات الوزن الخفيف والثقيل على مستوى شبكة الطرقات بالعاصمة، تغلغلُ أصحاب هذه الدراجات بين السيارات بشكل غير طبيعي وغير مفهوم وغريب، ويكون ذلك في ذروة الازدحام المروري، ولا يتورعون، بتصرفاتهم، عن إجبار أصحاب المركبات، على التنحي عن مسارهم، حتى يتمكنوا من المرور. ولا يُستثنى الراجلون من قاعدة التضرر والتذمر من تصرفات العديد من أصحاب الدراجات النارية، خاصة الأطفال منهم دون سن الثامنة عشر. وعندما يصطدم أحدهم بمركبة ما، فلا مجال لإبداء الانزعاج من الحادثة؛ إذ يتحول الأمر إلى عراك بالألسن، واستعراض للعضلات. وأكد السيد سبعون بوعلام، وهو مدير مدرسة لتعليم السياقة تقع ببلدية برج الكيفان، ويمتلك خبرة في المجال تفوق 40 سنة، أكد في تصريح لـ "المساء"، أن عددا كبيرا من سائقي الدراجات النارية من الذين يحوزون على رخصة السياقة، لا يلتزمون باحترام قانون المرور. وفي حال احتجاج أي متضرر من تصرفاتهم وتجاوزاتهم، يلقى احتجاجا مضادا من قبل الكثيرين منهم.

26 ألف دراجة، منها ما يُحدث مجازر مرورية

تؤكد إحصائيات مصالح الأمن الوطني، وجود أكثر من 26 ألف دراجة نارية على المستوى الوطني، وهي تمثل نسبة 2.9 ٪ من مجموع عدد مركبات الحظيرة الوطنية. وحسب نفس المصدر، فإن هذه النسبة ضئيلة مقارنة بالحظيرة الوطنية للمركبات على مستوى التراب الوطني، والمقدرة بـ 7.5 ملايين مركبة، لكنها تقف وراء العديد من حوادث المرور سنويا. فخلال الثلاثي الأول من  سنة 2021  لوحده، تم تسجيل 1202 حادث مروري، تورط فيه سائقو الدراجات النارية من مجموع 5874 حادث مروري سُجلت عبر شبكة الطرق الوطنية. كما تَسبب أصحاب الدراجات النارية - حسب نفس المصدر - في نحو 27 ٪ من مجمل حوادث المرور التي وقعت خلال الفترة المذكورة، وكان ذلك بسبب السرعة المفرطة، والتجاوزات الخطيرة، وعدم ارتداء الخوذة الواقية للرأس. كما تشهد الحوادث المرتبطة بسير هذا النوع من المركبات، ارتفاعا ملحوظا من سنة إلى أخرى، حيث تم خلال سنة 2017، تسجيل 528 حادث مرور، و605 حادث آخر في 2018. وفاق العدد 2000 حادث خلال سنة 2021.   

نصوص قانونية تردع المخالفين وأخرى "مغيَّبة"

وحسبما استخلصته "المساء" من خلال التمحيص والتدقيق في مختلف النصوص القانونية الخاصة بقانون المرور والأمن عبر الطرق، وتلك المعدلة والمتممة له، ومختلف المراسيم التنفيذية ذات الصلة، فإن المشرّع الجزائري حدد الأطر الخاصة بسير هذا النوع من المركبات في مختلف الطرق والمسالك. وذهب في ذلك إلى تحديد ممر مخصص للدراجات والدراجات النارية دون غيرها من العربات، بالإضافة إلى شريط مرور خاص بالدراجات العادية والدراجات النارية، وسط طريق له عدة مسالك، وهو ما يطرح مسألة عدم عمل المصالح المختصة، على إدراج هذا الأمر في مجال التعمير. ويطرح، كذلك، الإشكالية المرتبطة بكيفية التحكم في سير هذه المركبات، بالإضافة إلى إمكانية إجبار سائقيها على الالتزام بما هو مفروض عليهم احترامه، وضبط مخالفاتهم في الحيز المساحي المخصص لهم، لتفادي وقوع ما لا يُحمد عقباه.

كما تحدد النصوص القانونية حركة الدراجات النارية وسيرها، وتصنيفها، والعقوبات المرتبطة بالمخالفات التي تصدر عن أصحابها، حيث تصنَّف هذه المركبات حسب سعة محركها، فمنها الدراجة، والدراجة المتحركة، وهي تلك المزوّدة بمحرك إضافي لا تتجاوز سعة أسطوانته 50 سنتمترا مكعبا. ونظرا لضعفها لا يمكن  لسرعتها أن تتجاوز 45 كيلومترا في الساعة، بالإضافة إلى الدراجة النارية التي يتجاوز سعة أسطوانة محركها،  50 سنتمترا مكعبا. ويلخص القانون في هذا الصدد، مختلف المخالفات التي يعاقَب عليها أصحابها، والمتمثلة في مخالفة الأحكام المتعلقة بالإنارة، والإشارة، والكبح، بالإضافة إلى مخالفة الأحكام المرتبطة بالارتداء الإجباري للخوذة. 

إجبارية رخصة السياقة والبطاقة الرمادية

تميزت عملية اقتناء الدراجات المتحركة والنارية قبل سنة 2014، بالعشوائية، وهو ما أدى إلى عدم التحكم في تسييرها ومراقبتها من قبل المصالح المكلفة بالأمن المروري في ظل ما هو ملاحَظ من ارتفاع في عدد مستعملي هذه المركبات. ويؤكد بعض أصحاب هذه المركبات أن اقتناءها كان يقتصر على وصل بيع مسجل، يثبت ملكية الدراجة لا أكثر ولا أقل،  لكن الأمر تحوّل أواخر سنة 2015 من خلال تعليمة صدرت عن وزارة النقل، إلى إجبار أصحاب الدراجات النارية التي يفوق سمك محركها 50 سنتمترا مكعبا، على حيازة رخصة السياقة. وتم خلال نفس السنة، إجبارهم على  حيازة البطاقة الرمادية الخاصة بالمركبة.      

وحسب السيد سبعون، فإن إجبارية حصول سائقي الدراجات النارية على رخصة السياقة، لم تكن معتمدة قبل عشر سنوات، لكن الأمر تغير في ظل ما تتسبب فيه هذه المركبات من حوادث مرور مميتة، وما تعرفه من ارتفاع في عدد مستعمليها. ويُستثنى من هذا القانون الدراجات التي يقل سمك محركها عن 50 سنتمترا مكعبا، وهنا يمكننا طرح تساءل بديهي: كيف يمكن التعامل مع هذه الفئة في مجال الأمن المروري، وإجبارهم على تطبيق قانون لا يفقهون فيه شيئا؟ وتصنَّف رخص السياقة الخاصة بالدراجات النارية، حسب محدثنا، في الصنف أ1، وأ2، ويخص الأول الدراجات التي تكون سعة محركها بين 50 سنتمترا مكعبا، و124.9 سنتمتر مكعب. أما الصنف الثاني فيمثل الدراجات التي يفوق سمك محركها، 125 سنتمتر مكعب. وتفرَض على المتحصل على هذه الرخصة، نفس الشروط المطبقة على رخصة سياقة المركبات الأخرى، منها السير بسرعة 80 كيلومترا في الساعة لمدة سنتين، ويتم إجبار السائق على استعمال الخوذة والقفازات.

ويضيف محدثنا: "لا يمكن حاملَ رخصة سياقة الدراجات النارية، قيادةُ السيارات الأخرى برخصة الدراجات. كما لا يمكن حاملَ رخصة المركبات الأخرى، سياقةُ الدراجات النارية برخصة السيارات". ومن جانب آخر، يطرح السيد سبعون مشكل "الضمير الإنساني"، كما قال، الذي يجب أن يتحلى به سائقو الدراجات النارية. والضمير الإنساني والمهني الذي يجب أن يتحلى بهما أصحاب مدارس السياقة، وحتى المهندسون المكلفون بتأطير الامتحانات؛ إذ يتساهل الكثيرون في منح رخص السياقة للممتحنين!

مدارس السياقة "هياكل بدون روح"

لا يفوّت المتجول عبر الأحياء التي تتواجد بها مدارس السياقة، غياب أي دراجة نارية لتعليم السياقة. كما لا يلاحظ أي دراجة نارية توحي بأن صاحبها في خرجة تعليمية، وهو ما يعني أن رخص السياقة الخاصة بهذا النوع من المركبات، يتم تكييفها وفق مهارة الممتحن وليس العكس. وإذا كان الأمر يُهضم بالنسبة للمتمرسين في قيادتها، فإنه يُعد إشكالا كبيرا بالنسبة للأطفال بين سني السادسة عشرة والثامنة عشرة من المولَعين بقيادة الدراجات النارية، الذين يتم قبولهم لاجتياز امتحان الرخصة بتصريح أبوي.

ويتلخص دور الكثير من هذه المدارس - حسب الإعلانات التي تروّج لها - في منح  الشهادات بشكل تلقائي. والأكثر من ذلك، فإن عددا كبيرا من هذه المدارس، يستقبل ملفات التسجيل، لكنها توضح لطالب الرخصة أنها لا تقدم دروسا في السياقة. ويتوجب على المعني التحكم المسبق في القيادة قبل إجراء الامتحان، حيث تكتفي المدرسة بتدريس قانون المرور فقط بالنسبة للصنف أ1. وعلى الممتحن في الصنف أ2، اجتياز اختبار قانون المرور، واختبار القيادة في الطريق، وآخر في الطريق المفتوح.